موسيقى الوداع الأخير، لمحمود حسن إسماعيل

… مع انسلال الروح من حقد التراب،
في لحظة احتضار حزين،
إلى روح د.غنيمي هلال!

ماذا وراء النفس المقطوع من أغصانه الآفلة الثاكلة الحفيف بين الحنجرةْ
ماذا وراء الزفرة المطرودة الكيان والزمان من وجودها المخدوع حول المجمرةْ
ماذا وراء النظرة الموؤودة الشعاع والوداع في أجفانها المشدوهة المسمرةْ
ماذا وراء اللحظة السارقة المسروقة الرنين من دقاتها المندحرةْ
ماذا وراء الرعشة الخرساء والفأس بكف الغيب تهوي فوق جذع الشجرةْ
والريح لا تمس طيفا فيه وهم ذرة ناظرة لأختها المنتظرةْ
تقطعت بالزورق الحبالْ
وأبلست مرافئ الزَّوالْ
وأغلست مسارب الخيالْ
وانسحب الضوء من السراج الضارع المهزومْ
وانسرب الوجود كاللصّ إلي رماده المحتومْ
وأقفرت لم يبق حتى حلم عود في رفات ثمرةْ
ولا فتات بذرة مقاء يهوي غصنها أن يسترد زهرهْ
ولا مسار دعوة أخيرة إلي سماءْ
ولا مدار حيرة ضريرة إلي رجاءْ
ولا جؤار عتمة مقهورة إلي ضياءْ
ربّاه ويل ساعة أنغامها في نايها مكررةْ
تجيء ثم تختفي ثم تعود فوق سر لست أدري خبرهْ
سكنية تنفض أم سكينة تنقض أم إعصار صمت أم شظايا مقبرةْ
أم ودع العراف ينهي غيبه من دربه ما قدرهْ
أم إنها صائدة مقهورة مسيرةْ
ترمي بما يقضيه من شدَّ عليها وترهْ
والسهم والقوس ونبض الدَّم في الخليةْ
أشلاء وهم في يد مشلولة عتيةْ
وطيف حلم موصد في قبضة خفيةْ
وحيرة مبصرة في حيرة ضريرةْ
تدهس ضوء الروح في السريرةْ
بدون أي رحمة أو انتظار رحمة وفي ذهول لحظة ضارعة في لحظة تحيل كل ما يضيء في الحياة ظلمة مدثرةْ
رباه أهي نشوة عند اللقاء مسكرةْ
أم إنها عند الرحيل لا ألمت راحتاه مجزرةْ
من أجل هذا أكره الإيماء لاندهاشة الجنائزِ
وأكره الإصغاء للدموع مهما حوَّمت غرائزي
وأكره الإفضاء بالأحزان مهما خيمت جراحها لشمسي
وأكره الرثاء والبكاء حتى لو رأيت نعشي
لكنني أشتاق أن أبوح بارتعاشة الضوء إذا رأيته نعسانْ
وأن أشد مزهري لفجره المكبل الظمآنْ
مهما لوى الظلام وجه عاشق عن كلّ نور فجره ودوخ اللسان حقد كاره لضوئه أن يذكرهْ
أشتاق أن أقول كان موجة صوفية الهديرْ
ترش تلعة جاهلة من فيضها وفيضها الغزيرْ
وكان شوق لجة تعشق أن تعانق الغديرْ
وكان وجه عاصف مزند بالموت والنشورْ
لحدا لكل ظلمةٍ
سدا لكل رجعةٍ
مدا لكل نورْ
وكان فأس حاطبٍ
وكان كأس شاربٍ
وكان لمح ساربٍ
في توهة العبورْ
وكان درب سابلٍ
وكان حرب جاهلٍ
وكان سكب يقظة ونورْ
وكان في انطوائهِ
وكان في انتمائهِ
توهجا يدورْ
وكان فوح عشبةٍ
نديانة في ربوةٍ
أبية مستترةْ
مرت عليها الربح ما أفنت عبيرا بثه ونشرهْ
واحتدمت من حوله كي تصهرهْ
وتخفت الإشراق والإيراق في كل ضياء بذرهْ
لكنها مقهورة منتصرةْ
دست له الأشواك في كل طريق عبرهْ
فداس ثم داس حتى أوغلت في كبده لتعصرهْ
وأقبل المقدورْ
في مهده يدورْ
ينطفئ السطوع والشموع في يديهْ
ويخطف الصفاء والضياء من عينيهْ
فلم يجد فيئًا من السكون والأمانْ
يحميه من ضراوة الأحقاد في الإنسانْ
إلا العزوب عند هذه الأكفـانْ

Related posts

Leave a Comment