دستور القراءة والكتابة 7

(ماذا نقرأ ونكتب؟)

الثقافة والراحة والمتعة

لا ريب في وجوب ذكر القرآن الكريم والنثر الشريف والشعر النفيس في مظان الثقافة والراحة والمتعة القرائية -فليس أجلب لها أبدا من توريد أورادها اليومية التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ؛ فإذا هي مزاج أصول الوعي القرائي العربي- ولكنني أوثر التنبيه معها على ما نشأ لها وتفرع منها وانبنى عليها من إضافات المثقفين، مثل كتب البوح الجهادي ومن أقدمها كتاب الرعاية لحقوق الله للحارث المحاسبي (المتسمي بكثرة محاسبته نفسه)- وإضافات المروحين، مثل كتب السير الشخصية -ومن أقدمها رحلة الشافعي إلى مالك بن أنس (الواقعة في أثناء ثمرات الأوراق للحموي)- وإضافات الممتعين، مثل كتب الأدب الساخر -ومن أقدمها رسالة التربيع والتدوير للجاحظ- وأما أحدثها جميعا فمستمر إلى ما تشتمل عليه الآن بعض المواقع الإلكترونية، ومنها موقعي هذا: www.mogasaqr.com.

وعلى منوال هذه المظان القرائية تنتسج بردة المظان الكتابية -ولو لم تنتسج لكان كافيا لطالب الكتابة أن يعلق على ما يقرأ؛ فإنه عندئذ كمن يشارك الكتاب فيما يكتبون- حتى يستنبط كتابته الملائمة الخاصة من بين ما تلقاه وما جربه.

القوة والقدرة والفضل


ومن مظان القوة القرائية جوامع مفردات التخصص -ومنها مجمهرات كبيرة، يحرص مجتهدو المتخصصين على قراءتها كل عام- أما مظان القوة الكتابية فمتعرضة لمن اشتغل بتلخيص مفردات تلك الجوامع التخصصية. ومن مظان القدرة القرائية جوامع مشكلات التخصص -وهي مقالات متفردة بما فيها، يتنافس في جمعها متقنو المتخصصين، ويحرصون على استيعابها- أما مظان القدرة الكتابية فمتعرضة لمن اشتغل بحل أشباه هذه المشكلات. ومن مظان الفضل القرائية مفاصل التخصصات -وهي مواضع مترددة بين التخصصات، متنازع عليها أو على بعضها، يتعلق بها متطلعو المبدعين- أما مظان الفضل الكتابية فمتخفية بحجب الانقسام بين المتنازعات، تنتظر من يلم شعثها، ويرأب صدعها، ويسبر غورها، فيستنبط سرها.

من التثقيف إلى التفضيل

ولقد ينبغي لمن جرب من المهتدين ما في الغفلة عن مظان الثقافة والراحة والمتعة والقوة والقدرة والفضل، من تيه فشرود ففقد- ألا يسكت على غفلة ولا يفرح لفقد، إلا أن يريدهما، ولا يريدهما إلا عدو! فأما الصديق الحريص على صديقه، الأخ المحب لأخيه- فيوسع له من نفسه، ويتحرى مصلحته حتى يثق فيه، وينصت إليه حتى يتبين حوائجه القرائية والكتابية؛ فيدله على مظانها التي تسد حوائجه، مثلما وجد ما سد حوائجه؛ ولن يقدر على تلك إلا من قدر على هذه! وهل أعجب ممن قرأ كتاب رحلة الدكتور مصطفى محمود من الشك إلى الإيمان، ثم ذهب يطلب الشك توصلا إلى الإيمان، وهو إنما وضع كتابه في الاستغناء بالإيمان عن الشك!

Related posts

Leave a Comment