العبادة في فلسفة الإسلام، في 8 مارس 2017، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

العقيدة الإسلاميّة شهادة ألا إله الا الله، يلتزم بها كل الناس (المسلمون وأهل الكتاب). شهادة أن محمدًا رسول الله، يلتزم بها كل من أراد الانتساب إلى الإسلام وإن كان ظالما فاسقا. العبادة تجمّل المخلوق لأعباء ومشاق طاعة الله، مما يكون له أثر في نفسه وتدل عليه حاله. يقال تَعبّد الطريق أي استقام وتهذّب واستوى وتهيأ وتذلل لسير السائر عليه. العبادة الطاعة والخضوع والإذعان. العبادة كل عمل صالح قصد به وجه الله. “العمل” هو عمل القلب (النيّة)ØŒ وعمل باقي الجوارح (اليد، واللسان، والرجل). “الصالح” هو العمل الذي يقيم قيم الله في الأرض، أي تفعيل القيم العليا بمعنى أنّ المطلوب من الإنسان أن يفعل فعل الله، ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ويشترط في العبادة الإخلاص وصدق التوجّه إلى الله بصالح الأعمال وإلا أحبط العمل، كما أنّ لكل مصلح من غير المؤمنين بالله حسن الجزاء في الدنيا، لأنّ الله بالمطلق “لا يضيع أجر من أحسن عملا”ØŒ وإن كان القائم بهذا العمل الصالح كافرا به. أما الجنّة فهي غيب، ولا يكافأ بها إلا من آمن بالله (الغيب) في حياته الدنيا.

أقسام العبادة
أوّلا عباده الله في الله (الشعائر الدينيّة المتمثلة في الصلاة والصيام والحجّ والذكر)، وهي جملة الأقوال والأعمال التي تحقق تواصل المسلم والسماء. ولا يقصد أن يستفيد من وراء أدائها أحد من المخلوقين. ومن اللافت للنظر أنّ شعائر الاسلام كلها جاءت عن طريق الوحي. حدد القرآن والسنة النبوية كل ما يلزم الصلاة، ابتداء من المسجد، والقبلة، والمنبر، والوضوء، وكيفية أداء الصلاة (سننها وفرائضها). وكذلك الصوم ومتطلباته وقواعده ومبطلاته، والحج وكل مشتملاته من الإحرام والطواف والسعي والوقوف والرمي والنحر والتحلل. إنّ كل صغيرة وكبيرة تتصل بشعائر الإسلام وضّحها وحددها القرآن والحديث النبوي الصحيح، ولم يسمح للعلماء أو الأمراء بالإضافة أو الحذف من هذه الشعائر، على خلاف كل الديانات الأخرى المنتشرة بين الناس الآن، التي تكوّنت طقوسها وشعائرها عن طريق تاريخ طويل من الإضافة والحذف، أحدثتهما أجيال عديدة من الرهبان والأحبار والكهّان، حتى صارت إلى الشكل الذي هي عليه الآن.
الصلاة
منذ خلق الله عبده آدم خلقت معه عداوة إبليس، وجعل الله لإبليس من الذرية ما لآدم، لكن أبناء الشيطان يفوقون بني آدم سنًّا، وهو ما جعلهم الآن يفوقونهم عددًا؛ لذا يمكننا أن نقدر الآن حول كل إنسان منا المئات أو الآلاف من الشياطين المسلطّين عليه، الذين يسعون لإلحاق الضر به في كل وقت من الليل و النهار؛ فجعل الله للمسلمين خمس صلوات في اليوم والليلة أوقات الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، بخلاف التطوّع والذكر، بعد أن كانت لمن قبلهم مرة واحدة بالأسبوع، وذلك لتحصِّن المسلم جسده وماله وشؤون حياته كلها من سيطرة الشياطين وتسلّطهم عليه وإيذائهم له. وتلزم الصلاةَ الطهارةُ، كالاغتسال من الحدث الأكبر (الجنابة)، والوضوء، ثم الأداء من القيام والركوع والسجود والتوجّه إلى بيت الله الحرام (القبلة).
الصوم
هو الامتناع عما أحل الله مقاربته، وبه تهذّب النفوس المترفة المنعّمة، وتروّض بالحرمان من المباح؛ فيسهل عليهم العزوف عن المعاصي والمحرمات التي اعتادوها. وبه كذلك يدرك الفقير أنه حتى ما بيده من متاع قليل يمكن أن يفقده، فيجب أن يديم شكر الله عليه. والصوم عبادة لم يتعبد بها أحد من الناس إلى غير الله رب العالمين، لأن جميع الآلهة المزورة من دون الله تقدّم للناس مزيدًا من المباحات الأخلاقيّة والسلوكيّة لإغرائهم باتباعها، أما الله رب العالمين فغني عن الناس بذاته، يقول الله: “لو أنّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شئا”.
الحجّ
هو القصد، ويقصد منه أن المسلم يذهب إلى بيت الله المحرم المعظّم المقدّس بمكة المحرّمة المعظّمة المقدّسة، وقد ارتدى أكفانه (ملابس الإحرام)، فيطوف بالبيت معلنا الخضوع والإذعان والعبودية لله، ويسعى بين الجبلين، ويقف بفضاء عرفات متمثلا موقفه يوم الحشر والقيامة، ثم يفدي نفسه بهدي، ويحلق رأسه كما يُفعَل بالأسرى والعبيد، رجاء أن يغفر الله له. ولأن الكعبة بيت الله باختيار الله جعلها الله قبلة بيوت الله التي بنيت باختيار الناس.
الأشهر الحرم
كان العرب قديما في جاهليتهم أهل بغي وفسوق وفجور وخيانة وعدوان. وكانوا يعدو بعضهم على بعض فيقتلون وينهبون ويفحشون، لا يردعهم في ذلك رادع من خلق أو دين؛ فلم تكن لهم دولة، ولم يكن يسودهم قانون كبقية الأمم. وكان الحج إلى بيت الله الحرام بمكة (الكعبة)ØŒ معظّمًا عندهم منذ أن دعا إليه الخليل إبراهيم -عليه الصلاة، والسلام!- فاتفقوا فيما بينهم كعقد اجتماعي وميراث ثقافي، على تحريم القتال والبغي والعدوان فيما بينهم -وأكثر قتالهم بغي- في اًشهر الحج -وهي شهر ذي الحجّة وشهر قبله ذو القعدة وشهر بعده المحرّم- حتى يأمن المسافر إلى الحج والعائد منه من العدوان والمكر والغيلة. وكانوا يعظمون هذا الاتفاق الجماعي، ونادرا ما كان يخالفه أحد. وكان من يخون هذا الاتفاق يعيّر ويعاب ويستحلّ ولا تكون له مكانة بين الناس. وأضافوا إلى الأشهر الحرم شهر رجب الأصمّ، ليكون استراحة لهم وسط العام تقريبا من العدوان والبغي والإزهاق الذي كان ديدن العرب فيما بينهم. لقد كان كل من البغي والغارة والسفك وكذلك الأشهر الحرم، من ثقافة الجاهلية. أما بعد سيادة الإسلام شريعته ودولته، فلم يعد للأشهر الحرم من القداسة إلا ما كان دافعا للخير والإصلاح والكرم وعمل الصالحات كما هو الحال في تعظيم شهر رمضان بين سائر الأشهر؛ لذا فإنّه بعد وجود الدولة والقضاء وسيادة القانون وانتشار العدل، وجب على الدولة قتال أهل البغي من الخوارج أصحاب الفتن والمحاربين المعتدين والخونة والفسقة والفجّار المجاهرين، ناهيك عن أعدائها التقليديّين في كل مكان وزمان دون التقيّد بقيد الأشهر الحرم، يقول الله: “يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدّ عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واٍخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنه أكبر من القتل).
و الله أعلم!

Related posts

Leave a Comment