الثَّقَافَةُ الْغَرْبِيَّةُ

قَالَ:
خَصَّصْتُ أَطْوَلَ وَقْتِي لِلْعَبْقَرِيِّ ميكلا نجلو الَّذِي عِشْتُ طَوِيلًا أُتَابِعُ إِنْجَازَاتِهِ الْمُصَوَّرَةَ وَالْمَنْحُوتَةَ فِي صَفَحَاتِ الْكُتُبِ وَالْمَجَلَّاتِ، حَتَّى أُتِيحَ لِيَ الْآنَ أَنْ أَرَى تِمْثَالَ مُوسَى الشَّهِيرَ بِكَنِيسَةِ الْقِدِّيسِ بُطْرُسَ فِي فينكولي، ثُمَّ تِمْثَالَ الْعَذْرَاءِ الْآسِيَةَ بييتا بِكَنِيسَةِ الْقِدِّيسِ بُطْرُسَ فِي الْفَاتِيكَانِ -وَأَنْتَهِيَ إِلَى مُصَلَّى سيستينا، لِأَشْهَدَ أَخِيرًا بِعَيْنَيْ رَأْسِي تَصَاوِيرَ سَقْفِهَا الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْإِلْهَامِ الْأُسْطُورِيِّ، فَجَّرَتْ طَاقَاتِ ميكلا نجلو، لِلتَّعْبِيرِ عَنْ رُؤَاهُ الْبَاطِنَةِ لِلْعَلَاقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْمَصِيرِ الْبَشَرِيِّ. وَاسْتَعْذَبْتُ الْعَنَاءَ الَّذِي سَبَقَ أَنْ طَالَعْتُ الْكَثِيرَ عَنْ تَكَبُّدِ الْمُشَاهِدِ لَهُ وَهُوَ يُتَابِعُ رُسُومَ السَّقْفِ، لِاضْطِرَارِهِ إِلَى ثَنْي عُنُقِهِ إِلَى الْخَلْفِ طَوِيلًا لِيَسْتَكْمِلَ جَوَانِبَ مَلْحَمَةِ الْخَلْقِ الشَّامِخَةِ؛ ذَلِكَ أَنَّنِي لَمْ أَكَدْ أَتَأَمَّلُ الرُّسُومَ حَتَّى أَحْسَسْتُ بِعَالَمٍ سِحْرِيٍّ يَحْتَضِنُ وُجْدَانِي، بَيْنَا تَنْسَابُ فِي أُذُنِيَّ مِنْ بَعِيدٍ أَصْدَاءُ الْأُورْغُنِّ يَعْزِفُ لَحْنًا قَوِيًّا صَاخِبًا لِشارل ماري فيدور، مَا يَكَادُ يَطْرُقُ أُذُنَايَ -هكذا والصواب أُذُنَيَّ- حَتَّى الْيَوْمِ، إِلَّا وَيَثُورُ فِي أَعْمَاقِي شَرِيطٌ هَادِرٌ تَتَتَابَعُ فِيهُ لَوْحَاتُ سَقْفِ مُصَلَّى سيستينا الْآسِرَةُ. وَغَادَرْتُ رُومَا بَعْدَ أَنْ أَحْسَسْتُ أَنِّي قَدْ أَجْزَلْتُ لِنَفْسِي الْعَطَاءَ بِمَا ارْتَشَفْتُهُ مِنْ رَحِيقٍ فَنِّيٍّ!

قُلْتُ:
جميل! ولكن خطر لي خاطر مؤلم: لقد نجح الغربيون أن يقنعونا بعلومهم وفنونهم أنها أحق من علومنا وفنوننا بالإيمان والتعلم والتعليم والتقليد؛ فصار أذكياؤنا ومبدعونا إلى أن يتمنوا الانخلاع منا والانغراس فيهم، ولو اطلع على الغربيين مطلع لرأى بسمة الاحتقار والسخرية والتشفي والحقد والضغينة! لا أدعو إلى معاندة الحق كما يعاندونه، ولكن إلى الإيمان بعلومنا وفنوننا العربية الإسلامية، وتعلمها وتعليمها…Ø› فعندئذ يعرف كل مقامه، ويأخذ حقه، ويعيش حياته.
ثم أمس (27/4/2007م) في بيت أستاذنا محمود محمد شاكر -رحمه الله!- كلمت في هذا الأستاذ عبد الرحمن شاكر الذي حضر من أجلي؛ فقال: لقد مر عكاشة بمراحل؛ فقد كان في أوليته مأخوذا بالثقافة الغربية، مخدوعا بلويس عوض، ثم اتصل بعمي (أستاذنا محمود محمد شاكر)، فأهداه كتبه، فتغيرت آراؤه. قلت: فأين أجد علامة التغير؟ قال: لا أعرف. ثم قال: أي حرص على ثقافتنا في أن نهملها ونحشو عقول الناس بهذه الثقافة الغربية! للثقافة والتثقيف أصول ينبغي أن تتبع.

Related posts

Leave a Comment