باب التسوية

أمس (19/10/1440=22/6/2019)، اصطففنا لصلاة المغرب في أحد المساجد المقتطعة من مداخل بعض العمارات القاهرية، ومن فوقنا بواطن سلالمها البارزة المائلة، نوشك -إن لم تقع على رؤوسنا- أن نصطدم بها!ثم أدركَنا مِن عن يساري رجُلٌ قصير القامة صغير الجسم أشيب الشعر، خاف الاصطدام وأنا أولى منه بالخوف مرتين، فجذبني إلى طرف السجادة من خلف خط الصف المخطوط وكنت أنا يسار الصف بعيدا من قَلبه، فلم أنجذب، ثم جذبني، فلم أنجذب، ثم جذبني وتركني إلى من عن يميني، يجذبهم واحدا واحدا، حتى انجذبنا جميعا!

Read More

بصيرة

أن يبصّر الشيوخ الشبان ببعض أحداث مستقبلهم عملٌ معروف تغري أولئك به خبرتُهم وتصبّر هؤلاء عليه خشيتُهم. أما أن تنعكس الحالان فيكون الشبان هم الذين يبصّرون والشيوخ هم الذين يتبصّرون، فعملٌ غير معروف، ولا سبيل للإغراء ولا للخشية إليه إلا بين الشعراء؛ إذ يجوز للشاب الشاعر أن يبصّر الشيخ ويجوز للشيخ الشاعر أن يتبصّر بالشاب، وكأن الشعر سبيل ما لا يتسبّل، ووصلة ما لا يتوصّل!

Read More

وكشك والشيخ والجون، ذكرى قديمة

جلسنا صباح أحد أيام رمضان 1419=12/1998ØŒ في حجرة د.أحمد كشك رئيس قسم اللغة العربية بآداب جامعة السلطان قابوس بمسقط عمان، فذكرت لأمرٍ ما رسائل محمود درويش وسميح القاسم، فصاح الدكتور خليل الشيخ -وهو أردني ذو علم ورأي- قائلا لي: أرأيت البيان العالي الذي فيها! فنفيت أن يكون بها ما ذكر؛ فحملته على أن يشتد في حواري في هذا الشأن، فكان أن أدخلتهم ميدان بحثي هذا “الجزالة والركاكة: دراسة نحوية مقارنة”!

Read More

يا فرحي

رووا عن هشام بن السائب الكلبي (الأخباريّ النَّسّابة)ØŒ أنه قال: “حَفِظْتُ مَا لَمْ يَحْفَظْ أَحَدٌ، وَنَسِيتُ مَا لَمْ يَنْسَ أَحَدٌ؛ حَفِظْتُ الْقُرْآنَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ، وَقَبَضْتُ عَلَى لِحْيَتِي لِآخُذَ مِنْهَا مَا دُونَ الْقَبْضَةِ، فَأَخَذْتُ مَا فَوْقَ الْقَبْضَةِ”! ودع عنك حفظه الآن الذي تكاد لا تعرفه، وانظر في نسيانه؛ فقد كنتَ شديد العجب ممن يعمل الشيء وينسى من فوره أنه عمله، عجبا شديدا ربما أفضى بك إلى تكذيبه، حتى وجدت من نفسك مثل ما وجد؛ فاشتد به فرحك! أَلَا رجلا يعجب لفرحي هذا عجبًا أيَّ عجب، شديدا أو ضعيفا،…

Read More

يا فضيحتي

على رغم حسنات الإنترنت تشغب علينا منها سيئات تتبع تلك الحسنات تكاد تمحوها، مثل أن تمسك بذيل مادة حسنة أحيانا مادة سيئة؛ فأما إذا كنت خاليا فلن تعبأ بها والشهيد الرقيب الحسيب الحق –سبحانه، وتعالى!- وأما إذا كنت في ملأ فلن تستطيع ألا تعبأ؛ فإن السيئة عندئذ تتجاوزك، ولا تدري ما يفعل بها من تَلَقَّاها! ومنذ أسبوع نفذت إليَّ في أثناء عملي الإنترنتيّ نافذةُ إعلاناتٍ متعددةٍ مختلفةٍ: إعلانات سيارات، فإعلانات عطور، فإعلانات حُليّ، ثم فجأة ظهرت إعلانات صَواحب الحُليّ والعطور والسيارات! نحيتها، ومضيت إلى عملي، ولكنني خطر لي أنْ ربما…

Read More

من بركات اللغة العربية

بمركز الفيزياء النظرية الدولي في إيطالية، اجتمع الدكتور ميراب الجيورجي والدكتور هشام صديقي السوداني الكريم الفاضل، وائتلفا، وتصادقا، حتى صارا يتزاوران. ومرة دعا الدكتور ميراب صديقه إلى الطعام ببيته، فذهب، وهناك كانت زوجه وابنه ذو خمسة الأعوام. استأذنه داعيه ليعين زوجه على إعداد الطعام، وبقي معه ابنه. بالإنجليزية كان الصديقان يتفاهمان، ولا يعرف هذه الطفل غير الجيورجية، وكان متوقِّدا متحمِّسا؛ فبقي يتكلم مبتهجا بصديق أبيه، وكأنه هدية الإنسانية الخفية، التي أرادت بها التكفير عن كبيرة قَطْعِهِ من أهله وبلده، والدكتور هشام لا يعرف من الجيورجية إلا مثلما يعرف هذا الطفل…

Read More

الشيخ مبروك الطالب الدرعمي الكفيف

أواخر خمسينيات القرن الميلادي العشرين وأوائل ستينياته، سكنَتْ أحدَ أحياء القاهرة القديمة طائفةٌ فذةٌ من نبهاء طلاب كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، مضطرةً بقلة المال والوحشة من الأهل، فأما هذه فلأنها من الريف قدمت، وأما تلك فلأنها على الريف اعتمدت؛ فلم تكن في القاهرة أحسن حالا منها في الريف، ولم تكن لترضى أن تكون! طائفة من طوائف، كل طائفة في غرفة واحدة أو شقة كغرفة، فمن ضافها جهز نفسه لغرف الطوائف، ومن أضافه جهز نفسه لطوائف الغرف، ومضطرا أضاف أحد تلك الطائفة الفذة أحد بلديّيه القادمين؛ فلم يكن أَحْيَرَ منه…

Read More

استقرار المكانة

أواخر خمسينيات القرن الميلادي العشرين استقر بالدكتور كمال بشر مجلسه من أحد مدرجات كلية دار العلوم بمبناها القديم الكريم، وأقبل يهدر بما تلقاه عن فيرث أستاذه الإنجليزي الكبير، من دقائق نظريته في اعتبار المعنى اللغوي ودلالة السياق، فإذا طالبٌ نائم يقطع عليه بغطيطه هديرَه وكأنْ لا أثر لأيٍّ من هذه التهاويل الحديثة؛ فصاح فيه: تنبه؛ فتنبه! ثم كان من الطالب في المحاضرة اللاحقة ومنه، مثلُ ما كان في السابقة، ثمتَ كان في الثالثة مثل ما كان في الأوليين -قال الدكتور محمود محمد الطناحي- فطلب منه أن يأتيه في مكتبه. هرول…

Read More