متواليات طويلة جدًّا، لعبد اللطيف الوراري

1
(إلى صلاح فائق)
بوجهه المجهد الوقور
أسمعه يتحدث إليَّ من آلاف السنين،
وعلى إثر نبراته التي تتبيّن دفقها بسهولة
تتراءى لك حقول مرجان وثيران مجنّحة وووديان تضطرم بالغبش.

قال لي: حياتي غمرتها الكلمات،
واستلّ من ديوانٍ معه
سلّة أسماك لطفلٍ فقدته أمّه في إحدى المظاهرات،
قيل إنّها على الأرجح هلكت تحت الشمس.
أخذ يلقي كلماته في النهر
وديعةً وديعةً،
فتلتمع الصدفات من أبعد الأغوار،
ومن على وجهه تزول التجاعيد
ويصفح الدم الذي يذّخره إلى ليل آخر
للأكاذيب التي قويض بها الإنسان.
أنا لا أسمّي هذا شعرًا،
بل حقل أسرار.

2
(إلى محمد بنطلحة)

أنا لا أذكرُ الساعة التي أشرقَتْ فيها
بين ظهرانينا
كلمةُ اللّيْل.
كُنّا مندفعين من صفاقة الواجب،
ومُعاوني يأس
آخر النهار
نتلف سيقاننا
ونلقي بصفّارات الإنذار في خَشْخشة القشّ،
ثم نشفط الصُّفْـرة.
نمور ٌكثيرةٌ تتعقّب الخطوط التي نتركها وراءنا
عن طيب خاطر،
لا ينقذنا منها إلا برق الغابة
وبِضْع ريشاتٍ لطائر القطرس.
كان حُلْمًا خاطفًا كما أتذكّر
سنقضي سُوَيْعاتٍ لا تزال طويلة
حتى نُفيق منه على عطالة الذهب.
لون التراب هو الذي أملى علينا ذلك،
وولولة البجع أيضًا.

3
(إلى نور الدين الزويتني)

الماء الذي يسيل من صندوق بريد
في ركن معتم
هل هو للرسائل التي بقيتْ وعدًا في الجدران
وأمام سكك الحديد ورُقَى الشحّاذين؟
أسرابٌ كثيرةٌ حلقت فوق بناية البلدية،
وهي تصفر بلا هوادة،
ستحمل الريح
ريشها الـمُضرّج
في أول الفجر.
بالظلال التي في الجوار
لغابةٍ غير مرئيّة،
يهتدي بحّارةٌ وأُولو عَزْم،
ويدفعون إلى الأمام
عربات المؤن السريعة.
ما زال الصندوق يسقي
انحناءة الدم،
والرسالة هي الرسالة !

http://www.alquds.co.uk/?p=958433

Related posts

Leave a Comment