قراءة في دعاء الطائف، في 24 أبريل 2016، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

لما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله أذى كثيرا، فخرج يلتمس من ثقيف النصرة، وعمد إلى سادتها وأشرافها، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير. جلس إليهم ودعاهم إلى الإسلام، فأبوا إجابته، ورفضوا نصرته، وطلب منهم بعد رفضهم له أن يكتموا خبر مجيئه إليهم فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة، فلما رجع عنه الناس واطمأن دعا الله بقوله: “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس…”!

فرقَّ له ابنا ربيعة، فأرسلا إليه غلامهما عَدّاسًا بقِطْفٍ من عنب، فلما وضعه أمام رسول الله قال الرسول: بسم الله!
ثم أكل، فقال له عداس: إن هذا كلام لا يقوله أهل هذه البلاد!
فقال له النبي: ومن أي البلاد أنت؟
قال عداس: من نينوى.
قال النبي: قرية الرجل الصالح يونس بن متى.
فقال عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟
فقال النبي: ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي.
فأكب عداس على رسول الله يقبل رأسه ويديه وقدميه.
إن قول النبي “اللّهم” وابتداء الدعاء بها، يعني استحضار صفات الألوهية، ومنها الإحاطة والعزة والهيمنة والغلبة، ولا يكون دعاء بها إلا عند الحرب. وقوله “إنّي”ØŒ يفيد أن النبي يعرف قدر نفسه حتى في الحضرة الإلهية. وقوله “أشكو إليك”ØŒ تأكيد من النبي أنّ شكواه لله وحده. وقوله “ضعف”ØŒ أي عدم وجود القدر الكافي من صور القوة اللازمة لإتمام المهمة التي أوكلت إليه، وهي كالآتي:
1) “قوتي”ØŒ تعني القوة المادية المباشرة، في بدنه أو أنصاره أو جيشه، التي عند توافرها ينجز الأمر كله بسرعة.
2) “قلة حيلتي”ØŒ تعني القوة غير المباشرة، من الدهاء والمكر والالتفاف على الموقف؛ فلم يمهله كفار ثقيف وقتا ليفكر في رد فعلهم على دعوته.
3) “هواني على الناس”ØŒ يعني أنّه لم يكن لرسول الله عند أهل ثقيف من الوجاهة والمكانة الاجتماعية ما يحول دون وصول ضرهم إليه، حتى إنّ وجهاء ثقيف إمعانا في إهانته -صلى الله عليه، وسلم!- لم يضربوه بأنفسهم تعاليا عليه، بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم؛ فاجتمع في قلبه الشريف حزن عميق، دفعه إلى هذا الدعاء وهذه المناجاة.
وما استعظمه الملأ الأعلى من النبي، قوله: “إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي”Ø› فأسرع الله إليه بملك الجبال لنصرته، فلما أن شعر النبي الكريم بالقوة والمقدرة أبى أن يقطع عنهم مهلة الله لهم، فكان بهم رحيما؛ فجزاه الله لرأفته بالناس على رغم إهانتهم له، ضيافة الملأ الأعلى والحفاوة به قبل قيامةٍ أو موت، فالله يرحم خلقه، ويجازي بعظيم الثواب من أحسن إليهم وإن كانوا كافرين، والله أعلم!

Related posts

Leave a Comment