بمفتاحك وحده تفتح

ينبغي إذا استعصى مستغلق على مفتاحه، أن ينظر في علاقة ما بينهما؛ فربما اضطربت، وقست، فصدئت؛ عسى أن تستقر وتلين فتمضي سيرتها الأولى؛ فإن في كرور الزمان وعجز البيان لغفلة الإنسان أخيرا عما انتفع به أولا…

بمفتاحك وحده تفتح

==================
رَحِمَ اللَّهُ عَبْدَهُ مِفْتَاحَا وَجَزَاهُ عَنْ صِدْقِهِ فَارْتَاحَا
حَمَلَتْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ بَعِيدٍ وَأَدَارَتْهُ مِنْ قَرِيبٍ فَطَاحَا
لَيْتَهُمْ عَالَجُوا الْمَغَالِيقَ وَاسْتَبْقَوْا عَلَيْهَا مِنْ دُونِهِ الْأَرْوَاحَا
==================

لو لم يكن لكل مستغلق مفتاح ما استغلق، لأنه يستغلق إذ يستغلق مثلما تلتف دودة على نفسها لتحتفز من مكانها؛ فحياتها أبدا التفاف واحتفاز، وكلا التفافها واحتفازها هما حياتها النامية التي لا تكون بأحدهما دون الآخر. وكذلك كل مستغلق فإنه إنما يستغلق على ما فيه لينفتح فيستغلق فينفتح -هكذا دواليك- ليصونه لمن يستحقه، ويبذله له وقتما ينتفع به.

من ثم لا يجوز أن يلتمس للمستغلق أي مفتاح، ولا للمفتاح أي مستغلق؛ فلكل منهما ما لا يصلح له غيره ولا يستقيم عليه، وهو ما جهله بعضنا؛ فذهب يلتمس لبعض مستغلقاته بعض المفاتيح التي وجدها تفتح مستغلقات غيره، أو يحمل غيره على بعض مفاتيحه لبعض مستغلقاته، وجعل ذلك من التحديث والتحسين؛ فلما استعصى المستغلق على المفتاح اتهمه صاحبه، وأنكره، ودعا إلى اطراحه وامتلاك مستغلق غيره ومفتاحه؛ فأفضى إلى حال ليس في الخيال أعجب منها؛ إذ لم يظل هو نفسه، ولم يصر غيره!

ينبغي إذا استعصى مستغلق على مفتاحه، أن ينظر في علاقة ما بينهما؛ فربما اضطربت، وقست، فصدئت؛ عسى أن تستقر وتلين فتمضي سيرتها الأولى؛ فإن في كرور الزمان وعجز البيان لغفلة الإنسان أخيرا عما انتفع به أولا.

ولقد ينبغي أن يتضح الأصل الواحد الكامن وراء تعدد المستغلقات ومفاتيحها، لكيلا يظن أن بعض الناس أجدر بالسعادة  من بعض، لا، ولكنها الأحوال تختلف فتقتضي حسن التقدير؛ فما أكثر الذين عرضوا أنفسهم على رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- لينصحهم نصيحة واحدة يستفتحون بها عاجلا وآجلا مستغلق السعادة، فإذا نصائح مختلفة يتهمها من تعجل تلقيها، حتى إذا ما طابق بها أحوال المنصوحين المختلفة تذكر المثل العربي “وافق شن طبقة”Ø› فقال: وافق المستغلق مفتاحه! ثم ما أعجب سيدنا المؤول -رضي الله عنه!- الذي لم ينخدع باتحاد رؤييين، عن أن يبشر صاحب أولاهما وينفر من صاحب الثانية، بما اختلف لديه من أحوالهما!

أجل، ولو لم أهتد في زمان الطلب إلى مفتاحي، لربما كنت الآن عدو ما صرت؛ فقد ذهبت إلى أستاذي -رحمه الله!- أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي واستغلاق العلم علي؛ فنبهني على اختلاف أحوال طلاب العلم، وأن ليس من الحكمة أن أسلك مسلك غيري وأستفتح بمفتاحه؛ فكأنما بعثني من موات، أو أيقظني من رقاد؛ إذ اشتغلت بذاك عن نفسي أيما اشتغال، وضيعت في التقليد ما استدركت بالتوليد؛ فالحمد لله رب العالمين!

Related posts

Leave a Comment