صورة الوداع

صُورَةُ الْوَدَاعِ 19/5/2013

ما لِهذه السفينة ولِلْوداع!

أخشى أن تُتَّخَذَ بعدنا حَنانًا يأوي إليه المُتَوَادِعُونَ كُلَّما استخفَّهم طوفانُ المعيشة الطائفُ!
وكنا من قبل أن نَصْطَفَّ أمامها، قد تَغَدَّيْنا نحن: إحسان صادق اللواتي، وأحمد الحنشي، وحمود الرمحي، وخالد الكندي، وزاهر الداودي، وزاهر الغسيني، وسعيد جبر أبو خضر، وسعيد يقطين، وعبد الحليم حامد، وعبد العزيز الصيغ، وعلي الكلباني، ومحمد جمال صقر، ومحمد عبد الله زروق، ومحمد المعشني، ومحمد نور المنجد، ومحمد الهادي الطرابلسي، ومحمود الريامي، وهلال الحجري- بناحيتنا من مطعم أعضاء هيئة التدريس، ثم أقبل الدكتور هلال الحجري رئيس قسمنا (قسم اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس)، يحيي ركب الأساتذة الآيبين:

الدكتور عبد الحليم حامد آيبا إلى السودان،

والدكتور حواس بري آيبا إلى الجزائر،

والدكتور سعيد يقطين آيبا إلى المغرب،

والدكتور عبد العزيز الصيغ آيبا إلى اليمن.

أَوْجَزَ التحية مؤثرا غيره؛ فظننتُ أنه يريدني!

حمدتُ الله -سبحانه، وتعالى!- على نعمته باجتماعنا من أرجاء وطننا العربي الكبير، على العمل بهذه الجامعة العمانية الكريمة الفتية، التي تتيح لنا من حرية الانطلاق والحركة ما لا تتيحه جامعاتنا العتيقة. وعجبتُ لاستواء كِفَّتَيِ المشرق والمغرب العربيين بين الآيبين عن القسم، استواءها بين الحاضرين!

ثم ذَكَرْتُ الدكتور عبد الحليم حامد، بفضله القديم الذي يتقرب العمانيون إلى الله بذكره، حتى إنه لما استُوزِرَت تلميذته الدكتورة شريفة اليحيائية، جاءه التلفاز العماني إلى حيث يعمل بمكتبه من القسم، يستخبره خبر تلمذتها عليه!

ثم ذَكَرْتُ الدكتور حواس بري، بذهابنا إلى مطار السيب (مطار مسقط) سنة 1997، نستقبل أخانا الدكتور إبراهيم ضوة، فاستقبلناهما معا، ومخالطتي له هو وأسرته بنفسي أنا وأسرتي، ومحبتي للجزائر حتى تعلقتُ بمجسَّم خريطتها في عِلَاقة مفاتيحه!

ثم ذَكَرْتُ الدكتور سعيد يقطين، بحرصه على دلالة طلابه على ما ينفعهم من غير تعصب لمغربي على مشرقي، واستعصاء لهجته المغربية عليَّ حتى سمعته ثلاث مرات يهدر بالعربية فسمعت فصيحا لا يُقَادَرُ قَدْرُه!

ثم ذَكَرْتُ الدكتور عبد العزيز الصيغ، بمعرفتي له من قبل بأحد المؤتمرات المصرية، ثم محبتي له بقصيدته في أخي الدكتور أيمن ميدان التي تسلسلت فيها مشاعره الإخوانية عذبة رقراقة، وقصيدته “أَمْضِي” التي سَبَرَ بها في احتفال كلية الآداب السنوي أغوارَ الاجتماع والافتراق، على رغم ريبته في انْبِناء المحبة على الشعر!

فلما سمع ذلك الدكتور هلال الحجري أبى إلا أن يُعَلِّقوا!

قال الدكتور عبد الحليم: لقد قضيت بهذا المكان ثماني عشرة سنة لم أقض مثلها بالسودان بعد حصولي على الدكتوراه، حتى ساوت كتفي أكتافُ تلامذتي، ولم تبق لي من رغبة في وظيفة، إلا أن أنقطع بالسودان لبيتي غير ممتنع من تعليم من يأتيني فيه يلتمس علم ما لديّ.

وقال الدكتور حواس بري: وهل أَرْوَحُ للنفس من أن أترك عمان ومِنْ زملائي مَنْ تَلْمَذُوا لي! ثم هل أتركها إلا إليها؛ فلا والله ما شعرت أنني مسافر عنها، كيف وأنا إنما أسافر بها! وإذا كان لي من كلمة اليوم جعلتها للتواصي بالإخلاص والإتقان؛ فهما مفتاح التوفيق.

وقال الدكتور سعيد يقطين -وقد قطعتُ عليه كلامه أطالبه بالمغربية-: ليس أحسن في وصف حالي الآن من مَثَلٍ مغربي -القلب كذا واللسان مثقال، نسيتُه أنا- يعبر عن احتشاد المشاعر في القلب وعجز اللسان عنها؛ فقد انتفعت بصحبتكم جميعا، وارتحت إليكم كثيرا، وتمنيت أن لو تيسر لأساتذة كل تخصص أن يجتمعوا كل حين مثل هذا الاجتماع، ليتباحثوا في شؤون تخصصهم وطلابهم، إذن لتكاملت جهودهم وتضاعفت فوائدها.

وقال الدكتور عبد العزيز الصيغ: سأجعل كلمتي شعرا، وكنت قد طالبته بقصيدته “أمضي” نفسها، وأقبل ينشدها من حفظه ومن أوراقه، وكان الدكتور سعيد يقطين قد أثنى عليه بها متمنيا أن لو أتيح له أن يخالطه:

أمضي فيمـلؤني من بعدها عجبُ     أكنتُ  فيها وكانت فيّ تضطربُ

أكنتُ أحمــــــلُ في جنبيَّ عبءَ هوى ولم تنـله أراجيفٌ ولا عَتـَبُ

وظلَّ يكـبُرُ في عينيّ  متشحًا إزارَ من ذهـبوا في العشق واغتربوا

نزلتُ فـوقَ ثـراها نبتَ رابيةٍ تشدو وعصفُ رياحٍ حولها سـَكِـبُ

صحبتها زمنـًا عـزّت مـكانتـُهُ وسوف تبقى معي في النفس تصطحـبُ

تقلــّبتْ بيَ أحـوالُ الهوى وبها ولم تزل بي إليهـا الروحُ تنقلبُ

ظلت تراودني في كلِّ آونة ولم تزل في دمي تسعى وتصطخب

لها توقدُ عشاقٍ ودفءُ هوى لا ينقضي وحـنينٌ ليس ينسحب

على رباها التقى فرسانُ مملكةٍ لهم نزولٌ وإن جدّ الوغى ركـبوا

صحبت فيها أجلاءً أساتذةً إليهم الروحُ من قبل الخطا تثب

على محـياهم سمتُ الوقارِ وفي أخلاقهم شرفاتُ الضوء تلتهب

يبقى لهم في ضمير النفس مـنزلةٌ بـهــيةٌ ووجـــــودٌ باذخٌ صَخِبُ

حقائبي بهم ملأى وذاكرتي منهم إذا جفّـت الآبارُ تحتلب

ملأت من حبهم أحمالَ راحلتي فــفي عناقيدها من شوقهم عِنـَـبُ

حَلـُّـوا مكانًا له في النفس منزلـــةٌ بعيدةٌ تـُـرتقى إن جَلـَّـت الرُتـَبُ

وربما اضطربت في لحظة صورٌ وخاب ما كان عندي ليس يضطرب

سبعٌ مضت وكأني ما شعرت بها ولا حـوتها أعاصيرٌ ولا نـَصَـبُ

أمضي وأسـئلة تمضي تلاحقني وعشرة ملؤها الأوراقُ والكتبُ

وذكرياتُ أحاديثٍ وأمكنةٍ في الروح تمتد أغصانًا وتنتصب

أمضي وفرحةُ غيم أسـتسرُّ بها تمضي معي وسماءٌ ليس تحتجب

وأن أرى بعد تركي ما رغبت به ما كانت النفسُ دوما فيه ترتغب

وخفف الوطءَ عـنـّي أن أغــــــادرها قبلي عـزيزون عنها فجـأةً ذهبوا

أنِـسْت في قربهم ثم انطوت صحفٌ   بيضٌ نسيمُ شذاها ظلّ ينسربُ

ما جاء ذكرُ بدورٍ من فمٍ عطرٍ إلا وجال لهم في خاطري طلبُ

إلى رُبا وطني تمضي الخطا خببا يحثها أملٌ كالصحو مُرتقبُ

مواطن العز أنداء الغمام على تخومها وذرا هاماتها ذهَبُ

ما مر بي سـاعةٌ أصفى وأجمل من مرأى ربـاها فـفيها الـوقت يُنتخبُ

ولا تجلّى جمالٌ في عذوبته إلا وكان لها من حظه سببُ

هي الجـنان التي تشفى النفوس بها وغيرها من مجاني حسنها شـُعـَبُ

أمضي إليها فتشدو النفس في فرحٍ ويملأ الروحَ حسُّ منعشٌ عَذِبُ

ثم اسْتَوْدَعَهُمُ الدكتور هلال الحجري، وَدَائِعَ الذكريات العمانية!

Related posts

Leave a Comment