دستور القراءة والكتابة 3

(دستور القراءة والكتابة)

لماذا نقرأ ونكتب؟
في طريقي إلى إحدى مكتبات وسط القاهرة سألت عنها شابا في الثلاثين، فكأنما كانت سبته؛ إذ سب الكتب والمكتبات والقراءة والكتابة والأيام التي عرفها فيها؛ فلم أرتب في أنه إنما طلبها لحاجة زائفة ضعيفة زائلة؛ إذ لو كانت دعته إليها دواع أصيلة خارجة من حقيقة نفسه قوية مؤثرة فيما يأتيه ويذره باقية مستمرة استمرار وجوده، ما احتمل دونها معيشته، ولوجده عندئذ والبهائم سواء!


ماذا نقرأ ونكتب؟
ولكن ربما تيسرت للقراءة والكتابة دواعيهما الأصيلة القوية الباقية، ولم تتيسر لهما مظانهما ومجالاتهما ومراتعهما ومتنفساتهما الحقيقية؛ فلم يجد طالب القراءة ما يقرؤه فيولد به ولادة أخرى، ولم يجد طالب الكتابة ما يكتبه فيلد به ولدا آخر؛ فانطوت تلك الدواعي على نفسها، وذوت مثلما تذوي في الجدب الزهرة، وجفت، ثم ماتت وكأن لم تكن قط!


متى نقرأ ونكتب؟
ولكن ربما تيسرت للقراءة والكتابة دواعيهما الأصيلة القوية الباقية ومظانهما الحقيقية، ولم يتيسر لهما نظام صادق محكم يضبط أقدار الأعمال -فلا يسهل منها ما هو صعب، ولا يصعب ما هو سهل، بل يقدر كلا قدره- ويرتب أولويات الأعمال -فلا يقدم الماديات على المعنويات فهذه ملاك تلك، ولا إفادة الآخرين على استفادة النفس ففاقد الشيء لا يعطيه- ويحكم طبائع الأعمال -فلا يهمل ما في طبيعة القراءة من صعوبة تخمين المراد، ولا ما يعطلها من انكشافها لخواطر النفس، ولا يهمل ما في طبيعة الكتابة من سهولة تجهيز المراد، ولا ما يؤيدها من اجتماع خواطر النفس فيها- ويغلق دوائر الأعمال -فلا يضيع ما في النوم بعقبها دون غيره من تمكين العقل من الاستيعاب- فإذا لم يتيسر لطالبي القراءة والكتابة مثل هذا النظام قلت لديهما جدوى عنائهما، وقعد بهما عنها العجز.


كيف نقرأ ونكتب؟
ولكن ربما تيسرت للقراءة والكتابة دواعيهما الأصيلة القوية الباقية ومظانهما الحقيقية ونظامهما الصادق المحكم، ولم تتيسر لهما شروطهما التي لا يتفقه دونها القارئ فيما يقرأ ولا الكاتب فيما يكتب. ومن لم يتفقه فيما يعمل لم يتقن عمله، ومن لم يتقن عمله خرج من مظنة المحبة الربانية التي من خرج منها تخطفته طير الأخاديع أو هوت به ريح الأوهام في مكان سحيق!
بأجوبة هذه الأسئلة القطبية الأربعة المترتبة تنتظم منظومة القوانين العليا المتحكمة (دستور القراءة والكتابة)؛ فيبدو السعي في سبيلها رقيا في مدارج السالكين، من مقام اللماذا، إلى مقام الماذا، فمقام المتى، فمقام الكيف!

Related posts

Leave a Comment