عروضي بين موسيقيات 2

عَرُوضِيٌّ بَيْنَ مُوسِيقِيَّاتٍ

(قصة تدريس عروض الشعر لطالبات الموسيقى)

– ما العروض عندكن؟
– وزن الشعر.
– وقافيته؛ نعم فعروض الشعر وزنه وقافيته، وعلم العروض علم وزن الشعر وقافيته جميعا معا؛ ولهذا لم يعرف للخليل بن أحمد واضع العلم كتاب في علم القافية؛ فظن في مفقوداته التي لا تحصى، والحق أن القافية عنده مع الوزن في العروض، وعلمها مع علمه في علم العروض؛ وهو القائل في كتاب العين: “العروض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه”ØŒ وهو لا يقوم بوزنه دون قافيته التي يستقر عليها وزنه. ثم في الاشتغال بمفقوداته نظر، من حيث ينبغي أن نذكر أن الخليل بن أحمد أحد طائفة من العلماء -منهم أبو عمرو بن العلاء- ساء بالتأليف ظنهم، وأعجبهم تأليف طلاب العلم دون تأليف كتبه، فلما مات تداعى تلامذته: هلم نحي علم الخليل؛ فأحيا سيبويه علمه بالعربية (النحو)ØŒ وأحيا الليث علمه بالغريب (المفردات)ØŒ وأحيا الموصلي علمه بالإيقاع (الموسيقى)ØŒ وأحيا الأخفش علمه بالعروض (وزن الشعر وقافيته)ØŒ …ØŒ وأحيا غيرهم علمه بغيرها.
– العروض والموسيقى!
– نعم، يا بنياني!
– وما للعروض والموسيقى؟
– ما لهما؟ أيتكن تعرف مجمع بينهما؟
– الأنغام.
– هه!
– الألحان.
– مم يتكون التعبير الموسيقى؟
– من أنغام وألحان.
– من أربعة عناصر: إيقاع، ولحن، وتوافق، وصورة؛ فاعلمن إذن أن العروض إيقاع خاص، وأن الإيقاع هو مجمع ما بين التعبيرين العروضي والموسيقى؛ وفي هذا ينبغي أن يكون مقال “الإيقاع بين العروض والموسيقى”ØŒ للدكتور يوسف شوقي. أتعرفنه؟
– وأنى لنا أن نعرفه!
– بل ينبغي أن تعرفنه قبلي؛ فلئن كان مصريا لقد انقطع هنا للموسيقى العمانية حتى جمع موادها، وأصل أصولها، وأسس مركزها!
– نعم نعم، أعرفه؛ لقد أحالنا على أعماله بعض أساتذتنا.
– الله أكبر! بارك الله فيك، يا بنيتي؛ هلا تفضلت علي بها؛ عسى أن يكون منها مقاله ذاك “الإيقاع بين العروض والموسيقى”!
– أفعل، إن شاء الله!
– رحم الله الدكتور يوسف شوقي؛ أي رجل كان! نعم؛ لقد كان عالم الحفريات بقسم الجيولوجيا من كلية العلوم بجامعة القاهرة، وعالم الموسيقى العربية الفذ، والأديب الأريب الذي أوتي الفهم عن قدامى الكتاب العرب، حتى تولى تحقيق كتبهم، ولم تتعاظمه ضخامتها ولا قدامتها -نعم- وأحد كبار الموسيقيين الذين أقاموا بالقاهرة مؤتمر الموسيقى العربية العالمي الوحيد الخالد سنة 1932! ويا ما كان أعظم بهجة عمي هو وزملائه بقسم الجيولوجيا، حين علموا أنه سيدرس لهم؛ فتطلعوا إلى اختبار ما قدروه فيه، ويا ما كان أعظم اكتئابهم حين علموا أنه قد اعتذر باشتغاله!
ولم يكن لمثله ألا يكون في أصحاب محمود محمد شاكر أستاذنا أستاذ الدنيا! نعم؛ حدثنا الدكتور محمود محمد الطناحي أنه دخل بيت الأستاذ شاكر، ثم توصل إلى منتحاه؛ فإذا به قد اجتمع هو والدكتور يوسف شوقي والدكتور عبد الله الطيب المجذوب -رحمهم الله جميعا، وطيب ثراهم!- يتنازعون تمثيل رموز الأصفهاني الموسيقية في كتابه الأغاني -أظنها التي من مثل: الخفيف الأول والثاني…ØŒ بالوسطى في مجرى البنصر…- فهاله جبروت تفكيرهم؛ فولى عنهم!
ولقد رأيت لذلك -يا بنياتي- أن أبدأ بما كنت أنتهي إليه إذا درست علم العروض لطلاب قسم اللغة العربية وآدابها، كلمتي هذه “لولا الغناء لم يكن الشعر، ولولا المغني لم يكن الشاعر”Ø› فلديكن من المعرفة الأولية ومن الأريحية الفنية، ما يغنيني عن طول التلطف في التأتي إليها.

Related posts

Leave a Comment