عروضي بين موسيقيات 5

عروضي بين موسيقيات 2

عَرُوضِيٌّ بَيْنَ مُوسِيقِيَّاتٍ

(قصة تدريس عروض الشعر لطالبات الموسيقى)

– تأملن -يا بنياتي- هذا البيان العروضي، ألا تشبهنه من عملكن بشيء؟
– بلى؛ إنه كالبيان الموسيقي!
– الذي يسميه موسيقيو المصريين “النوتة الموسيقية”ØŸ
– نعم.
– أحسنت -يا ابنتي- أيما إحسان، أحسن الله إليك وإلى من علمك! وهذا منتهى ما أرجوه منكن لهذا المستوى، أن تخرجن في علم العروض وزن أية قصيدة وقافيتها هذا التخريج؛ فأنصتن.
– كأنك أغربت!
– لئن أغربت لقد وقعت لكن على كنز نفيس؛ فجلوته مثلما تجلى المرآة، لترين في مرآته أعمالكن العروضية، مثلما ترين في مراياكن أعمالكن غير العروضية!
– وماذا في هذا الكلام الوحشي العكلي؛ إنما يعرف الوحشي من الكلام الوحشي من الناس!
– لولا استبدالنا به ما استوحشنا منه؛ فإذا أزلنا عنه حجاب استبداله ذقناه فعرفنا نفاسته، ولا والله لا تجدن مثل حديث هذا العكلي عن معالجته نظم الشعر، ولا في شعر جرير والفرزدق والأخطل لات الشعر وعزاه ومناته! ألا ترين كيف قال: “أبيت” ليدل على طول إسهار عينه والناس نائمون، Ùˆ”بأبواب” ليجعل نفسه كالمتجسس المتحسس، Ùˆ”أصادي (أخادع)” ليدل على طول المراقبة، Ùˆ”سربا” ليدل على همته البعيدة، Ùˆ”من الوحش (غير المستأنس) نزعا (غريبة)” لينبه على أن السرب شموس عصي شديد الإباء أي أن مراده من الشعر أصعب من مراد غيره، Ùˆ”أكالئها (أراعيها، وأتابعها)” ليدل على حسن سياسته لها، Ùˆ”حتى أعرس (أنزل عن ركوبي فأرتاح)” ليدل على أنه لا ييأس حتى يتمكن منها، Ùˆ”بعدما يكون سحيرا أو بعيد (يبلغ الوقت أن يكون قبيل الفجر أو الفجر)” ليدل على أنه يشتغل بمراده عن الدنيا وما فيها، Ùˆ”فأهجعا” ليدل على أنه لو لم يتمكن من صيده ما التقى له جفنان ولا رقد جسم ولبقي ساعيا ما بقي واعيا!
– الله الله الله!
– أجل؛ هكذا ينبغي أن تقلن؛ فلله دره لا لغيره، ما أشعره!
– وهذه التقسيمات كيف صنعتها؟
– ألا تسألن لماذا ثم ماذا حتى تسألن كيف وما شئتن من أسئلة!
– فلماذا إذن ثم ماذا ثمت كيف ثمت متى ثمت لا ثمت!
– ستتعلمن قريبا -يابنياتي- تأسيس تخريج أية قصيدة في علم العروض، على تصحيح أدائها اللغوي وأدائها اللحني.
– اللحني!
– نعم؛ فمثلما ينبغي لكن عند تخريج أية قصيدة ألا تخطئن في شيء من لغتها، ينبغي ألا تخطئن في شيء من تلحين أدائها بما أعلمكن، ولاسيما أن تميزن بوقفات صاعدة أو هابطة مناسبة، بين أبياتها وأشطار أبياتها وتفعيلات أشطارها، هذه التي ميزتها أقسام البيان. ولو خيرت لاخترت التسجيل الصوتي، فأما وقد اضطررنا إلى التسجيل الكتابي فلا بأس بتسكين تلك الأقسام في عيون مجدولة، ثم إخفاء حدود الجدول، لتبدو أقرب إلى الوجود الطبيعي الحر.
– ولكن ما هذان الخطان تحت “نزعا” Ùˆ”أهجعا”ØŸ
– هذان تنبيهان على قافيتي بيتيهما.
– أهذا المقداران فقط هما القافية، وقد حفظنا:
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني؟
– رحم الله معن بن أوس المزني (ت: 64 هجرية)ØŒ وهو مقطع قطعته في أخيه “لعمر أبي ربيعة ما نفاه”ØŒ وقبله:
أعلمه الرماية كل يوم فلما استدّٓ ساعدُه رماني
عافاكن الله -يا بنياتي- من ظلم العقوق -فإنه معجل العقاب- وألهمكن الصبر حتى تعرفن من مسائل القافية، كيف اختلف الناس في كنهها -وما زالوا- فلا تتعجلن!
– وهذه العبارة المنثورة من تحت؟
– هي أشبه شيء بكتابة بيانات صاحب البطاقة الشخصية عن يمين صورته؛ ذلك التخريج التطبيقي بمنزلة الصورة، وهذا التخريج النظري بمنزلة البيانات؛ فكما لا تكتمل البطاقة ولا تعتمد إلا بالصورة والبيانات جميعا معا، لا يكتمل التخريج العروضي إلا بالتطبيق والتنظير جميعا معا.

Related posts

Leave a Comment