شمس الليل، لآمنة المعولية تلميذتي العمانية النجيبة

 تَنْحَدِرُ الكُرَةُ الذَّهَبيَّةُ شَيْئًا فَشَيْئًا ،
نَحْوَ الأُفُقِ ،
ثُمَّ أَسْفَلَ مِنْهُ ،
هَاهِي تَتَوَارَى خَلْفَ العِمَارَاتِ المُتَفاوِتَةِ الطُّولِ!
تَخْتَبِئُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا ،
خَلْفَ الدَّكَاكِينِ المُتَرَاصَّةِ فِي خَطٍّ طَوِيلٍ مُنْتَظِمٍ ،
وَالَّتِي بَاتَتْ تُوَدِّعُ آخِرَ زَبَائِنِهَا!
تَخْتَفِي الشَّمْسُ،
خَلْفَ اَلْأَكْواخِ المُتَفَرِّقَةِ هُنَا وَهُنَاكَ،
وَالَّتِي بَدَأَ سُكَّانُهَا بِإِغْلَاقِ السَّتائِرِ،
وَإِشْعَالِ الأَضْوَاءِ،
فِي حَرَكَةٍ رُوتِينِيَّةٍ سَرِيعَةٍ،
كَمَا لَوْ أَنَّهُمْ يَسْتَعِدُّونَ لِمَعْرَكَةٍ مَا،
وَهِيَ -بِلَا شَكٍّ- جُيُوشُ الظَّلَامِ…!!
* * * * * * * * * *
إِذْ تُغَادِرُ الشَّمْسُ تَمَامًا،
حَامِلَةً طَرْحَتَها المُبَعْثَرَةَ فِي شُقُوقِ الأَرْضِ،
يَغْزُو المَسَاءُ نِصْفَ الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ،
مُمْتَطِيًا حِصَانَهُ،
وَشَاهِرًا سَيْفَهُ السِّحْرِي،
يُحَرِّكُهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً،
فَتَبْرُزُ النُّجُومُ هُنَا وَهُنَاكَ،
تَتَّخِذُ أَمَاكِنَهَا بِعَشْوَائِيَّةٍ مُنَظَّمَةٍ،
مُنْتَظِرَةً قُدُومُ شَمْسِ اللَّيْلِ،
فَبِلَّوْرَةُ النُّورِ البُرْتُقَالِيَّةِ لَمْ تُجَرِّدْ مَكَانَهَا تَمَامًا؛
هَاهُوَ ذَا خَلِيفُهَا اللَّيْلِيُّ،
يَبْدَأُ مُنَاوَبَتَهُ،
بِإِزَاحَةِ شُبَّاكِ الظُّلْمَةِ
وَإِنَارَةِ الكَوْنِ الوَاسِعِ،
شَاكِرًا لِلشَّمْسِ مَعْرُوفَهَا،
إِذْ تُغَذِّيهِ مِنْ نُورِهَا،
حَتَّى وَهِيَ غَائِبَةٌ عَنْ السَّاحَةِ…!!
* * * * * * * * * *
يَنْفُذُ شَبَحُ الظَّلَامِ،
مِنْ كُلِّ أَقْطَارِ الفَضَاءِ بِكِبْرِيَاءٍ وَأَنَانِيَةٍ،
يَدُكُّ عَصَاهُ دَكَّةً فِي الأَرْضِ،
فِينْتَشِرُ جَيْشُهُ الجَبَّارُ – كَمَا سُرْعَةِ البَرْقِ- فِي كُلِّ بُقْعَةٍ،
يُخِيفُ الأَطْفَالَ وَيَسْبِي الرَّاحَةَ،
يُقَهْقِهُ بِكِبْرٍ وَفَخْرٍ،
ظَانًّا أَنَّ الكُرَةَ بَاتَتْ فِي مَلْعَبِهِ،
– سَيَنْشُرُ الخَوْفَ والْقَلَقَ فِي أَرْجاءِ البَسيطَةِ…!!
وَلَكِنْ…
هَاهُوَ البَدْرُ يُعَجِّلُ الطُّلُوعَ،
وَيُسْرِعُ فِي نَشْرِ خُيوطِهِ اَلْحَنُونَةِ هُنَا وَهُنَاكَ،
فِي الأَزِقَّةِ،
وَعَلَى السُّطُوحِ،
تَمَامًا كَمَا وَصَّتْهُ الشَّمْسُ،
يُرَبِّتُ عَلَى نِصْفِ الأَرْضِ،
حُبًّا وَإِشْفَاقًا عَلَى أَبْنَائِهَا مِنْ قُيُودِ الوِحْشَةِ،
يَحْرُسُهَا بِرِقَّةٍ مُتَفَانِيَةٍ،
يَبْتَسِمُ،
وَهُوَ يَرَى البَشَرَ يُغَازِلُونَهُ،
والشُّعَرَاءَ يُرَتِّلُونَ حَوْلَهُ القَوافِيَ الرُّومَانْسِيَّةَ،
وَهُنَاكَ مَنْ يُصافِحُهُ -بَحِبٍّ جَمٍّ-
وَهُوَ يُتَمْتِمُ عِبارَاتِ الشُّكْرِ،
وَذَاكَ يَلْتَقِطُ لِلْقَمَرِ صُورَةٌ احْتِرَافِيَّةٌ،
فَمَا أَجْمَلَ شَمْسُ اللَّيْلِ،
حِينَ تَسْتَلْقِي عَلَى مَرْعى سَمَاوِي اللَّوْنِ،
تُؤَطَّرُهَا -بِإِخْلَاصٍ- نُجُومٌ مُلْتَمِعَةٌ،
كَشَعْبٍ وَفِيٍّ يُحِيطُ بِحَاكِمِهِ العادِلِ…!!
* * * * * * * * * *
أُيْقِظَتْ مَصَابِيحُ الشَّارِعِ،
وَبَدَأَ مُرْتَادُوهُ يَهْرَعُونَ إِلَى بُيُوتِهِمِ،
تَعَطُّشًا لِلرَّاحَةِ بَعْدَ يَوْمٍ مُضْنٍ مُتْعِبٍ،
يَهْجُرُونَهُ ،
بَعْدَ أَنْ يَعِدُونَهُ -وَعْدًا لَا رَيْبَ فِيه-
بِإِحْيَاءِ جَنَبَاتِهِ -المُزْدَانَةِ بِزُهُورٍ مُلَوَّنَةٍ فِي الغَدِ-
يَجُرُّونَ أَرْجُلَهُمْ،
نَحْوَ مَنازِلِهِم المُتَواضِعَةِ البَهِيَّةِ،
مُسْتَثْمِرِينَ بَقَايَا قُوَاهُم المُتَجَمِّعَةِ فِي أَجْسَادِهِمِ الْخَائِرَةِ، لِيَلْتَقُوا العَائِلَةَ،
وَيَجْمَعُهُمْ عَشَاءٌ دَافِئٌ،
وَكوبُ شَاي سَاخِنٍ يَطْرُدُ مِنْ خَلَايَاهُمِ الصَّقِيعَ المُؤْذِي، وَيَشْفِيهِم مِنْ وَبَاءِ البَرْدِ…!
فَهُمْ يُؤْمِنُونَ،
بِأَنَّهُ مَهْمَا حَاصَرَهُمُ الظَّلَامُ وَأَخَافَهُم،
فِإِنَّ الوَهَجَ سَيَأْتِي لَا مَحَالَةْ،
بَهْجَةُ لِقَاءِ الأَحِبَّةِ،
وَفَرْحَةُ الْالتِفَافِ حَولَ المَائِدَة،
جَمَالُ الطَّرَائِفِ وَالمَوَاقِفِ
التِي مَرَّ بِهَا الجَمِيعُ خِلَالَ يَومِهِم،
حَلَاوَةُ الضِّحْكَاتِ رُغْمَ الإِرْهَاقِ الَّذِي يَسْبِقُ النُّعَاسَ،
ثُمَّ التَّضَرُّعِ لِلهِ بِالدُّعَاءِ لِيُدِيمَ النِّعَمَ وَيُكْثِرُهَا،
إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُرِيحَ نُفُوسَهُمْ،
وَيَقْهَرَ الظَّلَامَ لِيَجْعَلَهُ نَكِرَةً لَا هُوِيَّةَ لَهُ وَلَا ذِكْر..!!
فَقُوَّةُ الحُبِّ تُضِيءُ كُلَّ شَيءٍ حَوْلَهَا،
* * * * * * * * * *
تَتَدَاعَى الأَصْوَاتُ شَيْئًا فَشَيْئًا..!
كَمَا نِهايَةِ أُغْنيَةٍ..!
وَيَتَرَاخَى صَخَبُ الشَّارِعِ تَدْرِيجِيًّا…!!
تَنْقَرِضُ تَجَمُّعاتُ البَشَرِ عَلَى أَرْصِفَةِ الطَّريقِ …!
وَتَهْدَأُ الرِّجْلُ …!
يَفْرُغُ مَسْرَحُ الكَوْنِ،
إِلَّا مِنْ ضَوْءٍ مُوَجَّهٍ إِلَى مَنْ يَدْعُونَهُ (المَسَاءَ) …!!
هَاهُوَ ذَا يَتَحَدَّثُ عَنْهُ بِسَلَاسَةٍ مُطْلَقَةٍ،
بِدُونِ تَأْتَأْةٍ،
بِدُونِ وَقَفَاتٍ لِإِكْمَالِ فَرَاغِ جُمْلَةٍ مَا..!!
بِدُونِ أَيِّ تَعَثُّرٍ أَوْ هَفَواتٍ ..!!
يَتَحَدَّثُ بِارْتِجَالٍ عَنْ نَفْسِهِ …!
فَيَبْرُزُ بَيَانُهُ بَيْنَ اقْتِضَابِ عِباراتٍ عَذْبَةٍ..!!
يُسْهِبُ وَيُطْنِبُ،
وَلَكِنَّ الضَّجَرَ وَالسَّأَمَ نَفْسَهُمَا يَسْتَحْيَانِ الوُلُوجَ إِلَى عُقُولِنَا المَسْلُوبَةِ بِبَدِيعِ مَعَانِي “ذَا الرِّدَاءِ الأَزْرَقِ” …!!
نَعَمْ ! !
حَانَ دَوْرُ المَسَاءِ فِي إِظْهَارِ بَلَاغَةِ حَدِيثِهِ
وَزُلَالِ فَصَاحَتِهِ …!

أُفُقْ ٢٥-١٠-٢٠٢٠

Related posts

Leave a Comment