رجاء عبد المنعم جبر

لم يدرس لنا أحد غيره مقررَي قسمين مختلفين من أقسام كلية دار العلوم بجامعة القاهرة: النقد الأدبي واللغة الفارسية، ولولا الإنجليزية لدرس لنا الفرنسية أيضا مقررا ثالثا، واسع العلم حريص التعليم سهل الأخلاق قريب الألفة لطيف الدعابة طفليّ الضِّحكة، إذا احتاج أن يكتب كتَبَ بالخط الفارسي الجميل، أو أن يسخر هز رأسه بين كتفيه وحكّ إحدى كفيه بين ركبتيه بالأخرى حتى خشينا أن تتباريا، ثم سخر من نفسه أولا، وإذا توقفنا في بعض صياغاته اللغوية قال: أنا أفصح العرب والعجم، أستاذنا الحبيب الدكتور رجاء عبد المنعم جبر، رحمه الله، وطيب…

Read More

أحمد شلبي

يدخل إلينا -طلاب الفرقة الثالثة بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة، عام 1985- مثلما يدخل إلى جمهور مشاهدي المسرح أحدُ كبار ممثليه، جسيما عجميّ الملامح أنيق الملابس فواح العطر، فيقتعد كرسي منصة المدرج الثامن عشر، ليحاضرنا في تاريخ المغرب والأندلس، واسع العلم مكين الثقة طليق اللسان فصيح النطق، ولكنه في غمرة ذلك ربما أبدل “المغرب” من “الأندلس” فصِحنا به؛ فقال: ما لكم، إذا قلت المغرب فاعلموا أنني أريد الأندلس! ثم يقول: ليتكم أدركتموني في شبابي إذن لرأيتم الشَّعر الأحمر المسترسل الذي يفتن الحسان، ولسمعتم شِعر الغزل الذي يقيّد العصافير على…

Read More

عبد الرحمن سالم

إلى المدرج الخامس يدخل علينا -طلاب الفرقة الثالثة بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة، عام 1985- بحقيبة جلدية عتيقة، مكروبا بحر القاهرة، يخرج منديل قماش أحمر أدكن، فيمر به على وجهه معتذرا من حاله، ثم يحاضرنا ماشيا بيننا في تاريخ الإسلام السياسي، من خلال نصوص كلام المشاركين في أحداثه من الأمراء والقادة والقضاة، فإذا نحن من حفظه الواسع وذوقه الرفيع وتعليقه السديد في مثل صندوق الدنيا الذي سبق السينما إلى تخييل الأحلام، لا نعجب أن نعرف أنه وهو المؤرخ يحفظ الأغاني للأصفهاني، ولا أنه دخل الكلية وهو الأول على الثانوية…

Read More

محمد حماسة عبد اللطيف

في المدرج الثامن يجلس لنا -طلاب الفرقة الثالثة من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، عام 1985- إلى مذكرة قسمها بين علمي الصرف والعروض، يفتحها، ويقرأ منها، ويعلق على ما يقرأ، أنيق الملبس وجيها وسيما فصيح الصوت حسنه حاضر البديهة لطيف المُلحة كثير الضحك بعيد العلم قريب التعليم شديد الثقة فاتك السطوة، استفاض فينا إجلال طلاب الدراسات العليا منهجه الذي اصطنعه لهم وفرح بعض كبار زملائه بأن يعمل في قسمه لأنه من أساتذته، يقبل فتقبل معه الدنيا بهيلها وهيلمانها، ويدبر فتدبر، أستاذنا الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف، رحمه الله، وطيب ثراه!

Read More

الفارس محمد عثمان السني

التقينا أول مرة عام 1985ØŒ في مكتب أستاذنا الدكتور محمود الربيعي، وقد ذهبت إليه أسأله عن أهم كتب النقد الأدبي الحديث، فدلني على كتاب الدكتور محمد غنيمي هلال الذي بهذا الاسم نفسه، وعندئذ دخل علينا جسيما قسيما أسمر وسيما، يرتدي شيئا أحمر قانيا عجيبا، يبتسم فتستولي ابتسامته على وجهه حتى عينيه. ذهبت من فوري إلى المكتبة، فتوصلت إلى نسخة الكتاب المتاحة للقراءة، وانتحيت أقرؤها، فإذا به يأتيني مسلّما ومعه أحد كتب الأدب المهمة، يقايضني به، فوقفت منه على قلب رطيب وعقل عقول وبيان طلي، فقايضته منذئذ بنفسي، آخذ من نفسه…

Read More

كمال بشر

يسرع العمال من قبله إلى المدرج الثامن يفرشون له مكتب منصته، ومن بعد أن يستوي على كرسيها يقدمون له القهوة، ليظل هو طوال المحاضرة يترشّفها، وبين كل رشفتين يسحب دَخْنة لا يتجاوز بها فمه، من دَخِينة (سيجارة) بين إصبعيه، لا يتركها إلا إلى غيرها، ومن حفظه يسمعنا -طلاب الفرقة الثالثة بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة، عام 1985- في علم الدِّلالة، كتاب ستيفن أولمان المهم جدا “دور الكلمة في اللغة”ØŒ الذي ترجمه وعلق عليه ما يوازي خصائص الإنجليزية من خصائص العربية، مستطردا بصوته المتحشرج العطوف، إلى نقولٍ عن أستاذه الإنجليزي…

Read More

السباعي محمد السباعي

يتفلت ساعة من أعباء رئاسة قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب من جامعة القاهرة، ليأتينا -طلاب الفرقة الثانية بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة، عام 1984- حيث نحتشد له في المدرج الثاني والعشرين، فيحاضرنا في مبادئ اللغة الفارسية، جسيما قسيما أنيقا بهيا قديرا لطيفا، يرفق بنا على عادة الكبار المتحققين؛ فنتعلق به، حتى إنه لما اضطر إلى السفر فأناب عنه أحد تلامذته ثم آب فدخل علينا، لم ندعه يستوي على مقعد منصته إلا في مهرجان من الحفاوة الشديدة والتصفيق المدوّي، أستاذنا الدكتور السباعي محمد السباعي.

Read More

عوض سالم

يقف على منصة المدرج العاشر، عتيق الملامح أجش الصوت متقطعه، يصطنع لنا -طلاب الفرقة الثانية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، عام 1984- منهجا طريفا في تيسير علمي العروض والصرف، تزيده طرافةً إتاحتُه لنا أن نناقشه فيه وأن نخالفه، حريصًا من الأريحية على إرث أستاذه علي النجدي ناصف (سيبويه عصره)ØŒ الذي ظل يفتخر به طوال حياته. وقد تعلقنا به، وتقربنا منه؛ فقربنا، ورعانا، حتى أطلعَنا على ما تراسل به حين كان يستشفي بباريس من سرطان العظام، هو وأخوه الفلاح الذي لم يتعلم غير القرآن الكريم، فصورتُ عنه قصيدتين أعجبُ ما…

Read More