قطع قديمة

إن خُزَيمة بن نَهْد القُضَاعيّ الذي كان حيا قبل عام ٢٤١ الميلادي، أقدم من بقي له من شعراء العرب شعر على نمط المعلقات. ولم يكن غير قِطعة بخمسة أبيات، ونُتفة ببيتين.

أما القطعة فقوله من وزن الوافر الوافي المقطوف العروض والضرب، وقافية النونية المفتوحة المردفة بواو المد أو يائه الموصولة بالألف:
“إِذَا الْجَوْزَاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا
ظَنَنْتُ بِهَا وَظَنُّ الْمَرْءِ حُوبٌ وَإِنْ أَوْفَى وَإِنْ سَكَنَ الْحَجُونَا
وَحَالَتْ دُونَ ذَلِكَ مِنْ هُمُومِي هُمُومٌ تُخْرِجُ الشَّجَنَ الدَّفِينَا
أَرَى ابْنَةَ يَذْكُرٍ ظَعَنَتْ فَحَلَّتْ جَنُوبَ الْحَزْنِ يَا شَحْطًا مُبِينَا
فَإِنْ أَهْلِكْ بِحُبِّكِ فَاعْلَمِيهِ فَلَمْ يُفْلِحْ أَبُوكِ وَلَا أَبُونَا”.
وفيها يتوجس من زمان الحر الشديد الذي يضطر حبيبته إلى الذهاب عنه مع أهلها في طلب الماء، فييأس من البقاء بعدها غاضبا على أهلها وأهله الذين لم يعبؤوا بالجمع بينهما، ولو كانوا فعلوا لكان هو الراحل بها الآن في طلب الماء، لا غيره؛ فمن ثم ينبغي ألا يؤمن جانبه، وإن عُرف عنه الصلاح!
وأما النتفة فقوله من وزن المتقارب الوافي الصحيح العروض والضرب، وقافية اللامية المضمومة المردفة بياء المد الموصولة بالواو:
“فَتَاةٌ كَأَنَّ رُضَابَ الْعَبِيرِ بِفِيهَا يُعَلُّ بِهِ الزَّنْجَبِيلُ
قَتَلْتُ أَبَاهَا عَلَى حُبِّهَا فَتَبْخُلُ إِنْ بَخُلَتْ أَوْ تُنِيلُ”.
وفيها يشبب بحبيبته تشبيبا فاضحا، ويذكر قتله أباها على رغم حبه لها -وهو زعم ساخر لا يستمسك- ويدعي أنها إن بخلت عليه بعدئذ قليلا لم تلبث أن تواصله وتنيله من نفسها ما يشتهي، وما من مساءة بعد ذلك يسوؤها بها! لقد صدَّق بهذه النتفة تحذيره الخفي في تلك القطعة أن يؤمن جانبه؛ فلا ريب في أنها كانت بعد تلك القطعة، وإن ذكرها رواتها قبلها.
قطعة بخمسة أبيات ونتفة ببيتين، هما كل ما روي لأقدم من بقي له من شعراء العرب شعر على نمط المعلقات- معروفتا العروض واللغة مألوفتاهما، دليلا على بُعد أولية هذا الفن العتيق- فيما كان بينه وبين حبيبته وأهلها، دليلا على موضع هذه العلاقة من الوعي الجمعي العربي!

Related posts

Leave a Comment