نمط من الإبدال وعلامة على الحذف

في إحدى القصص:

“أضر السجن به كثيرًا. الجوعُ… البردُ… الظلام… عفونة الجو… الرطوبة… الخوف والوحدة، أصيب بالهزالِ… الضعفِ… وآلام المفاصلِ”.

هل من الجمال أو من قواعد اللغة العربية أن نرص الكلمات هكذا دون أدوات ربط؟ وهل موضع النقاط الثلاث هنا صحيح؟ وهل تستخدم النقاط الثلاثة في مواضع كهذه أم لماذا؟ هل الجملة هكذا خطأ أم هو أمر وارد عند العرب؟ أم يجب أن نربطه بحروف العطف أو أي رابط آخر؟ كأن نقول: أضر به السجن كثيرًا؛ عانى من الجوعِ والبردِ والظلام، وخنقته عفونة الجو والرطوبةِ، وآذت روحه الوحدة والخوف؟

أحيانًا أرى من البلاغة ألا نوضح كثيرًا يعني يكفي كما قال الكاتب: أضر السجن به كثيرًا. الجوعُ… البردُ… الظلام… عفونة الجو… الرطوبة… الخوف والوحدة، أصيب بالهزالِ… الضعفِ… آلامِ المفاصلِ” وبالتأكيد سيفهمها القارئ ولا حاجة للشرح ووجود الفعل والفواصل وأحرف العطف، أليس كذلك؟ وكيف سنعربها؟ خبر لمبتدأ محذوف كلها؟ ما رأيكم؟

أثقلت عليكم ولكم جزيل الشكر.

حيا الله السائل الكريم، وأحيانا به!

أما النقط الثلاث فعلامة ترقيمية على الحذف أو الكتمان.

وأما الأسماء المتوالية دون عطف فكل منها بدل مما قبله.

وأما نصيب ذلك من جمال التعبير، فقد وُفقتَ أخيرا إلى تقديره بعدما ارتبت فيه أولا!

والله أعلى وأعلم،

والسلام!

النحو الوافي (3/ 640) يجوز حذف العاطف وحده ولا يكون هذا إلا في الواو، والفاء، وأو. فمثال الواو قوله عليه السلام: “تصدق رجل، من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره”ØŒ وما نقل من قول بعض العرب: أكلت خبزًا، لحمًا، تمرًا، وقول الشاعر: كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ مما … يغرس الود في فؤاد الكريم ومثال الفاء: قرأت الكتاب بابًا بابًا، وادخلوا الغرقة واحدًا واحدًا. والتقدير بابًا فبابًا، وواحدًا فواحدًا. ومثال: “أو” قولهم: أعط الرجل درهمًا، درهمين، ثلاثة.. تقديم المعطوف على المعطوف عليه”.

يكفيك في رد كلام عباس حسن نفسه أنه في مثل بابا بابا يجعل بابا الثانية توكيدا لفظيا لا معطوفا من حيث لم يستقر عنده القول بحذف العاطف إلا بين الجمل وأشباه الجمل وهو الأغلب على الأمثلة التي أوردها المراجع الكريم ومن ثم أرجو أن تظل فتواي على حالها ولولا خشية الإطالة لضمنت الجواب استنكار ذلك الملمح الأعجمي الذي يحذف حروف العطف مما بين المفردات المتعاطفة ويكتفي بما قبل المعطوف الأخير!

تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (7/ 3508): “ومن حذف الواو وبقاء ما عطفت قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «تصدّق رجل من ديناره من درهمه من صاع برّه من صاع تمره» أي من ديناره إن كان ذا دنانير، ومن درهمه إن كان ذا دراهم، ومن صاع بره إن كان ذا بر، ومن صاع تمره إن كان ذا تمر. ومنه سماع أبي زيد: أكلت خبزا لحما تمرا أراد خبزا ولحما وتمرا. ومنه قول الشاعر: 3357:

كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا … يغرس الود في فؤاد الكريم

أراد قول: كيف أصبحت وكيف أمسيت، فحذف المضاف والواو. ومن حذف أو بقاء ما عطفت: قول عمر رضي الله عنه «صلّى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء» أي ليصل رجل في إزار ورداء أو في إزار وقميص أو في إزار وقباء. وحكى أبو الحسن في المعاني أن العرب تقول: أعطه درهما درهمين ثلاثة بمعنى أو درهمين أو ثلاثة. وليعلم أن منع ابن جني، والسهيلي، وابن الضائع حذف حرف العطف فيه نظر؛ لأن هذه الشواهد المذكورة تدفعه. وقد تأول المانع بعض ما استشهد به على وجه لا يقبل ظاهرا. والحق ما ذكره المصنف، وكلام ابن عصفور موافق له في إجازة ذلك.

أخي المراجع الكريم، بارك الله فيكم!

لم أمنع القول بحذف العاطف مما بين الجمل وأشباه الجمل، ولكنني منعته مما بين المفردات. وليس فيما أوردت مما يحتمل ذلك غير هاتين العبارتين:

▪︎أكلت خبزا لحما تمرا

▪︎أعطه درهما درهمين ثلاثة

والإبدال في الثانية واضح، والقول بغيره تكلف. أما في الأولى فإن القول بأن المراد: ▪︎أكلت خبزا ولحما وتمرا إما أن يكون من التكلف، وإما أن يكون من تحريف العربية الذي ينبغي ألا نتبسط فيه.

والله من وراء القصد!

الحق أن القول بجواز حذف حرف العطف هو الأقوى وشواهده كثيرة بعضها في القرآن الكريم.

Related posts

Leave a Comment