Øين كان الÙلاØون اليابانيون يلتقون بعد الÙراغ من أعمالهم الشاقة التي استÙرغوا Ùيها يوما أو أسبوعا من مادة القرن الخامس عشر الميلادي، كانوا يلعبون هذه اللعبة الأدبية: أن يؤل٠أØدهم بيت شعر رÙيع الأسلوب من سبعة عشر مقطعا لغويا، يقسمها على ثلاثة أقسام: خمسة Ùسبعة Ùخمسة، Ù…ÙتَخَابÙثًا Ùيها بجمع ما ينبغي أَلَّا يجتمع أو تÙريق ما ينبغي أَنْ يجتمع، متØريًا أن يشير ببعض تلك المقاطع إلى أجواء الÙصل الطبيعي الذي يعيشونه عندئذ سماءً وأرضًا وهواءً- ثم يليه غيره، إلى أن تتراكم عشرات الأبيات، ÙيصطÙوا مما ألّÙوه مئة بيت Ùقط، يسمونها “الرÙّينْجَا (الرÙّينْغَا)”ØŒ يتخذونها قصيدة ذلك الÙصل، التي تخلده وتخلدهم، ثم تتوالى على عين الخلود الÙصول٠والقصائد!
ثم ÙÙŠ القرن السابع عشر الميلادي استقل كل شاعر ببيته ذي السبعة عشر مَقْطَعًا ÙÙŠ ثلاثة الأقسام، مكتÙيًا ÙÙŠ قصيدته به ÙˆØده، مستنكرا أن يتكثَّر وهو لو ÙˆÙÙÙّقَ ÙÙŠ عمره كله إلى بيت٠واØد صادق ناÙØ° لكان خيرا له، ثم سماه “الهَايْكÙÙˆ”ØŒ وعرَّÙÙ‡ بأنه “مَا ÙŠÙŽØْدÙØ«Ù ÙÙÙŠ هَذَا الْمَكَانÙØŒ ÙÙÙŠ Ù‡ÙŽØ°Ùه٠اللَّØْظَةٔ.
لم يخل هذ التطور Ø§Ù„ÙˆØ§Ø¶Ø Ù…Ù† أثر الثقاÙØ© الصينية كما يقول ريو يوتسويا من كتابه “تاريخ الهايكو الياباني”ØŒ ÙÙŠ ترجمته باشو ماتسويو (1644-1694)ØŒ أعظم شعراء الهايكو على الإطلاق: “لقد تأثر بشكل كبير بتشوانغ تسو الÙيلسو٠الصيني للقرن الرابع قبل الميلاد، وقد وظ٠نصوصا من كتاب المعلم تشوانغ. لم يعط تشوانغ قيمة كبيرة للذكاء كما أنكر الأسلوبية، واعتبر أن القيمة الØقيقية توجد ÙÙŠ الأشياء التي تبدو ظاهريا بلا جدوى، كما اعتبر أننا سنØيا بشكل جيد لو أننا لم نخال٠الطبيعة”.
مثَّل ريو يوتسويا Ùكرتَه بقول باشو –والبÙلْشÙون٠والتَّدْرÙج٠طائران-:
- “سَنÙمَدÙّدْ
قَائÙÙ…ÙŽØ©ÙŽ الْبÙلْشÙونْ
ØÙينَ Ù†ÙضÙÙŠÙ٠إÙلَيْهَا قَائÙÙ…ÙŽØ©ÙŽ التَّدْرÙجْ”!
ثم قال: “هذه القصيدة تعارض نصا من كتاب المعلم تشوانغ (عندما نرى شيئا طويلا، لا ينبغي أن Ù†Ùكر أنه أكبر طولا إذا كان ÙÙŠ الواقع طوله طبيعيا، قوائم الØذ٠قصيرة، لكنه سيصرخ إذا مددناها له بالقوة، قوائم الكركي طويلة، لكنه سيØتج باكيا إذا قطعناها بسكين)ØŒ باشو عن عمد تلاعب بÙعل تمديد قائمة طائر، الذي سبق أن ألغاه تشوانغ، ليبين العبثية والنÙعية. هذا الهايكو يبين بسخرية ضع٠الذكاء البشري”.
ومن هَايْكÙÙˆ باشو:
- – “الرَّبÙيع٠يَمْضÙÙŠ
الطÙّيÙور٠تَصْرÙخْ
عÙÙŠÙون٠سَمَك٠مÙغْرَوْرÙÙ‚ÙŽØ©ÙŒ بÙالدÙّمÙوعْ”ØŒ
- “تÙزْهÙر٠الْØÙنْطَةْ
دÙونَ أَنْ تَسْقÙطْ
قَطْرَة٠نَدَى”ØŒ
- – “Ù‡ÙŽØ°Ùه٠الطَّرÙيقْ
لَا Ø£ÙŽØَدَ يَجÙوبÙهَا الْآنْ
عَدَا شَمْسَ الْغÙرÙوبْ”!
وعلى هديه سار شعراء اليابانيين؛ Ùتقدموا بالهايكو إلى أن Ø£Ùردوا له عام 1898 “هوتوتوجيسو (مجلة الهايكو)”ØŒ التي ØÙلت بنتاج منه هائل متنوع، تÙرجم منه إلى غير اليابانية ÙÙŠ القرن الميلادي العشرين ما وقع موقعا طيبا من كثير من شعراء العالم المتوقÙÙ‘Ùين ÙÙŠ إطالة القصائد واستكراهها المتطلÙّعين إلى خلط أشعارهم بمزاج٠آخر غير المزاجين الأوربي والأمريكي، وقَلَّدوه متمسكين Ø¨Ù…ØµØ·Ù„Ø “الهايكو”ØŒ على صعوبة ØَذْوÙÙ‡Ùمْ Øَذْوَه٠أØيانا، ولم يروا عندئذ بالأمر بأسا، من Øيث لم يعد Ø£Øد يستطيع أن ينكر اشتمال الثقاÙØ© الإنسانية العامة على الثقاÙات القومية الخاصة –مهما كان اختلاÙها أو تعاديها أو تناÙيها- ولا أن يتجاهل أثرَها ÙÙŠ رسم ملامØها، الذي يشهد على عدم استغنائها عنها!
Ùمن جاك كيرواك الأميركي، القائل:
- “طَوَالَ الْيَوْم٠أَرْتَدÙÙŠ
Ù‚Ùبَّعَةً لَمْ تَكÙنْ
عَلَى رَأْسÙÙŠ”ØŒ
وماريو بينديتي الأوروجوائي، القائل:
- “أَسْوَأ٠مَا ÙÙÙŠ الصَّدَى
أَنَّه٠يَقÙولْ
الْÙَظَاعَات٠عَيْنَها”ØŒ
وخوسي خوان تابلادا المكسيكي، القائل:
- “قَوْقَعَة٠سَرَطَان٠الْبَØْر٠الصَّغÙيرَةْ
غَيْر٠مَرْئÙيَّة٠عَلَى الشَّاطÙئْ
وَوَقْع٠صَدَاهَا يَمْلَأ٠الْمَدَى”ØŒ
وخوان خوسي دومينشينا الإسباني، القائل:
- “طَائÙرٌ Ù…ÙŽÙŠÙّتْ
Ø£ÙŽÙŠÙÙ‘ اØْتÙضَار٠لÙلرÙّيشْ
ÙÙÙŠ الصَّمْتْ”ØŒ
وجيم نورتون الإنجليزي، القائل:
- “تَمْشÙÙŠ Ù‚ÙدÙمَا
عÙشْب٠الرَّبÙيع٠خَلْÙَكْ
يَمْØÙÙˆ خَطَوَاتÙكْ”ØŒ
-…ØŒ وغيرهم، تنقل الْهَايْكÙÙˆ Øتى بلغ عز الدين المناصرة العربي الÙلسطيني، القائل ÙÙŠ ديوانه الأول “يا عنب الخليل”ØŒ المنشور عام 1968:
- “يَا بَابَ دَيْرÙنَا السَّمÙيكْ
اَلْهَارÙبÙونَ خَلْÙÙŽ صَخْرÙÙƒÙŽ السَّمÙيكْ
اÙÙْتَØÙ’ لَنَا نَاÙÙذَةً ÙÙÙŠ الرÙّوØÙ’”ØŒ
ومØمد الأمير Ø£Øمد العربي السوري، القائل ÙÙŠ مجلة “نبض الهايكو”:
- “غÙرÙوبٌ بَطÙيءْ
ÙŠÙŽØْمÙل٠الْبَØْر٠جÙرَاØَهْ
أَخْشَابًا طَاÙÙيَةْ”ØŒ
ÙˆØ³Ø§Ù…Ø Ø¯Ø±ÙˆÙŠØ´ العربي المغربي، القائل ÙÙŠ صÙØØ© “قصيدة هايكو الإلكترونية= https://twitter.com/Sala20018“:
- “بÙرْكَةٌ صَاÙÙيَةْ
اَلْعَصَاÙÙيرْ
تÙØÙŽÙ„Ùّق٠ÙÙÙŠ الْأَعْمَاقْ”ØŒ
-…ØŒ وغيرهم!
لقد ضبطت أواخر أسطر تلك الأمثلة كلها على مقتضى الوقÙØŒ بما Ùهمته من أصل تقسيم الشاعر الياباني بيته الواØد على ثلاثة أقسام، Øرصا على Ø¥Øداث الأثر المراد السابق ذكره.
إن إيقاعَ كلÙÙ‘ شعر٠مَظهرٌ مكثَّ٠من إيقاع لغته، ولا ريب ÙÙŠ عجز ترجمته وتقليده عن تَوْÙÙيَتÙÙ‡ÙØŒ إلا أن يتØرى مترجمÙÙ‡ ومقلدÙÙ‡ أن يوازياه بما ÙÙŠ لغتهما من إيقاعها الخاص، مثلما Ùعل سعيد بو كرامي بترجمة هَايْكÙÙˆ باشو الأول؛ Ùقد أخرجه من بØر المتدارك الØر:
- “سَنÙمَدÙّدْ
ÙَعÙلَاتÙنْ
قَائÙÙ…ÙŽ/Ø©ÙŽ الْبÙلْ/Ø´Ùونْ
ÙَاعÙÙ„Ù ÙَاعÙلْ Ùَاعْ
ØÙينَ Ù†Ù/ضÙÙŠÙ٠إÙ/لَيْهَا/ قَائÙÙ…ÙŽ/Ø©ÙŽ التَّدْرÙجْ”!
ÙَاعÙÙ„Ù ÙَاعÙÙ„Ù ÙَاعÙلْ ÙَاعÙÙ„Ù ÙَالَاتÙنْ
ومثلما Ùعل عز الدين المناصرة ÙÙŠ الهَايْكÙÙˆ السابق؛ Ùقد أخرجه من بØر الرجز الØر:
- “يَا بَابَ دَيْ/رÙنَا السَّمÙيكْ
Ù…ÙسْتَÙْعÙÙ„Ùنْ Ù…ÙتَÙْعÙلَانْ
اَلْهَارÙبÙÙˆ/Ù†ÙŽ خَلْÙÙŽ صَخْ/رÙÙƒÙŽ السَّمÙيكْ
Ù…ÙسْتَÙْعÙÙ„Ùنْ Ù…ÙتَÙْعÙÙ„Ùنْ Ù…ÙتَÙْعÙلَانْ
اÙÙْتَØÙ’ لَنَا/ نَاÙÙذَةً/ ÙÙÙŠ الرÙّوØÙ’”ØŒ
Ù…ÙسْتَÙْعÙÙ„Ùنْ Ù…ÙسْتَعÙÙ„Ùنْ Ù…ÙسْتَÙْعْ
ومن معالم إيقاع الهاكو الياباني المتأصلة Ùيه، انقسامه على ثلاثة أسطر، لا أقل ولا أكثر، وكأنه مظهر آخر من مظاهر تعلق الإنسان بالتثليث ماديًّا ومعنويًّا (أهرام الÙراعين، وبيوت اليابانيين، وزخرÙات الÙنانين، وتصميمات المهندسين، وآراء النØويين، وتقسيمات المتÙلسÙين، وتجديÙات الملØدين…)ØŒ يق٠مؤديها على أواخرها، Ùتبدو كأنها ثلاث زÙرات متكاملة أو ثلاث مَطَرات أو ثلاث طَرَقات، Øرية بكمالها أن تؤثÙّر؛ Ùإن الكمال ÙÙŠ الوتر، وأوله الثلاثة!
ÙÙŠ رØاب الهايكو
Øوار مع الشاعر والمترجم المصري Øسني التهامي
https://www.diwanalarab.com/
%D9%81%D9%8A-
%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D8%A8-
%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%
A7%D9%8A%D9%83%D9%88
كل تجربة ولها بداية، كي٠اختلى بك هذا الØلم الشعري وأنت لا زلت تتلمس الطريق؟
* ابتدأت مشواري الشعري ÙÙŠ سن٠مبكرة تØديدا ÙÙŠ الثانية عشرة من عمري. وكان للقرية التي نشأت Ùيها دور مهم ÙÙŠ تشكيل معالم تجربة أولى تتسم بالبساطة، وربما بالسذاجة، لكنها تØمل عبقا سØريا لا يزول أثره لأنه ÙŠÙ…ØªØ Ù…Ù† نبع الطÙولة الصاÙÙŠ. ÙÙŠ Ø£Øضان الري٠الÙاتن Øيث تناغم الأشياء وموسيقى الØياة الهادئة التي تعزÙها خضرة الØقول وخرير المياة وصوت العصاÙير والقبرات وهÙÙ‡ÙØ© النسائم العذبة؛ كل هذا البهاء الكوني استطاع أن يشكل ألوان اللوØØ© الأولى لبداية شعرية Øلمية تتماهى Ùيها الألوان زاهية ÙˆØلوة وصاÙية.
ÙÙŠ مدرسة قرية طوخ طنبشا التابعة لمØاÙظة المنوÙية كانت تجذبني النصوص الشعرية والنثرية ÙÙŠ المرØلة الإعدادية لشعراء وكتاب العربية البارزين. لاØظ أستاذيَ ÙÙŠ اللغة العربية عبدالعزيز عبدالرØمن وزكريا سلام اهتمامي بالشعر على Øداثة سني، Ùشجعاني على أن أكمل المسار Ù†ØÙˆ الكتابة. تلك كانت بداية طيبة -على الرغم من عدم نضجها واكتمالها- تنبئ عن ميلاد شاعر يشق مجاهل الØياة وهو يتØسس الخطى Ù†ØÙˆ عوالم الشعر. أض٠إلى ذلك دور بيوت الثقاÙØ© ÙÙŠ استقطاب وتنمية المواهب الشعرية والÙنية ÙÙŠ المدن والقرى. ÙÙŠ هذه الدور الثقاÙية كنت أشارك ÙÙŠ الندوات الشعرية ويØتÙÙŠ بتلك المشاركات مدير قصر ثقاÙØ© بركة السبع المرØوم سعيد عثمان. ÙÙŠ مثل هذا الأمسيات كنت أق٠على تجارب الآخرين، ثم رويدا رويدا بدأت تتÙØªØ Ù…Ù„ÙƒØ© الشعر، وكلما وقعت عيني على تÙاصيل العالم المدهشة خرجت يرقات الشعر غضة كمنابت الØلم الأولى.
2-كي٠أقنع شعر الهايكو الشاعر Øسني التهامي أن يتعانقا علانية ØŒ Ùيغير اتجاه تجربته الشعرية؟
* كانت تØربتي ÙÙŠ الدواوين الثلاثة الأولى “زنبقة من دمي”ØŒ “الصبار على غير عادته” Ùˆ”أشجارنا ترتع كالغزال” تميل إلى النÙس الطويل ÙÙŠ الكتابة، ومن طبيعة قصيدة التÙعيلة المزج بين الواقعية والرمزية وإبراز دور الموسيقى ÙÙŠ النص سواء أكانت ظاهرة من خلال الالتزام بالبØر الشعري أم داخلية عبر تناغم الألÙاظ والمعاني. مثل هذا اللون الشعري سلط الضوء على القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية بنوع من الترميز والعمق. ÙÙŠ المØطة التالية لقصيدة التÙعيلة كانت قصيدة النثر، ولم أطل المكث طويلا، Ùقد تضمن الديوان الثالث” أشجارنا ترتع كالغزال” بعض قصائد تنتمي بشكل ØµØ±ÙŠØ Ø¥Ù„Ù‰ تجربة القصيدة النثرية التي تخلت تماما عن مسالة الإيقاع، واعتمدت التكثي٠والتركيز على جمالية بناء الجملة.
ثم بعد تلك التجارب الثلاث وجدت رغبة ملØØ© ÙÙŠ استكشا٠نمط جديد للكتابة ÙŠÙ†Ø²Ø Ø¥Ù„Ù‰ الاختزال والتكثيÙØŒ إلى نوع يصل إلى غور الأشياء والتوØد معها بكلمات بسيطة وبمÙردة تقوم بدورها ÙÙŠ النص ولا تكون مجرد Øشو يمكن الاستغناء عنه، Ùكان الهايكو! ÙÙŠ المØاولات الأولى لتجربة الهايكو كنت أكتبه Ø¨Ø±ÙˆØ Ù‚ØµÙŠØ¯Ø© التÙعيلة والنثر، ولم أكن أعلم من خصائص هذا الÙÙ† إلا القليل، Ùكان يتخلل النص دÙقات من المشاعر المباشرة، وهذا بالطبع لم ÙŠØمل خصائص الهايكو أو يقترب من Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ù‡Ø§ÙŠÙƒÙˆØŒ لكنه شعر. ومع القراءات الواعية للتجربة اليابانية ÙÙŠ الهايكو والاطلاع على المقالات الأكاديمية عن هذا الÙÙ† بدأت تتكش٠لي أسرار جمالياته، وعرÙت أن الهايكو ÙŠØتاج إلى قدرة هائلة ÙÙŠ تشكيل المشهد الشعري عن طريق التأمل ÙÙŠ الطبيعة والتÙاصيل الكونية والتماهي معها للوصول إلى Øالة من الصÙاء الروØÙŠ. كل هذا جعلني -على الرغم من التزامات هذا الÙÙ† باشتراطات وجماليات معينة- ÙÙŠ Øالة انعتاق وعناق: انعتاق Ù†ØÙˆ الجمال والتجريب، وعناق لهذا القادم الجديد من بلاد الشمس، وهذا يعني أن الهايكو ليس قيدا يكبل المبدع، لكنه تعبير عن Ù„Øظة جمالية عابرة تØمل ÙÙŠ طياتها -عند القبض عليها- معاني الجمال الخالد.
3-كي٠ترى هذا المولود “شعر الهايكو” الذي نما ÙÙŠ الأرض العربية تاركا جذوره ÙÙŠ اليابان؟
* ÙÙŠ رأيي هناك بداية تشكلات Øقيقية لشعر الهايكو ÙÙŠ الوطن العربي أو بمعنى دقيق للشعر الذي يقترب من Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ù‡Ø§ÙŠÙƒÙˆØŒ هناك أسماء مهمة على قلتها تلمع ÙÙŠ هذا اللون الشعري. على الرغم من كثرة النصوص الضعيÙØ© التي لا تنتمي إلى الهايكو ولا تØمل منه إلا الثلاثة أسطر، ناهيك عن كثرة المنتديات التي تØاول أن تجتذب أعضاءها عن طريق التكريمات الزائÙØ©ØŒ ولا تØرص على تسليط الضوء على جماليات هذا الÙÙ† والتÙرقة بين الإبداع الأصيل وبين نصوص لا تنتمي ÙÙŠ الأساس إلى أي نوع من أنواع الأدب.
هناك من يعتقد يقينا أن الهايكو لا يوجد إلا ÙÙŠ بلد المنشا، اليابان وكل ما يكتب ÙÙŠ أي بلد آخر لا يجب أن ÙŠØمل هذا الاسم، لسبب أساسي وهو أن قصيدة الهايكو ترتبط ÙÙŠ الأساس بالإيقاع الذي تتمتع به اللغة اليابانية التي يكتب بها الهايكو، Ùكل ما يكتب خارج اليابان من نصوص قصيرة ما هو إلا قصائد مختزلة. ويسعي البعض من المبدعين العرب أن يطلقوا مسميات عربية لهذا النوع مثل “الهكيدة” كالدكتور جمال الجزيري، والبعض الآخر يكتب نصوصا تخرج عن النمط الياباني كنوع من التجديد وإضÙاء السمت العربي على Ø±ÙˆØ Ù‡Ø°Ø§ الÙÙ† كالشاعر عبدالكريم كاصد من العراق ÙˆØ³Ø§Ù…Ø Ø¯Ø±ÙˆÙŠØ´ من المغرب. ÙˆÙÙŠ رأيي ليس مهما أن ÙŠØمل هذا المنتج الشعري مسمى الهايكو، وأØبذ ان أطلق على هذه النصوص الخلاقة شعرا يقترب من Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ù‡Ø§ÙŠÙƒÙˆØŒ كالذي قدمته المدرسة التصويرية الأمريكية ÙÙŠ أوائل القرن العشرين، تأثرت تلك الØركة كثيرا بالإبيجراما اليونانية والهايكو، ولم يدّع٠روادها يوما أنهم يكتبون هذين الÙنين، ولم ينسبوا لأنÙسهم السبق ÙÙŠ تأسيس مدرسة أدبية جديدة. مع ذلك Ùقد أثرت Øركتهم الأدبية على الشعر الأوربي.
مما لا شك Ùيه أن اللغة العربية Øتما ستكسب شعر الهايكو مذاقا خاصا بثرائها وقدرتها على اØتواء أي Ùن، وهي أيضا قادرة على إكسابه روØا خاصة ومميزة بمÙرداتها وإيقاعاتها المتنوعة وميزة الاشتقاق التي تتميز بها، عند تصوير ما ÙŠØيط بالشاعر العربي من بيئة وطبيعة وأØداث ÙŠØتدم بها الواقع العربي.
Ùقط ما ÙŠÙتقده عالمنا العربي لتاصيل هذا المولود ورعايته بغض النظر عن مسماه وتغير خصائصه إلى العمل المؤسسي الذي يهيئ للمبدع العربي مناخا صالØا للإبداع والتجديد.
هل يمكن أن نقول أن هناك “هايكو عربي” (بنظرة ناقد متÙØص للشأن الأدبي، لا بنظرة هايكيست)ØŸ
* ÙÙŠ العالم العربي هناك موجة هايكو، وتلك الموجة تشي بأن هناك Øراكا قويا للهايكو، Øتى الأماكن التي لم تصلها تلك الموجة قد تناثر على قرائها رذاذ هذا الÙÙ† الجديد. جاءت تلك الموجة نتاجا لمنتديات شتى مختصة بالهايكو، البعض منها يقدم إبداعا Øقيقيا والبعض الآخر يضيع أوقات وجهد مرتاديها ويبيع لهم أشكال الوهم والخداع، Ùيعتقد أن ما يكتب ÙÙŠ مثلك تلك المنتديات هايكو، ÙÙŠ Øين أنه ليس إلا “عبثا”!.
ولقد وقعت ÙÙŠ شرك هذه الخداع ÙÙŠ بداية معرÙتي بالهايكو، Øيث كنت أكتب نصوصا لا صلة لها بالهايكو، Øتى قرأت كثيرا لباشو ويوسا بوسن وإيسا وغيرهم من الشعراء الأوائل الذي أرسوا جماليات هذا الÙن، واطلعت أيضا على تجربة الهايكو الØداثية ÙÙŠ اليابان والتي تأثرت بالواقعية الأوروبية، ÙˆØتى على التوجه الØالي الذي ينØاز إلى الكتابة الغرائبية ÙÙŠ إبداع الهايكو التي نادى بها الشاعر …… وشيء طبيعي أن تبرز أسماء مهمة لهذا الÙÙ† ÙÙŠ كل قطر عربي على الرغم من ذلك “العبث”. تلك الأسماء قدمت دواوين هايكو ستكون اللبنة الأولى والنماذج التي ÙŠØتذى بها وعلى أساسها سيتشكل هيكل الهايكو العربي. صراØØ© من يبرز ÙÙŠ الهايكو قليلون، Ùالنصوص التي تعلق بالذهن وتكون عصية على النسيان تمتلك القدرة على النÙاذ إلى Ù†Ùس المتلقي، ويندر العثور على مثل تلك النصوص ندرة اللؤلؤ المكنون، لأن الهايكو النادر نتاج هايكيست يمتلك روØا متقدة ومتوهجة تتماهى مع الجمال الأبدي وتنÙØ° إلى Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø£Ø´ÙŠØ§Ø¡.
4- ما سر اشتغالك كشاعر على هذا النوع من الشعر دون غيره، والذهاب به بعيدا؟
* عندما ÙŠØدث نوع من الاÙتتان أو الوقوع ÙÙŠ أسر الجمال، تجد Ù†Ùسك منشغلا بمصدر هذه الÙتنة عما سواه. كمبدع يسعى دائما إلى التØليق والتجديد، خاصة بعد تجربة شعر التÙعيلة والنثر وكتابة النصوص الطويلة، كان لا بد من ارتياد Øقل إبداعي جديد Ùكان هذا اللون الإبداعي المدهش، Ùانشغلت به إبداعا وتنظيرا، Øتى كأنه يسكنني ويشغل Ùكري، وأجد لذة لا تضاهي ÙÙŠ البØØ« والتنقيب عن سر الجمال ÙÙŠ هذا الÙÙ†. يا لمتعة القارئ وهو يقرأ نصا بسيطا بكلمات قليلة ومختزلة عميقا، مشهدا كونيا تتØدث Ùيه الأشياء عن ذاتها، وعندما ينÙØ° الشاعر إلى Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø§Ø´ÙŠØ§Ø¡ ÙŠØدث Øالة الكش٠الروØÙŠ واستكناه الذات الإنسانية، وهذا هو سر جمال هذا الÙن، عبور الذاتي عبر الكوني.
تتأتى Ùتنة الهايكو وإدهاشه من بساطته، Ùهو كـ”إصبع يشير إلى القمر، Ùإذا كان الإصبع مرصعا بالجواهر، Ùلن تسطيع رؤية القمر”. يعتمد شاعر الهايكو على Øواسه ÙˆØدسه ÙÙŠ التقاط مشهده من تÙاصيل الØياة اليومية ومن Ù…Ùاتن البهاء الكوني اللا متناهي.
5- ما سر اهتمام الشعراء العرب بالهايكو هل لنصوصه القصيرة، أم لاختزاله الصور الشعرية المكثÙة؟
دائما ما يلÙت انتباهنا كل ما هو جديد على الساØØ© الشعرية، والهايكو آخر صيØØ© إبداعية ينجذب إليها الكثير من شعراء العربية، رغبة منهم ÙÙŠ التجريب، Ùمنهم من يجد ضالته، ومنهم من يعجزه هذا النص الموجز الخادع، Ùهو على الرغم من قصره وبساطته، Ùهو نص عميق ÙŠØتاج إلى Ø±ÙˆØ ØªØ£Ù…Ù„ÙŠØ© ووعي بجماليات وخصائص ربما لا تتوÙر ÙÙŠ النصوص الأخرى المطولة والقصيرة أيضا. وهو نص المشهدية الØسية التي من خلالها يثب الشاعر إلى جوهر الأشياء ومن ثم إلى أعماق ذاته. وللهايكو بنية خاصة لا بد للهايكيست أن يتمكن من تشكيلها، Øيث تتولد شرارة الإبداع والدهشة من تجاور مشهدي النص سواء Ø£ كانا متناسقين ام بينهما تناÙر. وللشاعر أن يكون على دراية باصول هذا الÙن، ثم إذا ما ارتاى تØطيم تلك الأصول، وكتب بØرية تامة كما Ùعل الشعراء الØداثيون ÙÙŠ اليابان وغيرها من دول العالم متأثرين بØركة الشعر الØر، ØÙ‚ لهم أن يشكلوا نصهم الشعري كما يشاءون دون التقيد مثلا بالموسمية ولا بعلامات القطع، وربما انصرÙوا عن الطبيعة وتناولوا تجاربهم الإنسانية وتناولوا ذاتهم ومشاعرهم المتدÙقة. لكن ثمة شيء مهم لا بد أن يظل النص Ù…ØتÙظا بعبق الهايكو أو بشكل أدق”Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ù‡Ø§ÙŠÙƒÙˆ”. ÙÙŠ الواقع السر الØقيقي ÙÙŠ اهتمام الشعراء ÙÙŠ العالم- وليس العرب ÙØسب – هو تلك الÙتنة والإدهاش الذي يمتلكهما ذلك النص، ناهيك عن البساطة والعمق الذين يخلقان لهذا النص رواجا كبيرا ÙÙŠ ساØØ© الشعر العالمية.
6- ما سر جمعك بين الإبداع والنقد، وهل يمكن للناقد أن يكون مبدعا؟
* طبيعي أن يولد الإنسان شاعرا أو روائيا أو مسرØيا Ùكلها أجناس أدبية تØتاج ÙÙŠ الأساس إلى موهبة، ثم ينميها ويثقلها المبدع بقراءته وتجربته الØياتية، لكن النقد ÙŠØتاج إلى دراسة بعض النظريات النقدية الأدبية كي يكتب بمنهجية ÙÙŠ كتاباته النقدية بعيدا عن الأهواء والعشوائية. نمت ملكة الØس النقدي لدي تالية للإبداع، Ùين الÙين والأخرى كنت أتناول بعض الشعراء والروائيين بقراءات نشرتها منها البعض ÙÙŠ بعض المجلات والصØ٠العربية، لكنني لم أسع إلى جمعها ÙÙŠ كتاب. ما جعلني أكرس وقتا طويلا لقراءات جادة تأخد منØÙ‰ أكاديميا هو اختيار مسار الهايكو، ربما لخلو الساØØ© النقدية العربية من هذا النمط الإبداعي المهم، والذي أرى اننا بØاجة ماسة لتكثي٠الكتابات النقدية لكي نمتلك مراجع تتناول أعمال المبدعين العرب بالنقد والتØليل. وأظنني كتبت بعض مقالات تتسم بالجرأة ÙÙŠ سبر أغوار النصوص العربية وكش٠جمالياتها للقارئ. نشرت معظمها ÙÙŠ مجلات مجكمة ومنابر ثقاÙية مهمة ÙÙŠ عالمنا العربي كمجلة ميريت الثقاÙية ومدارات، ومجلة الدراسات الثقاÙية واللغوية والÙنية، وجريدة القاهرة وغيرها من المنابر المهمة التي ÙŠØسب لها تسليط الضوء على هذا الواÙد الجديد ÙÙŠ الشعرية العربية.
أما بالنسبة للنقد Ùأنا أعتبره إبداعا آخر، لأن الناقد يمتلك رؤية ÙÙŠ تناول الإبداع، وقد يذهب Ø£Øيانا إلى أبعاد جديدة لم تخطر ببال الشاعر Øين كتابة نصه. والناقد ÙÙŠ رأيي هو مبدع متمرس يمتلك وعيا كبيرا بأبعاد العملية الإبداعية، لذا Ø£Øيانا كثيرة نرى المبدع الذي يخوض غمار المسار النقدي مقلا ÙÙŠ الكتابة الإبداعية، ذلك لأن Øركة الوعي الدؤوبة Ø£Øيانا تÙرض سلطتها ورقابتها على عملية الإبداع. لكن العملية الإبداعية تØتاج إلى وعي من نوع آخر، لا أقصد هنا الوعي العقلي، لكنه Ù„Øظة تأملية، تتÙجر من خلالها البصيرة الروØية لاستكناه ذواتنا عبر إدراك الØقيقة الكامنة للوجود، تلك اللØظة هي ما نسميه بلØظة الهايكو.
7- سيرة ذاتية عن الشاعر:
Øسني التهامي: شاعر ومترجم وباØØ« أدبي
* مواليد Ù…ØاÙظة المنوÙية، 1969 Ù….
* ليسانس آداب اللغة الإنجليزية، جامعة المنوÙية 1991 Ù….
* رئيس قسم اللغة الانجليزية بوزارة التربية بدولة الكويت.
* عضو اتØاد كتاب مصر.
* عضو مؤسس لملتقى الثلاثاء بالكويت.
*رئيس منتدى هايكو مصر الإلكتروني
*رئيس منتدى Arab Haiku Society
 
صدر للشاعر:
– 1 زنبقة من دمي، شعر، مطبوعات الراÙعي، 1999 Ù….
– 2 الصبار على غير عادته، شعر، دار العالم الثالث، 2004 م.
– 3 أشجارنا ترتع كالغزال، شعر، مركز الØضارة العربية، 2013 Ù….
– 4 رقصة القرابين الأخيرة، مركز الØضارة العربية، 2017 Ù….
– 5 وشم على الخاصرة، مركز الØضارة العربية، 2019 Ù….
-6مزار الأقØوان، دار ببلومانيا للنشر والتوزيع، 2021Ù…
نصوص هايكو للشاعر Øسني التهامي:
(1)
أيْكةٌ وارÙØ©ÙŒ
يستلقي الصَبي٠على سريرÙ
بين غÙصنيْن
(2)
سَØابةٌ دÙخانية
Ù‚Ùطار٠آخر٠الليْلÙ
ينÙث٠أØزانَه
(3)
صباØ٠الغربةÙ
من Ø«Ùمالة٠القهْوةÙ
زهر٠القÙرنÙÙ„Ù
(4)
نَعْشٌ طائرٌ
بخÙÙØ©Ù ÙŠÙهرْولÙ
أتْباع٠الوَلَيْ!
(5)
ÙˆØدَه
ÙŠÙهم٠انØناءة جدي
جذع٠نخلة هرمة
(6)
ليست الريØ٠ما يهز أعطاÙÙƒ
أيتها الصÙصاÙØ©
إنما أنÙاس أبي…
(7)
جدار مدرستي القديمة
تينةٌ Øانَ قطاÙها
لبستاني٠راØÙ„ …
(8)
مصب٠النهر
أراه٠اليوم أضيقَ
بعيني شيخ
(9)
أربعين عاما
يتبدّل النهر، ولا يزال
على Øاله ظلي!
(10)
مدخل المدرسة
أغصان٠الكاÙور الØاني
تلامس شيبتي
(11)
انØناءةٌ Ù…Ùاجئة
على طي تنورتها
تتلعثم٠الريØ!
(12)
مشهدٌ جنائزي-
خيوط قوس٠قزØ
تÙقد٠ألوانها!
(13)
ÙŠÙلهيني عن موجة البØر
موج ٌ
على شَعر الصبية!
(14)
قبّرةٌ ميتة
بين Ùينة٠وأخرى
يأتيني غناؤها
(15)
غيمةٌ داكنة
يشير٠طÙلي
هنالك يسكن٠الرب!
(16)
توأمة؛
عصÙورٌ ÙˆØيد
على غصن٠أجرد
(17)
Ùراشةٌ ترÙض التØليقَ
وشْمٌ على الخاصرة!
(18)
ببراءةÙ
ÙŠÙلمْلم عشَ عصÙور
Ø·ÙÙ„ÙŒ لاجئ
(19)
مَمرٌ جبلي
أبØث٠عن زهرة
لا اسم لها!
(20)
مغامرةٌ أولى –
جانبَ النخلة، Ø·ÙÙ„ÙŒ
يقيس٠ظلّه
(21)
الطائرة الورقية
تØت وسادتي، تعاود التØليق
ÙÙŠ الذاكرة
(22)
نعش طائر
بخÙØ© يهرول
أتباع الولي
(23)
Øقل القمØ
بلون الØنطة
صوت القبرات
(24)
موسيقى غجرية
عاز٠الجيتار المسن
ÙŠØÙ‚ ÙÙŠ الÙراغ…
(25)
تجمع عائلي
تبدأ الخوخة
إزهارها الأول
(26)
عودة مغترب
يا لهÙÙ‡ÙØ© الريØ!
باردة على Ùوديه
(27)
أربعين عاما
يتبدل النهر، ولا يزال
على Øاله ظلي!
(28)
ÙÙŠ هدأة الليل
ÙˆØدي أنبش
ذاكرة المطر
(29)
كلاهما يرمق الآخر
Øمامة ثكلى
وطÙÙ„ لاجئ
(30)
أعلى باطن الجبل
ضباب نازØ
يزيده رهبة
(31)
أمشي صوب ظلي
ÙˆÙÙŠ داخلي
جثة هامدة