سبيكة واحدة

ما أكثر ما جمع النقاد في نقد الشعر بينه وبين الموسيقى -فكلاهما فن زماني- حتى عودونا أن يبينوا أحدهما بالآخر! تُرى هل يستوي في نفس المستمع أثر دقيقة من الموسيقى وأثر ساعة؟ إذا استوى أثراهما في نفسه استوى أثر بيت من الشعر وأثر سبعين، ولكنهما لا يستويان، بل يستفزه الأول إلى طلب الثاني! إنه إذا احتكم مستنبط الدلالة العروضية الوزنية إلى تفاوت المتحركات والسواكن، ثم مضى في القصيدة ذات السبعين بيتا من مطلعها إلى مقطعها- قضى بأن ما اتضح له بالبيت الواحد شأنه، قد تحوَّلت حاله، ثم تحوَّلت، ثمتَ تحوَّلت،…

Read More

شهيق أرسطو وزفيره

تمتاز أوزان الأبيات المفردة بخصائص متحركاتها وسواكنها (أن كثرة الأولى دليل الفرح، وكثرة الآخرة دليل الحزن، وما إليهما)ØŒ وأنظمة تفعيلاتها (أنها محدودة بغاية النفَس ولحن الأداء، وما إليهما)ØŒ امتيازا أغنى مستنبطي الدلالة العروضية الوزنية عن استقراء ما سوى مثال البيت الواحد، ليقول الفارابي -٨٧٤م-: “التكثير من الأبيات ليس له غناء في وجود الوزن وتكميله، لكن هو تابع للأمر الذي فيه القول؛ فإن كان قليلا كانت الأبيات قليلة، وإن كان كثيرا كانت الأبيات كثيرة”. وعلى ضجري بركاكة تعبيره عن ذلك بقوله: “التكثير من الأبيات ليس له غناء”ØŒ دون “لا غناء بتكثير…

Read More

كم بيتا قصيدتك؟

قديما كنت إذا قلت لصديقي الشاعر الذي صار الآن ناقدا جامعيا خبيرا: نظمت أمس قصيدة! سألني متبسما: كم بيتا؟ فأجيب مطرقا: …ØŒ سبعة! إذ لم أكن أجيد أكثر من مثل تحلة القسم عند من يرون عدد السبعة الحقيقي عتبة دخول الأبيات إلى باحة الشعر قصيدة معتبرة؛ ومن ثم كانوا يحسبون عيب الإيطاء بما دون السبعة؛ فإذا أعاد شاعر في قافية بيت من قصيدةٍ ذات سبعين بيتا، كلمةً كانت قبلَ أقلَّ من سبعة أبيات كلمةَ قافيةِ بيتٍ آخر- أوطأها لها، وأذلها عجزا عن أن يجد من حفظه ما يكفيها ويعزها! ولو…

Read More

عن كتاب محمود رفعت “في صحبة الشنفرى”

هذا الكتاب فِي صُحْبَةِ الشَّنْفَرَى نَسِيتُ مَكْرَ الْوَرَى وَعِشْتُ مُسْتَنْفَرًا بِغَزْلِ مَا قَدْ فَرَى فَلْتَطَّرِحْ جَانِبًا مَا قِيلَ حَتَّى تَرَى ما الذي يجعل شابا من هذا القرن الهجري الخامس عشر الموافق القرن الميلادي الحادي والعشرين، يلتفت عن دواعي الحداثة التي تشغل أقرانه الآن بتِقانتها ورَفاهتها، إلى دواعي قدامةٍ تجذبه ستة عشر قرنا بما يكاد لا يراه غيره، إلا أن يكون قد رُزق من الحكمة ما علَّقه بما قضى التاريخ بأنه زمان الطراءة والجراءة والشفوف والنفوذ والفصاحة والبلاغة، الذي لم يشغل العربيَّ فيه عن الإنصات إلى نفسه صخبٌ ولا كذبٌ! لقد…

Read More

أدب الأوبئة

الأدب لسان المشاعر، فإذا بثنا الأديب من أدبه أطلق عن مشاعره -Ùˆ”لَابُدَّ لِلْمَصْدُورِ أَنْ يَنْفُثَ”ØŒ كما قال الجاحظ- ليُقيمنا في مثل مقامه إذا أحسنّا التلقي عنه. لقد عجب الشرطي في قصيدة البردوني “سندباد يمني في مقعد التحقيق”ØŒ من السندباد (رمز الحرية والطموح والجسارة)ØŒ أنه لم يَعرف عنه الأدب من قبل، ولكنه يراه الآن أديبا؛ فيسأله عن سر هذا التطور: “فَجْأَةً ظَهَرْتَ أَدِيبًا”! فيقول له: “مُذْ طَبَخْتُمْ مَآدِبِي”! وإذا شاء فهمها على أنه يثني على تشجيع الشباب الذي فَجَّرَ فيهم مواهب لم تكن، وإذا شاء فهمها على أنه يسخر من تَأْزيم…

Read More

في ضيافة الشريقي

من قديم يَضيف العلماءُ الشعراءَ (ينزلون عليهم ضيوفا)ØŒ منذ كان أبو عمرو بن العلاء أستاذ العلماء يَضيف بشار بن برد أستاذ الشعراء إلى اليوم، يَتَغَنَّمون قِراهم -وإكرام الضيف واجب- فيتخيَّرون لهم أطيب ما عندهم، “وَالْجُودُ بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ الْجُودِ”ØŒ كما قال مسلم بن الوليد، وما شعرُ الشاعر وما نفسُه! لَئِن لم يكونا معًا لَيَكُونَنَّ أعجلُهما إلى اطِّراح صاحبه أُكْلَةَ الذئب المترصّد!

Read More

بين مسلسلَيْ “قيامة أرطغرل” Ùˆ”ممالك النار”

“قِيَامَةُ أَرْطُغْرُلَ” مسلسل تركي مُتَلْفَز، أُريد باسمه الدلالةُ على نهضة قائد تركي إلى بعث قومه من حالٍ أشبه بالموت إلى حال يطلبون فيها المجد. Ùˆ”مَمَالِكُ النَّارِ” مسلسل عربي مُتَلْفَز، أُريد باسمه الدلالةُ على احتراق الدول التي كان ينبغي لها أن تتوالى فتعادت وتحاربت. وقصة مثل هذه الدول المتحاربة المتفانية معروفة كثُرت فيها الأقوال والأفعال حتى مُلَّت، وإن وجبت على كل جيل حكايتها! أما قصة نهضة ذلك القائد التركي فمجهولة تُتَلَمَّس لها الأقوال والأفعال تَلَمُّسًا؛ ومن ثم لا يخرج بفائدة جديدة إلا أحدُ مُشاهِدَي المُسَلْسَلَيْنِ دون الآخر.

Read More

الهايكو

حين كان الفلاحون اليابانيون يلتقون بعد الفراغ من أعمالهم الشاقة التي استفرغوا فيها يوما أو أسبوعا من مادة القرن الخامس عشر الميلادي، كانوا يلعبون هذه اللعبة الأدبية: أن يؤلف أحدهم بيت شعر رفيع الأسلوب من سبعة عشر مقطعا لغويا، يقسمها على ثلاثة أقسام: خمسة فسبعة فخمسة، مُتَخَابِثًا فيها بجمع ما ينبغي أَلَّا يجتمع أو تفريق ما ينبغي أَنْ يجتمع، متحريًا أن يشير ببعض تلك المقاطع إلى أجواء الفصل الطبيعي الذي يعيشونه عندئذ سماءً وأرضًا وهواءً- ثم يليه غيره، إلى أن تتراكم عشرات الأبيات، فيصطفوا مما ألّفوه مئة بيت فقط، يسمونها…

Read More