الزمن الجميل

صور من خيالات الدكتور محمد جمال صقر


يمر كل شيء في هذه الدنيا بمراحل زمنية مختلفة، يكون في بعضها أقوى منه في بعض وأقدر وأفضل، يمتلئ بما لديه، ويستطيع ما لم يكن يستطيع، ويزيد على غيره. ثم قليلا قليلا يتدهور إلى حيث يفرغ ويعجز وينقص؛ فيظل حزينا على ما فاته، يستحسن ما كان فيه، ضيقا بما هو فيه:
وَإِذَا الشَّيْخُ قَالَ أُفٍّ فَمَا مَلَّ حَيَاةً وَإِنَّمَا الضَّعْفَ مَلَّا
[divider]
وعلى رغم اختلاف مراحل الأشياء في هذه الدنيا، ينبغي الاشتغال في كل مرحلة بما هي عليه -مهما كان- وعدم الانصراف عنها إلى بكاء غيرها؛ فإنه إذا كانت هذه المراحل خمسا مثلا، وكانت إحداها فقط هي التي يتألق فيها وجود الشيء قوة وقدرة وفضلا جميعا معا؛ فإنه لا عقل في إهمال المراحل الأربع بكاء على تلك المرحلة! بل العقل في اكتشاف مزاياها، والاجتهاد في الاستفادة مما فيها. على أنه كان ينبغي الاستعداد في مرحلة القوة والقدرة والفضل، لغيرها من المراحل الأقل قوة أو قدرة أو فضلا؛ وفي هذا المعنى كان حديث رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!-:
“اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”Ø› صدق رسول الله، صلى الله عليه، وسلم!
[divider]
ومن عجائب هذه الدنيا اجتماع وحشة الإنسان من كل جديد ولذته به جميعا معا! يستوحش منه مُلْتَذًّا به حين يسمعه أو يراه أو يلمسه أو يشمه أو يذوقه، حتى إذا ما تَعَوَّدَه أَلِفَه وصار كأنه هو نفسه، أو بضعة منه؛ وما ذاك إلا أنه حين يتردد عليه يطرح عليه نَفَحات من بَوْح صدره، وصورا من خيالات نفسه؛ فإذا هو منه في صحبة طيبة من الأرواح المتعارفة المؤتلفة، لا يصبر عليه إذا غاب عنه، ولا يجد طعم الحياة!
[divider]
ومن عجائب هذه الدنيا كذلك أن المكرور المألوف السابق ذكره، مَمْلولٌ، بل مفقودٌ! فإن العوائد تقتل الفوائد، ولا سبيل إلى حفظ فوائد المكرورات من عواقب المملولات، إلا أن نغير منها أو من أنفسنا، حتى إذا ما تلاقينا كل مرة تلاقينا جديدين، كأن لم نتلاق من قبل:
لَيْتَ شِعْرِي إِذَا أَدَامَ إِلَيْهَا كَرَّةَ الطَّرْفِ مُبْدِئٌ وَمُعِيدُ
أَهْيَ شَيْءٌ لَا تَسْأَمُ الْعَيْنُ مِنْهُ أَمْ لَهَا كُلَّ سَاعَةٍ تَجْدِيدُ
بَلْ هِيَ الْعَيْشُ لَا يَزَالُ مَتَى اسْتُعْرِضَ يُمْلِي غَرَائِبًا وَيُفِيدُ
مَنْظَرٌ مَسْمَعٌ مَعَانٍ مِنَ اللَّهْوِ عَتَادٌ لِمَا نُحِبُّ عَتِيدُ
لَا يَدِبُّ الْمَلَالُ فِيهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ عَقْدِ سِحْرِهَا تَوْكِيدُ
حُسْنُهَا فِي الْعُيُونِ حُسْنٌ جَدِيدُ فَلَهَا فِي الْقُلُوبِ حُبٌّ جَدِيدُ
أو كما قال ابن الرومي، قاتل الله شيطانه!

Related posts

Leave a Comment