حكمة

من آثار ظاهرة النص القصيرِ الحكمةُ، أي أن يجدَه متلقُّوه قد انبعثَت فيه كوامنُ خبرة صاحبه بالحياة في نفسه ومن حوله؛ فاستخلص منها ما ينير البصيرة ويهذب السلوك ويزيد الإنسانية- فيستحضروا ما في ذخائرهم من مثله، لعلهم يستغنون به عنه، فلا يملكوا إلا أن يضيفوه إليه! هذا نص قصير يعبر عن سَفَر القارئ بما يقرأ، بخمس وعشرين كلمة، في جملة واحدة، على ثلاثة أبيات: أَنَا مَنْ بَدَّلَ بِالسُّفْنِ الْكِتَابَا فَتَبَحَّرْتُ عُبَابًا فَعُبَابَا كُلَّمَا أَسْلَمَ خِلٌّ خِلَّهُ وَطَغَى الطُّوفَانُ وَازْدَدْنَا اغْتِرَابَا لَجَأَتْ نَفْسِي إِلَى مَرْكَبِهِ ثُمَّ جَدَّفْتُ بِهِ بَابًا فَبَابَا

Read More

عفوية استسهالية

من آثار ظاهرة النص القصيرِ العَفْويّةُ الاستِسهاليّةُ، أي أن يجدَه متلقّوه كأنه تَغَفَّلَ صاحبَه أو تَغافَلَ له صاحبُه؛ فخرج عنه بزفيره وكأن لم يفكر فيه، أو لم يشأ أن يفكر فيه- حتى إنهم ربما تَحرَّجوا من أن يقولوا مثله، ولكنهم لا يلبثون أن يتعلقوا به ويرددوه ترديد الأناشيد!

Read More

براعة لغوية فائقة

من آثار ظاهرة النص القصيرِ البراعةُ اللغوية الفائقة، أي أن يجدَه متلقُّوه قد بلغ من تحديد العناصر اللغوية وترتيبها وتهذيبها، ما لا زيادة عليه لمستزيد، حتى إنهم ربما حاولوا ذلك، فعجزوا، واعترفوا بالإتقان لصاحب النص القصير، الذي اضطُرَّ إلى مَضايقه، ثم خرج منها سالمًا ظَافِرًا!

Read More

سر المثاقفة

في ثقافة الإنسان فطنةٌ لحقيقة وجوده، وخبرةٌ بالسعي إلى تحصيلها، ومهارةٌ باستعمال وسائل تحصيلها، وظَفَرٌ بما لا يُترك منها، كلُّ أولئك في ثقافة الإنسان التي لا ينالها مُثقَّفًا حتى يصبر عليها مُتَثَقِّفًا: وَمَا نِلْتُهَا حَتَّى تَصَعْلَكْتُ حِقْبَةً وكَدتُّ لِأَسْبَابِ الْمَنِيَّةِ أَعْرِفُ ولا يعرف المُثقَّف منزلة نفسه من الثقافة حتى يُثَاقِفَ غيرَه: يبادره إلى دُفعةٍ ثقافية، يستقبلها فيجيبها بدُفعةٍ ثقافية مثلِها أو أقلَّ منها أو أكثرَ، إما أن تندفع بها فلا تصمد بينهما غير دفعة واحدة، وإما أن تنضاف إليها فتزداد حصيلتهما الثقافية. وإذا جاز أن تَتَمَثَّل الثقافةُ في مثال الإنسان…

Read More

سر الإدهاش

يا لدَهَش هذا الحصان: مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ قاتل الله صاحبه: يُخيضه مَخاضاتِه كلَّها جِدَّها ولَهْوَها، فلا يخذُله، ولكنه لا يكاد يخوض به مخاضا حتى يصرفه إلى عكسه! ثم يا لدَهَش هذه الناقة: تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إِذَا ادَّكَرَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ قاتل الله ذابح رضيعها: يسلخ جلده، ثم يحشوه تِبنًا ليُخِيِّله لها فيَدِرَّ على خياله دَرُّها، ولكنها تقبل عليه مأخوذة برائحته، ثم تدبر عنه نافرة من حشوه! إن الدَّهَش الحيرة، وإن الحيرة التردد، وإن التردد عمل العمل ثم عمل عكسه ثم…

Read More

سر الإدلال

وَدَعْ كُلَّ صَوْتٍ دُونَ صَوْتِي فَإِنَّنِي أَنَا الطَّائِرُ الْمَحْكِيُّ وَالْآخَرُ الصَّدَى قاتل الله المتنبي؛ يُدِلُّ علينا بشعره إدلالَ الصوت على صداه، بأصالته دونه -فهو خارج من صاحبه وما سواه خارج منه هو- وتفرُّده -فهو واحد وما سواه كثير- وقوته؛ فهو جهير وما سواه خافت! لقد شهدت على عشرات الأعوام كذا وكذا مَحفِلًا من محافل الشعراء؛ فما وجدت أكثر إدلالا من شاعر يصعد إلى منصة الإنشاد التي لا يريد من يصعد إليها أن يهبط منها، فيكتفي بقطعة (قصيدة قصيرة)ØŒ قائلا بلسان الحال: دَعُوا عَنْكُمُ الصَّخَبَ، وَالْزَمُوا مَا تَسْتَوْعِبُونَ، تَظْفَرُوا بِرِسَالَةِ الشِّعْرِ!…

Read More

سر الملاءمة

ما زالت البلاغة مراعاة مقتضى الحال قائمةً أو قادمةً، تدور دورانَها. والحال في مقامنا هذا إما حال أديب (مرسل)ØŒ وإما حال متأدب (مستقبل)ØŒ وليس يجمل بأيٍّ منهما في حَضْرَةِ هذا الانفجار الاجتماعي الأخير (التواصل الإلكتروني)ØŒ أن يراسل الناس مثلما كان قبل حَضْرَتِهِ يفعل! من خلال نافذة إلكترونية في مثل حجم صفحة كتاب، يسمع المتأدب ويرى ويشهد شيئا واحدا مشهودا مرئيا مسموعا، أو أشياء متعددة مشهودا بعضها مرئيا بعضها مسموعا بعضها، قد أخذ هذا من تفكيره، وذاك، وذلك؛ حتى لم يعد يستطيع -ولا يريد- أن يستغني بأحدها عن غيره، فإذا نَعَيْنا…

Read More

سر الاقتصاد

عن شعراء خمسينيات القرن الميلادي العشرين رأى نزار قباني “Ø£ÙŽÙ†ÙŽÙ‘ الشِّعْرَ رَغِيفٌ يُخْبَزُ لِلْجُمْهُور”ØŒ رؤية متولدة من رحم الثقافة الاشتراكية المنتشرة عندئذ. وكما وجدنا في الرغيف الجمهوري الحصى وجدنا في القصيدة الخمسينيّة الحشو، ولكن إذا كان الهَزْل هو الذي أوجد الحصى في ذلك الرغيف فإن الجِدّ هو الذي أوجد الحشو في هذه القصيدة؛ إذ رغب الخمسينيّون رغبة قوية في ابتذال القصيدة للعامة والشُّطّار والعَيّارين؛ فاتخذوا الركاكة مبدأ فمنهجا ومخبرا فمظهرا، يستلهمون أحوال الناس العادية وأحاديثهم اليومية، ويتجنبون الإحكام والتنقيح والتهذيب، بل يتبرؤون من كل كلمة تنسبهم إليها، مثلما يتبرأ الصعلوك…

Read More