أم القرى ومن حولها، لأبي همام عبد اللطيف عبد الحليم

بائيَّةُ أَبي هَمّامٍ
عَبْدِ اللَّطيفْ عَبْدِ الْحَليمْ
1945-2014
رَحِمَهُ اللهُ بِهَا،
وَطَيَّبَ ثَرَاهُ!

أَشْعِلْ بِنا يا دَليلُ أَجْنِحَةَ الْبَرْقِ وَطِرْ بِالرُّعودِ فِي السُّحُبِ
أَوْقِدْ صَهيلَ الرِّياحِ جائِشَةَ الْمَوْجِ وَأَسْرِجْ خُيولَها وَثِبِ
أَنْشِبْ عَصيرَ الْغُصونِ فِي الطَّلَلِ الْيابِسِ هُزَّ الْخَبيءَ فِي الْعُشُبِ
أَوْرِقْ حُلوقَ الرِّمالِ عانَدَهَا الصَّخْرُ فَقَدْ تَرْتَوي مِنَ السَّغَبِ
سالَتْ بِأَعْناقِهَا الْأَباطِحُ وَالْأُفْقُ لَهيبٌ مِنْ غَيْرِ ما لَهَبِ
فَطِرْ بِنا يا دَليلُ فَالشَّجَرُ الْمورِقُ فينا كَالشَّمْسِ لَمْ تَغِبِ
فَهذِه نارُهُمْ وَقَدْ عَسْعَسَ اللَّيْلُ فَشِمْ يا دَليلُ وَاقْتَرِبِ
اِقْبِسْ لَنا مِنْ شُعاعِها وَهَج الْأُفْقِ وَمُدَّ الْخِيامَ لِلشُّهُبِ
أَسْرِجْ لَنا زَيْتَها يُضيءُ فَقَدْ تُسْفِرُ في حُجْبِها بِلا حُجُبِ
تَبَرْقَعَتْ بِالضِّياءِ وَانْكَشَفَتْ بِالْغَيْبِ عَنْ سائِلٍ وَمُرْتَقِبِ
ذاكَ مَقامُ الْجَلالِ يَخْتَرِقُ النّورُ الثَّرى هامِيًا بِلا سُحُبِ
مُنْسَكِبًا فَالسَّماءُ جاذِبَةُ الْأَرْضِ فَمِنْ جاذِبٍ وَمُنْجَذِبِ
كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تَذْرَعُ الْمَلَأَ الْأَعْلى بِغَيْرِ الضِّياءِ لَمْ تَطِبِ
فَهذِه نارُهُمْ تُغازِلُها فَراشَةُ الرّوحِ في هَوًى عَجَبِ
هذِي الْمَطايا هَوادِجُ النَّغَمِ الْهامِرِ بَيْنَ الْبِطاحِ وَالشُّعَبِ
اُحْدُ بِنا يا دَليلُ ساجِعَةَ الْوُرْقِ تُناجي بِالشَّوْقِ وَالطَّرَبِ
نَوازِعُ الْقَلْبِ في حَواصِلِها وَفِي الْمَناقيرِ تَوْبَةٌ لِنَبِي
ذاكَ الْحِمى يا حَمامُ فَاسْتَبِقِ النّورَ وَشُدَّ النُّجومَ وَانْتَهِبِ
وَانْسُجْ خُيوطَ الْأَضْواءِ أَرْدِيَةَ الْإِحْرامِ وَاسْجُدْ بِالرّوحِ وَاقْتَرِبِ
وَذَوِّبِ الطَّلَّ فِي الْهَواجِرِ رَقْرِقْهُ كُؤوسًا نَديَّةَ الْحَبَبِ
لَبِّثْ بِنا يا دَليلُ ها هِيَ ذي أُمُّ الْقُرى في مَعارِجِ الشُّهُبِ
هَلَّلَ فيهَا الرَّجاءُ صاعِدَةً أَسْبابُه لِلسَّنا بِلا سَبَبِ
حَناجِرٌ مِنْ رِمالِها هَتَفَتْ يَنْسَكِبُ الْوَجْدُ أَيَّ مُنْسَكَبِ
ما أُحْصِرَتْ هَلْ يَذودُها حَصَرٌ عَنْ لَثْمِ طيبِ النَّسيمِ وَالتُّرُبِ
أَجْنِحَةُ الْبَرْقِ زادُ رِحْلَتِها لا تَتَشَكّى مَجامِرَ النَّصَبِ
يَنْسَكِبُ الْأُفْقُ في قَوادِمِها وَقَدْ طَواهُ الْأَصيلُ بِالذَّهَبِ
تَنْعَتِقُ الْأَرْضُ وَالْجُسومُ مِنَ الطّينِ وَتَهْمِي السَّماءُ بِالسُّحُبِ
بُسْتانُها ضَوْعَةُ الزُّهورِ نَدَى الْفَجْرِ يَصُبُّ الرَّبيعَ فِي الْعُشُبِ
فَابْلُغْ بِنا يا دَليلُ ما بَلَغَ الْوَجْدُ بِنا لا شَكاةَ مِنْ تَعَبِ
نَحْنُ ذَهَلْنا عَنِ الذُّهولِ وَما كَلَّتْ خُطانا وَالسَّعْيُ لَمْ يُشَبِ
نَحْنُ سَكِرْنا بِصَحْوِنا وَصَحَا السُّكْرُ بِنا صُبَّ خَمْرَنا وَطِبِ
وَشَعْشِعِ الْخَمْرَ في جَوانِحِنا مَمْزوجَةً بِالْأَمْواهِ وَاللَّهَبِ
وَاطْوِ لَنا صَفْحَةَ الزَّمانِ نَعِشْ قَبْلَ انْبِثاقِ الْوُجودِ وَالْحِقَبِ
ذاكَ وَإِلّا فَالرّوحُ شارِدَةٌ لا تَهْتَدي بِالدَّليلِ وَالْكُتُبِ
ذَوِّبْ لَنَا الْخَمْرَ في مَحاجِرِنا فَقَدْ شَهِدْنَا السَّماءَ عَنْ كَثَبِ

Related posts

Leave a Comment