نافذتان على البحر

اطلعت من قبل على اشتراك بعض الرجال والنساء في بعض الأعمال العلمية، وكان بعضهم أزواجا مترابطين، يتحد بين كل زوجين منهم مجال البحث -وربما زَوَّجَهُما اتحادُه من قبل واجتماعهما عليه- فيفكران معا، وينجزان معا، ويقبلان ويدبران معا، فيتكاملان.
أما أن يشترك بعض الرجال والنساء في بعض الأعمال الفنية المستعصية بفَرادَتِها الشديدة على الاشتراك، ولا سيما غير الأزواج منهم- فمما ينبغي أن يكون، ولكنه لا يكاد يكون! وإنما كان في هذا الكتاب برأي من عرف كلا منهما وحده، فاستحسن أن يجمعهما عليه، فأحسن، وسبق إلى ما يحسب له!
“إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الْأَقْوَامِ (الرجال)” كما قال المثل الشعري العربي القديم، أي مُكَمِّلاتهم، ولو تيسر للشاعر أن يعكس كلمته، فيقول: “إِنَّ الرِّجَالَ شَقَائِقُ النِّسَوانِ (النساء)” مثلا، لأصاب آخِرًا مثلما أصاب أولا؛ فلا تقوم حياة ولا تستمر بأيٍّ من الذكور والإناث دون الآخر؛ ومن ثم يتطلع كل حكيم إلى معرفة رأي المرأة مثلما يتطلع إلى معرفة رأي الرجل.
وإن في هذا الكتاب لفرصة كبيرة لمن يريد من الحكماء أن يرى وَجْهَيِ الرأي، ويستوعب المشهد من نافذتيه المتقابلتين جميعا معا؛ فقد اجتمع الكاتبان (أسماء إبراهيم حميد الصياد، وحمادة عبد الإله حامد)، على تناول بعض الأحداث الواقعية، وطمحا في تناولها إلى بعض المعاني المثالية التي استبطناها من ورائها، رغبة في إصلاح الحياة النفسية والاجتماعية.
وفي أثناء تعلق الكاتبين بأسلوب السرد (القَصّ) كثيرا، تدفقت أفكارهما بأصواتها وكلماتها وتعبيراتها وجملها، قريبة سهلة، تمتاح من بحر الحياة النفسية والأسرية والمجتمعية والشعبية، من غير أن تخلو من ذلك الاستبطان الذي يَقِفُ كُلَّ بَحَّارٍ على عمق ذلك البحر وترامي أطرافه واضطراب أمواجه وبعد مداه؛ عسى أن يعد للإبحار عدته، فلا يندم بعد فوات الأوان.
ولقد ينبغي أن نحيي الكاتبين مرتين: مرة على اشتغالهما بهذا النمط من الكتابة في هذا الزمن المشغول بمشاغل أخرى، ومرة أخرى على إشراكهما لمعالم هذه المشاغل الأخرى وأخبارها أنفسها في أصل ما يكتبان، تعبيرا عن أنهما كائنان طبيعيان كغيرهما، يعيشان في هذا العالم، ويجمعان بين مشاغلهما ومشاغله، من غير أن تجور إحداهما على الأخرى.

Related posts

Leave a Comment