الØمد لله رب العالمين!
الØضارة هي Ø§Ù„Ù†Ø¬Ø§Ø ÙˆØ§Ù„Ø¨Ø±Ø§Ø¹Ø© والرقي ÙÙŠ معاملة الإنسان لنÙسه والواقع المØيط به. الØضارة تعني القدرة على البقاء والتطور والانطلاق:
1) القدرة على البقاء، تعني أن لدى صانع الØضارة Øلولا للمشكلات الماديّة أو المعنويّة أو الثقاÙيّة أو الاجتماعيّة التي يواجهها مجتمع وإقليم الØضارة وتؤثر على بقائه.
2) القدرة على التطوّر، أنّ عنصر الاقتناع العقلي والانبهار النÙسي يجب ألا تنطÙئ جذوته عن بال صانع الØضارة. إنّ الشّعور بالملل والناتج عن نمطيّة التØديات والمشاكل وكذلك نمطيّة الØلول التي يواجهها بها ربما يكون سبب انطÙاء جذوة الØضارة. وهذا يعني دخول الØضارة لمرØلة الموت الذاتي أو شيخوخة الØضارة. إنّ تنوّع التØديات والمشاكل وكذلك الØلول المقترØØ© لمواجهتها ينشّط وجدان الإنسان ويساعده على تØقيق التطّور الØضاري.
قديما كانت الكوارث الطبيعيّة ÙˆØديثا الØروب هي أهم الأسباب والدواÙع للتطوّر الØضاري، لكن يمكن للØضارة الØديثة خلق تØديات تنمويّة كبرى تستلزم التعاون الكبير بين أجناس البشر ومختل٠الØضارات لمواجهتها، للاستعاضة عن خلق المشكلات واÙتعال الØروب بينها وبين الآخرين للØÙاظ على جذوة الØضارة بين Ø£Ùراد الشعب، بأن نعتبر Ù…Øاربة الÙقر والجهل والمرض بين البشر مثلا، هدÙا بديلا عن Ù…Øاربه البشر أنÙسهم، خاصة مع تطور الÙكر البشري الذي أدى إلى عمل Øكومة موØدة للأرض (الأمم المتØدة). إنّ القدرة على التطوّر تعنى تخطي صانع الØضارة لمرØلة ØÙ„ المشكلات إلى مرØلة تجميل الواقع. ويظل الاهتمام بالآخرين وتقديم الدعم المادي أو المساندة المعنويّة لهم دون مقابل هو أهم مظاهر التطوّر الØضاري الإنساني.
3) القدرة على الانطلاق Ù†ØÙˆ الآÙاق، ويقصد بها الانتشار والتمدد الأÙقي والهيمنة الماديّة والمعنويّة والثقاÙيّة على أمم ÙˆØضارات أخرى، وأهم من ذلك الانطلاق الرأسي ناØية السماء.
مقومات الØضارة
1) مقومات بشريّة. مهارة وكÙاية Ø£Ùراد الشعب ÙÙŠ التعلّم والبØØ« والاختراع والعمل والإنتاج.
2) مقومات ماديّة، تعني بالأساس الثروة الطبيعة ÙÙŠ نطاق إقليم الØضارة.
3) مقومات معنويّة، هي الثقاÙØ© والضمير الجمعي والقناعة بين Ø£Ùراد الشعب لأهميّة وضرورة التعاون ÙÙŠ إنشاء الØضارة والإيمان بأهداÙها.
لقد أنشأ الإنسان Øضارات متعددة ومتنوّعة ومختلÙØ©ØŒ ويعود تنوّعها واختلاÙها إلى:
1) تنوّع مقومات وخصائص البيئة التي نشأت Ùيها الØضارة؛ Ùهناك الØضارة المطريّة والبØريّة والنهريّة والجبليّة والصØراويّة.
2) الثقاÙØ© المؤسسة للØضارة.
3) طبيعة وخصائص الÙرد والجماعة صانعة الØضارة.
لذا Ùإنّ Ù…Øاولة Ùهم الØضارة تستلزم بالضرورة Ù…Øاولة Ùهم الإنسان صانع الØضارة، وكذلك Ùهم البيئة التي نشأت Ùيها الØضارة؛ ÙالØضارة هي نتاج تÙاعل قوي بين الإنسان العاقل المÙكر الباØØ« المبدع والبيئة التي يعيش Ùيها.
الØضارة المصريّة
نشأت الØضارة المصريّة ÙÙŠ مبدئها كبيرة وقويّة ومكتملة؛ Ùلم تستلهم بداياتها من Øضارة إنسانيّة سابقة، وتبدو للمتأمّل كأن الإنسانيّة بدأت معها، وإن كان هذا الأمر ليس منطقيّا، ولكن هذا ما Øدث بالÙعل! ومن المØتمل أن يكون علم النبوّات القديمة هو أساسها الثقاÙÙŠ والمعرÙÙŠ.
من خصائص الØضارة المصريّة
1) التعاونيّة والاشتراكيّة. كان الشعب قويّا نابها Ù…Ùكرا، يعلم تماما Øتميّة التعاون والاشتراك ÙÙŠ تØقيق الهد٠الأسمى (البقاء على قيد الØياة)Ø› لذا صار الÙرد جزءا من الكل، لا يستطيع أن يستقل بنÙسه.
2) قوة الدولة وسيادة القانون. أنشأت الدولة القديمة ÙÙŠ مصر التخصص والتنوّع العلمي Ù„ØÙ„ كاÙØ© المشكلات التي كانت تواجه شعب الØضارة. وكان من أهم التخصصات المستØدثة وقتها علم ÙˆÙÙ† التنظيم والإدارة وقيادة وتوجيه المجموعات البشريّة؛ Ùكان الجيش ÙÙŠ العادة ينشأ نتيجة للرغبة ÙÙŠ مواجهة التØديات الخارجيّة، لكن ÙÙŠ مصر نشأ الجيش قوة شرطيّة وإداريّة وتنظيميّة Ù„Øماية الØضارة قبل أن يكون للدÙاع عن الوطن من تهديد خارجي، بما يظهر الجيش ÙÙŠ مصر للباØØ« ÙÙŠ الØضارة المصريّة، هو صانع الØضارة، وهو ÙÙŠ الوقت Ù†Ùسه أهم منتجاتها ومظاهرها.
3) كان أهم أهدا٠التوسّع الأÙقي للØضارة المصريّة، هو تأمين ÙˆØماية Øدود الدولة من الاعتداء الخارجي، لا بغرض الضم. ويمكننا تسمية الØضارة المصريّة قديما ÙˆØديثا بØضارة وادي النيل. ربما استطاعت الØضارة المصريّة بشكل أو آخر التوسع الرأسي واكتشا٠الÙضاء الخارجي، أو على الأقل Ø¥Øداث تطوّر كبير ÙÙŠ علوم الÙلك.
هناك اختلاÙات بيئيّة كبيرة بين الØضارات، وهذه الاختلاÙات يجب أن تكون ÙÙŠ الØسبان عند مقارنه الØضارات؛ Ùمثلا الØضارة المصريّة صØراويّة نهريّة زراعيّة، ÙˆÙيها يكون أكثر اهتمام المواطن ÙÙŠ العادة Ø£Ùقيّا، أي بمن يكون ÙÙŠ جواره؛ Ùكانت Øضارة اجتماعيّة سلوكيّة. كان المصري القديم يرى من Ùوقه الشمس وضوءها ومن تØت قدميه الأرض وترابها وذهبها وبجانبه النهر والثمرات؛ Ùعَدَّ Ù†Ùسه ÙÙŠ مكان ومكانة وسط٠بين التراب والنور، Ùنشأت الØضارة المصريّة على اØترام النور أو القوّه العليا (الله)Ø› لذا كان الدين عنصرًا أساسيًّا ÙÙŠ تكوينها. وعندما دخلت المسيØيّة ومن بعدها الإسلام إلى مصر وجدا تربة خصبة ÙˆØماية Ùˆ دعمًا شديدين.
أوروبا (العجوز اللّعوب)
تÙعدّ الØضارة الأوروبيّة جبلية مطريّة رعويّة، وعادة ما يكون أكثر اهتمام الإنسان Ùيها أسÙÙ„ قدميّه! كان الأوروبّي القديم عندما يق٠على قمّة الجبل يرى كل شيء تØت قدميه، وكان الضباب الكثي٠والسØاب ÙŠØول بينه وبين الشمس (النور)Ø› Ùعدّ Ù†Ùسه ÙÙŠ مكان ومكانة أعلى من التراب، وكان بغير نور؛ لذا Ùهو عادة Øذر ومتوجس ومتشكك ومتعال ويجيد اقتناص الÙرص، وتشكل القوّة الماديّة له أهم الأهدا٠التي يسعى لتØقيقها. وتتميّز الØضارة الأوروبيّة باستقلال الشخصيّة الÙرديّة على Øساب الروابط الاجتماعيّة. لم يكن لدى أوروبّا موروث أو مخزون ثقاÙÙŠ ذو بال، وتعدّ الثقاÙØ© الأوروبيّة ثقاÙØ© Ùرديّة Øادة مضّطربة ومتقلّبة. عاش الأوروبي القديم ÙÙŠ Øالة وثنيّة Ùكريًّا ومعيشيًّا، وظن ÙÙŠ Ù„Øظة من تاريخه أن المسيØيّة ستهبه قوة عظمى تضا٠إلى قوّته، لكن عندما لم يتم له ذلك طردها من عقله وقلبه، Ùلا هو استÙاد من المسيØيّة كما أراد السيد المسيØØŒ ولا هو ترك المسيØيّة كما هي! وظهر أثر الاضطراب والتلّوث الثقاÙÙŠ الذي تتميز به أوروبا على المسيØيّة، بأن أصبØت شيئا آخر، وربما أشياء أخرى غير ما كانت عليه قبل أن تدخل أوروبا! انتقل قدر غير قليل من الثقاÙØ© الإسلاميّة إلى أوروبا عن طريق إسبانيا الإسلاميّة (الأندلس)ØŒ وعن طرق Ùلسطين زمن الØروب الصليبيّة؛ Ùطوّرت الØضارة الأوروبيّة الكثير من الجوانب القانونيّة والثقاÙيّة والإنسانيّة لديها. إنّ الØضارة الأوروبيّة دون النور الذي يأتيها من الشرق لا تستطيع أن تزيد الإنسانيّة إلا المزيد من الشقاء والألم.
إنّ الاختلا٠والتباين بين طبيعة الØضارة المصريّة والØضارة الأوروبيّة، كان سببا ونتيجة لوجود اختلاÙات كبيرة ÙÙŠ أسلوب الإدارة والتواصل بين Ø£Ùراد وطوائ٠الشعب، مما يؤكّد لنا عدم إمكان نقل الØضارة من مكان لآخر كما هي، ولكن من الممكن الاستÙادة من الخبرات والأÙكار بعد إجراء التطوير المناسب عليها.
مستقبل مصر بين الكÙاية والرداءة
أركان الØضارة المصريّة ثلاثة، هي: العمل، والدين، والدولة. عاشت مصر موجات مد وجذر تاريخيّة كبيرة، لكن استقر بها الØال بØكم العبيد (المماليك)ØŒ وكان اهتمام المماليك بتأمين البلاد جيدا وتوسيع رقعتها ما أمكن؛ إذ كانت مصر كانت لهم كل شيء، لكن أدّت الصراعات السياسيّة Ùيما بينهم إلى عدم استقرار الØكم، مما أوقعها ÙÙŠ يد الاØتلال العثماني. إن أهم ما كان يميّز العصر المملوكي قبل الاØتلال التركي هو الÙÙ† والإبداع والمهارة الØرÙيّة؛ Ùقد رسّخ المماليك ÙÙŠ مصر المهارة والجمال. لم يكن لمصر ولا لأي من البلاد العربيّة أي قيمة لدى المØتل التركي، بل مصدر مال Ùقط، يدخل للخزانة التركيّة ÙÙŠ إستنبول، ونتج عن ذلك الإهمال أن أصبØت مصر أضع٠من أن تداÙع عن Ù†Ùسها، وكان الاØتلال الÙرنسي! إنّ أهم شيء سيئ Ùعله الاØتلال الÙرنسي ÙÙŠ مصر هو ØÙ„ الطوائÙØŒ التي كانت بمثابة تنظيمات مدنيّة (نقابات مهنيّة)ØŒ تعمل على تنظيم ÙˆØماية الØر٠والمهن ووضع معايير الجودة وكذلك تدريب وإجازة المشتغلين بها. كانت الطوائ٠هي جيش مصر غير المسلØØ› Ùقد كانت مصدر الانضباط والمهارة. كانت تنظيمات الطوائ٠هي الركن الأول من أركان الØضارة المصريّة، كما كان الركن الثاني هو الدين الذي يمثله قلعتان قويتان هما الأزهر والكنيسة، وكانت الدولة يمثلها الجيش وهيكل الØكم والإدارة المØليّة هي الركن الثالث. قضى الاØتلال الÙرنسي على ركنين رئيسيّين للØضارة المصرية: الجيش، وتنظيمات الطوائ٠المهنيّة؛ ÙÙقدت مصر هويتها، وتلاشت Øضارتها، وأصبØت شيئًا باهتًا غير Ù…Ùهوم! اعتمد المصريون على ركن واØد من أركان الØضارة، هو الدين الذي ØاÙظ علة ÙˆØدة وتماسك الشعب، وتم التØرر من الاØتلال الÙرنسي، وتولى Ù…Øمد علي Øكم مصر، وكان رجلا يعر٠ما يريد. أعاد Ù…Øمد علي إلى الØضارة المصريّة ركنيها الغائبين (العمل والدولة)ØŒ Ùكان العلم والتعليم والعمل والمهارة، وكان بناء جيش قوي بالإضاÙØ© إلى الأزهر والكنيسة. لكن يبدو أنّ العالم قد تطور بسرعة ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ø¯ÙˆÙ„ÙŠÙ‘Ø§ ولم يعد إقليميÙّا، بمعنى أنّ الخطر Ø£ØµØ¨Ø ÙŠØªÙ‡Ø¯Ø¯ مصر من خارج الإقليم، تعاون الأتراك العثمانيون والإنجليز على تدمير مصر ثم اØتلالها! قضى الÙرنسيون على أهم دعائم الØضارة ÙÙŠ مصر (العمل)ØŒ لكن المصريين استطاعوا النهوض معتمدين على الدين؛ Ùقرر الإنجليز هدم الدين Øتى لا يبقى للمصريين شيء يجمعهم ويØاÙظ على ترابطهم وتماسكهم، وتØركوا على Ù…Øورين:
1) إنشاء دين جديد ÙÙŠ مصر. اهتم الانجليز بالتعليم التلقيني وإنشاء أجيال تؤمن وتقدّس الثقاÙØ© الأوروبيّة، بلا هويّه ثقاÙيّة وطنيّة؛ Ùانتشرت الرداءة التعليميّة والعلميّة والمهنيّة والØرÙيّة والإداريّة والثقاÙيّة والÙكريّة والأخلاقيّة والسلوكيّة والاجتماعيّة ومن ثمّ السياسي!
2) تØري٠الدين الأصلي عن طريق المتديّنين العملاء الذين يصدرون للناس عن الدين شكلًا مشوّهًا ÙˆÙاسدًا وغير Øقيقي، وكان ذلك لكل من الدين الإسلامي والمسيØÙŠ على السواء. كان أهم وأعظم شيء برع Ùيه الإنجليز ÙÙŠ مصر هو وضع الÙتن بين الناس. وبعد زمن طويل من الاØتلال استطاعت مصر تكوين جيش -وإن كان قليل العدد- استطاع إنهاء الاØتلال.
ليس ÙÙŠ يد مصر الآن إلا ثلث مقوّمات الØضارة (الجيش)ØŒ وهو مطالب بما يأتي:
1) إعادة الدين كما كان قبل الاØتلال.
2) إعادة الكÙاية العلميّة والثقاÙيّة والÙكريّة.
3) إعادة المهارة العمليّة والمهنيّة والØرÙيّة.
4) إعادة الترابط الاجتماعي والرقي السلوكي لأÙراد الشعب.
5) تطوير الجهاز الإداري للدولة ومكاÙØØ© الÙساد.
6) تطوير النظام القضائي.
7) مراجعة شاملة للقوانين ÙÙŠ كل المجالات.
إنّ التØديد الدقيق لجوهر المشكلة هو أهم خطوات الØÙ„Ø› ÙÙ†ØÙ† الآن أمام أزمة Øضاريّة، ومشكلة متعددة الرؤوس، لكن مصر كالغابة الكثيÙØ©ØŒ إذا اØترقت أخصبت Ùأنبتت وأورقت وازدهرت، والله أعلم، ØÙظ الله مصر والمصريين!