ولَا غَسِيل البِرَك!

ولَا غَسِيل البِرَك!

“سلام عليكم، طبتم “، من مسقط، في السبت 25/4/1423هـ= 6/7/2002م.
بسم الله – سبحانه، وتعالى!- وبحمده، وصلاة على رسوله وسلاما، ورضوانا على صحابته وتابعيهم، إلى يوم الدين.
من قديم لم أكتب لكم؛ فقد كانت الأفكار تكثر تكثر حتى تمتنع عليّ، غير أنني صليت العشاء في مسجدنا الفاخر الذي احتميت به من رطوبة الحر، ثم أقبلت إلى كليتي من جهة الباب الذي معي مفتاحه؛ فقد عودني الهنود القائمون كالنحل على التنظيف، أن يغلقوا الباب القريب الذي أخرج منه وأحب أن أدخل منه– ثم لما استويت بمكتبي، وجهزت قدح الشاي الأخضر، وتفقدت حاسوبي المتروك على بحثٍ كنت أنسِّقُهُ، طرحتُ عني الكسل، وأقبلت.
أعمل الآن وحدي بمكان تُعرض عنه الغول، ويعجب لي فيه من يراني، أطرب مرة فيسهل علي أصعب الأعمال، وأغضب مرة فيصعب علي أسهلها؛ فأهرب إلى شبكة الاتصال: “سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون”؛ فأطلع على العالم، حتى أرضى؛ فأعود إلى عملي!
منذ أسبوعين عدت من زيارة منى وشريف. لقد استأذن صاحب عمله في ألا يعود بعد العصر؛ فهم يعملون إلى المغرب، وجاءني بمنى إلى حدود الإمارات؛ فأخذاني بسيارتهما الكابرس الفاخرة المعمورة بالطعام والشراب على عادة المسافرين؛ فالقوم مسافرون أبدا! ولم يكن يعنيني بعد البسبوسة شيء؛ فعببت فيها بالشاي وهما يحذرانني من أن أعجز عما بعدئذ، وهل بعد البسبوسة بعد!
لكن كان بعدها طعام فاخر في مطعم بديع على بحيرة خالد بالشارقة. ثم ذهبت إلى شقتهما الصغيرة اللطيفة، فتمتعت بصحبتهما حتى إذا ما كان صباح الجمعة ذهبا بي كعادتهما إلى شاطئ الجميرة ؛ فعبثت بعجزي عن السباحة، وكدت أغرق أنا وشريف في (شبر مية)؛ إذ كنا على الشاطئ ولكن خدعنا منقطع الرمال، بل خَدَعَ منى حتى لم تصدق أننا على شفا غرق؛ فلما دعاها شريف إلى الاستغاثة صرخت؛ فلم يهتم أحد، ولما كنتُ مهتما صرختُ بشاميٍّ كان قريبا؛ فجاء مشيا فجذبني، فأما شريف فاحتاج إلى آخر فجذبه، ولم يكن يصدق ضعفه، ولكن هكذا يفعل الإرهاق، وربما كان أكثر الغرقى من أبطال السباحة. مكث شريف وقتا طويلا حتى صدق أنه لم يغرق، ثم عدنا إلى البيت آخذين معنا كيس طعمية وخبزا مصريا من منطقة ملأها المنوفيّون؛ فأكلنا وارتحنا، لنسافر بعدئذ إلى أبي ظبي حيث صديق عزيز لشريف دعانا إلى غداء سمك!
وفي السمك نوع اسمه فريدة؛ فأحرجتهم عن أن يأكلوا بأنه اسم زوجتي؛ فكدت أنفرد بما قُدم منه! اجتهد شريف أن يحتفي بي، وأن يشعرني أنه رجل سهل الطبع رحب الصدر، وبالغ في تدليل مُنى ساترًا مبالغته بغلالة من السخرية الخفيفة اللطيفة؛ فكنت أقول له: ذكرتني عمي ياسين وابنه ياسرا! وربما قلت له: تدوم “الأونطة”! فأما منى فتقول في غيبته: أُحسُّ أنه “جَدَع”.
هناك زرت مكتبة مهمة وعالما كبيرا، وسجلت مع شريف حلقتين من أحد برامجه، ثم لما تيسر لي السفر أوصلاني إلى حيث أخذاني؛ فتبين لي أنهما قطعا مسافة طويلة. ولكنهما على أية حال عُبْرا أسفارٍ كما كان يقال، ولو أمكنه لزارني في مسقط كل أسبوع!
كلما رأيت شيئا لأولادي به علاقة، ذكرتهم، حتى إنني إذا ما رأيت صغار العصافير تذكرت سرى! أما رهام فالله حسيبها أسأله ألا تعود كما ذهبت، عنيفة مخيفة وإن كانت ظريفة؛ فما انتفاعي بظرفها مع عنفها، على أنني أربي أولادي عليه لكيلا تفاجئهم الدنيا بشيء من لفحاتها! ثم إنني كلما جنيت نخلتي تذكرت براء، بل تذكرت نفسي قبله؛ فقد كنت مع أصحابي الشياطين، أرتقي النخل وإن طال؛ فأجتنيه وإن كان أخضر، لكن نخلة “الفرض” نخلتي هنا بديعة، تسمح لك بنضيجها دون نواه؛ فتخرج التمرة أطيب من الشيكولاتة، حتى إنني أجمع ساقطه؛ فآكله وإن صبغه التراب، سعيدا “بطينه ولا غسيل البرك”، بل أشعر أنه سر الحياة. أم هل حدثتكم عن شجر الليمون؟ آه منه ، ذكرني شجرة نينا نعمات ، رحمها الله! كيف أشتريه وهو كالبلح مبذول هنا لمن أراد!
أين براء يصعد كما صعدت ويقطع كما قطعت ويُجرح كما جرحت ويقع كما وقعت ويتعفر كما تعفرت ويفرح كما فرحت!
ولِمَ أستبعدُهُ وربما جاءني آخر هذا الشهر!
أجل، لقد عجزت موظفة طيران الإمارات نفسه عن أن تجد لأسرتي المتعِبة، أماكن إلا في 13/9 أو 31/7؛ فاضطررت أن أختار هذا الأخير حرصا على انتظام دراسة الأولاد كما تريد فريدة؛ فهو احتمال سبق وروده ، وربما وجدنا أماكن بعده إذا اعتذر أحد، ولكنه أمر صعب.
هذه 250$ مئتان وخمسون دولارا أمريكيا –لعنة الله على الأمريكيين الظالمين!– لوالدنا الجليل منها مئة عن الأضحية السابقة، ولفريدة مئة وخمسون عما تريد للأولاد من ملابس، وقد خطر لي أننا نحتاج إلى “كوفرتة” وأنني أريد عشر نسخ من “براء” .
سأتصل فيما بعد-إن شاء الله– لأؤكد الموعد، وربما أرسلتُ ما يخص التأكيد، أو عجزتُ فراجعتْهم فريدة في طيران الإمارات، ولو اتصلتْ فتأكدتْ مما فعلوا الآن كان حسنا.
لكم سلام أبي براء.

Related posts

Leave a Comment