فلسفة العلم، في 25 أبريل 2016، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

الحمد لله رب العالمين


اَلْعِلْمُ يَرْفَعُ بَيْتًا لَا عِمَادَ لَهُ وَالْجَهْلُ يَخْفِضُ بَيْتَ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ
العلم هو جملة المعلومات والحقائق والمعارف الماديّة التي تخص الوجود المدرك والمخزّنة في ذهن الكائن الحي والتي تساعده على البقاء حيا وتحفظ نوعه. ويزيد الإنسان على الكائنات الأخرى هدفا ثالثا هو تحقيق الرفاهية.
كل الكائنات الحيّة غير الإنسان يولد معها في ذاكرتها مجموعة المعارف اللازمة لبقائها، ونادرا ما يحتاج الحيوان للتعلّم أو لفترة حضانة. وإن وجدت فهي أقل بكثير مما يحتاج إليه الإنسان، ونادرا ما يتعلم الحيوان أثناء مسيرة حياته، وإن حدث فهو قليل جدا يتمحور حول ما يخص التغلّب على المشاكل اليومية التي تواجهه. وعادة ما يُرزق الحيوان حواس حادّة، لكنّها دائما ما تكون عرضة للإصابة والضعف والتلف. ونادرا ما يتمكن الحيوان من أن ينقل خبراته وتجاربه لغيره، ولكنّه يحتفظ بها لنفسه، وتموت معه. وتبقى لكل كائن فلسفته ومنطقه الخاص. يولد الانسان بقدر من الجهل والضعف لا يجعله يستطيع مواصلة حياته باستقلال دون الاعتماد على غيره من أبناء جنسه، ودون هذا التواصل الاجتماعي والمعرفي يموت بأسرع مما يتخيل عن نفسه؛ فالإنسان في عملية تعلّم مستمرة ومتنوعه الأساليب منذ ولادته حتى موته. يجيد الإنسان استخدام حواسه في إدراك الوجود من حوله، ويعمل دائما على تطويرها عن طريق وسائل إضافية، متميزا بذلك عن غيره من الكائنات الأخرى، ويحرص على تسجيل مكتسباته العلمية ونقلها لأجياله التالية، ويحقق هذا التواصل التنامي الحضاري الذي يعتقد أنه خصيصه إنسانية. العلم هو جملة المعلومات والمعارف الصحيحة المؤكّدة لدى الإنسان، التي تتعلق بحقيقه وجودية ما. والجهل هو عدم توفر المعلومات والمعارف لدى الإنسان، التي تتعلق بحقيقة وجودية ما. والجاهليّة هي جملة المعلومات والمعارف الخاطئة التي يصدقها الإنسان ويصر على صحتها ولا يتشكك فيها، والمتعلقة بحقيقة وجودية ما.
مصادر العلم
أولا علوم هابطة ( نازلة من السماء إلى الإنسان)، هي جملة العلوم والمعلومات والمعارف التي أرسلها الله إلى الإنسان دون أن يكون له يد أو جهد في جمعها وبحثها، والمتمثلة في: الكتب السماوية، وطب الأعشاب، وكل علوم السحر وتسخير الجن وعلم الخط على الرمل والتنجيم وغيرها. وهذه العلوم يرسلها الله كاملة عن طريق الرسل ثم يصيبها الضياع والفقد أو التحريف أو التبديل أو التزييف أو الإضافات المزورة من قبل سدنتها وحفاظها أنفسهم، إلا القرآن الكريم؛ فقد تكفّل الله بحفظه.
ثانيًا علوم صاعدة، وهي جملة العلوم البحثيّة التي توصّل إليها الإنسان بمجهوده وإدراكاته عن طريق حواسه المباشرة أو غير المباشرة، ثم تفكّره واستنتاجاته دون معونة من كائنات أخرى، وتهدف إلى التّوصل إلى الحقيقة المطلقة (قدرة الله).
جوانب وأوجه البحث العلمي
1) العلم بالموجودات من حولنا، من حيث أنواعها وتكوينها وخصائصها وأشكالها، كل على حدة.
2) العلم بنتائج التفاعلات الناتجة من اختلاط الموجودات بعضها ببعض.
3) العلم بالتفاعلات السابقة في الكون، الناتجة من اختلاط الموجودات بعضها ببعض (التاريخ بكل أنواعه).
4) التنبؤ بالتفاعلات المحتملة في الكون (المستقبل).
خطوات ومراحل البحث العلمي
1) جمع المعلومات والبيانات عن طريق وسائل الإدراك الأساسية (الحواس) أو الإضافية (الأجهزة).
2) التفكير وتحليل المعلومات.
3) الاستنتاج أو الابتكار أو الاختراع أو اتخاذ القرار.
ويجب تأكيد أن أي معلومة مها بدت للباحث تافهة أو غير ذات قيمة، فهي ذات نفع وتؤثر بدرجة ما، إمّا حاليا أو مستقبلا في القرار المتخذ أو الاختراع محل البحث (النهر الكبير يتكون من قطرات المطر الصغيرة)Ø› إنّ مرحلة جمع المعلومات من أهم مراحل البحث العلمي، وسواء أكان الحصول على المعلومة بوساطة الحواس المجردة أو الوسائط؛ فلا بد أن يبذل الإنسان أقصى جهد ممكن لجمع المزيد من المعلومات، مع التأكّد من صحتها توفيرا لجهد ممكن أن يضيع سدى لو بني على خطا لأنّه “ما بني علي باطل فهو باطل”.
تقسيم المعلومات حسب درجه دقتها
1) معلومة مشكوك في صحتها، وهي التي حصلنا عليها من مصدر نشك في دقته أو إخلاصه وصدقه. وتعامل على أساس أنها صادقة وكاذبة في الوقت نفسه، وتُعمل الخطة أو يُتخذ قرار متوازن يحتمل كلا الأمرين.
2) معلومة صحيحة، وهي التي حُصل عليها من مصدر واحد دقيق وأهل للثقة.
3) معلومة دقيقة، وهي التي حُصل عليها من مصدرين دقيقين ومختلفين وغير متواصلين فيما بينهما.
4) معلومة دقيقة مؤكّدة، وهي التي حُصل عليها من ثلاثة مصادر دقيقة ومختلفة و لا تواصل بينهما أو تنسيق.
العقيدة هي جملة المعلومات والمعارف التي يصدّقها الإنسان ويوقن تماما بصحتها دون أي دليل مادي أو علمي يستدل به على صدقها وثبوتها، كالديانات والمعتقدات الموروثة؛ فتأليه البقرة عند الهنود وقصص آلهة اليونان القديمة وكذلك ادّعاء موت السيد المسيح على الصليب ثم تأكيد الإسلام عدم موته على الصليب وأن شبيهه هو الذي وقع في الفخ الذي نصبه للمسيح، كلها أمثلة معلومات يصدقها الإنسان ويقطع بصحتها، لكنّه لا يستطيع إثباتها علميا. لقد كان الله يعضّد أنبياءه ورسله بالمعجزات والخوارق الماديّة التي تكفي لإقناع الناس بصدق الرسول المرسل إليهم. ولأن الإسلام دين الله الخاتم والمستمر حتى قيام الساعة أيّده الله بالقرآن الذي يناسب التوجه الإنساني العلمي، وجعل فيه من الألغاز والحقائق العلمية التي تتكشف للناس على طول بقائهم على الأرض، وتقنعهم بصدق تبليغ محمد عن الله وأن الاسلام حق وأن العقيدة الإسلامية هي الأحق بالاتّباع؛ فكثيرا ما كان القرآن يأتي بقضية عقدية مع حقيقة علمية في نفس الآية من القرآن، مثل قوله -تعالى!-: “اقتربت الساعة وانشقّ القمر”Ø› فالإيمان بالساعة والقيامة من أمور العقائد التي نصدقها ويصعب إقناع غير المؤمنين من الناس بها، لكنّ انشقاق القمر أمر مادي له دلائله التي تؤكد حدوثه من علامات ودلالات جيولوجية أثبتها العلم؛ فالإسلام يستند على صدق إخباره عن الحقائق المادية التي يكتشفها العلماء على طول التاريخ الإنساني ويمكن إثباتها علميّا، ليؤكّد صدق إخباره عن حقائق إلاهية عقدية دينيه يصعب إثباتها علميا. الحكمة هي معرفة الخير، تختص بتحديد الغايات الكلية والأهداف السامية للإنسان في حياته الدنيا وما بعدها، وقوامها التأمّل والتفكّر والتدبّر. العلم هو معرفه حقائق وخصائص الأشياء، ويختص بتحديد الوسائل والبدائل المتاحة والكيفيّة الممكنة لتحقيق الغايات والوصول للأهداف، وقوامه النظر والبحث والتتبع.
واعلم -يرحمك الله!- أن العلم شريف -مهما كان نوعه!- لذا يجب ألا يكون إلا مع الشرفاء من الناس! الشرفاء فقط هم من يرفعهم العلم كما قال الشاعر:
اَلْعِلْمُ يَرْفَعُ بَيْتًا لَا عِمَادَ لَهُ وَالْجَهْلُ يَخْفِضُ بَيْتَ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ
والشرفاء فقط هم من يرتفعون بأوطانهم ومجتمعاتهم. أمّا السفلة والأنذال من الناس فهم إذا تعلّموا أهانو العلم وحطّوا من قدره وأكلوا به ثمنا قليلا وسخّروه لمصالحهم وأهوائهم ومنافعهم الدنيويّة، ولو على حساب أوطانهم Ùˆ مجتمعاتهم؛ يقول الله: “الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله”ØŒ والله أعلم!

Related posts

Leave a Comment