فلسفة القرآن الكريم، في 24 أبريل 2016، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

القرآن معلّم البشرية، أرسل الله رسوله محمدًا -صلى الله عليه، وسلم!- إلى الناس، وأرسل معه من الدلالات والعلامات التي بها يستوثق الناس من صدق تبليغه عن الله -ومنها خاتم النبوة وكرامات شاهدها وعاينها أهل ذلك الزمان- أما الأجيال اللاحقة من البشر، التي لم تلمس ولم تشهد تلك العلامات والدلائل المادية، فكان حقًّا على الله أن يمدّهم بما يهديهم للإيمان والتأكّد من صدق محمد في التبليغ عنه؛ فكان القرآن الكريم معجزة معرفيّة تتجاوز حدود المكان و الزمان. ولأننّا في عصر العلم وانتشار المعرفة وسيطرة المنهج العلمي على أسلوب الناس في التعاطي مع الحقائق المعروضة عليهم، أراد الله أن يجعل في القرآن من الإشارات والدلالات العلمية المعجزة ما يؤيّد حقيقه النبوة المحمديّة وصدق تبليغ النبي محمد عن الله. ان أكثر ما اهتم به النص القرآني، أنّه وضع للناس تصورا كاملا وشاملا وموجزا ودقيقا وواضحا عن ذات الله وصفاته وقدره وقدرته والغيب وكذلك الوجود من حولهم وعن مهمتهم في هذا الوجود وما يجب عليهم أن يهتموا به و يعملوا له، كما وضّح حقيقة البدء والانتهاء والحساب والمكافأة والعقاب بلغة يفهمها الناس. ونعرض للقارئ الكريم بعض الآيات وتفسيرها، نحاول فيها توضيح ذلك، والله المستعان، وعليه التكلان!

أولا “ولله الأسماء الحسنى”:
الله ذات، غيب، اختص لذاته بكمال الجمال في الأسماء والصفات. كان الله ولم يكن شيء، كان الله بصفاته العليّة المطلقة في كمّها وكيفيّتها. لمّا خلق الله المخلوقين المختارين أراد منهم أن يتصلوا به -سبحانه، وتعالى!- فعلمهم ما يمكنهم أن يتعلموه عن ذاته العليّة، باستخدام لغاتهم التي يتكلمونها ويفهمونها، وكان ذلك على مرحلتين: الأولى تحديد وتقييد المطلق، والثانية إعادة إطلاق المحدد المقيّد؛ فسمّى نفسه بأسماء يفهمونها، تعبّر إلى حد بعيد عن صفاته العليّة، ثم أمرهم بأن يطلقوا مفهوم هذه الأسماء بقوله -تعالى-: “ليس كمثله شيء”.
ملحوظة: إن الكوب اذا امتلأ بالماء لا يمكنه أن يكون مملوءًا بشيء آخر. إذا بلغ الله درجة الكمال المطلق في صفة واحدة من الصفات، فهل من الممكن أن يكون له صفة أخرى؟ إنّه بقليل إعمال عقل نجد أنّ لله اسمًا واحدًا محيطًا لصفة واحدة جامعة، وهو القدرة المطلقة، أو القادر على كل شيء، لأنّه لابد لكي يكون الله رحمن مثلا أن يكون أولا خالقًا، ولا بد لكي يكون هذا الخلق مفيدا أن يكون الله حكيمًا، ولابد لكي يضع الله لهذا الخلق قانونًا وغاية أن يكون الله حقًّا، بأن يهبهم من المواهب ويعطيهم من الأرزاق والقدرات ما يمكنهم من أداء المهمة التي كلّفهم الله بها. ثم لابد أن يكون الله مع ذلك جامعًا، أي يستطيع أن يجمع ويحشر المخلوقين بعد أن فنوا و تبعثروا، ولابد أن يكون الله سريع الحساب حتى يمكنه أن يحاسب هذا الكم الهائل من المخلوقين على أعمالهم، ولا بد أن يكون الله عادلًا حتى يعرف المخلوق بدقّةٍ موقفه من الإصابة والخطأ ومن ثم نهايته من الثواب والعقاب، ولا بد أن يكون الله قويًّا قوّة مطلقة حتى لا يتدخل أحد في أعماله بالتغيير أو التبديل أو الإلغاء، وهكذا دواليك. إذن لابد لكي يكون الله رحيما مطلق الرحمة أن يكون له عدد لا نهائي من الصفات يبلغ فيها كلها درجه الكمال المطلق؛ فرسالة الأسماء والصفات هي بالتأكيد مرسلة من الله لنا دون غيرنا طبقا وتبعا لدرجة فهمنا وقدراتنا على الاستيعاب
ثانيا “الرحمن على العرش استوى”:
في الآية الكريمة يخاطبنا الله باللغّة والمفردات والتعابير التي نفهمها كما يأتي:
“العرش”ØŒ في دنيا الناس نجد هناك ممالك عليها ملوك يحكمونها ويقنّنون لشعوبهم القوانين ويحدّدون لهم الحدود بنصوص ولوائح “افعل” Ùˆ”لا تفعل”ØŒ واعتاد الناس أن تكون لملوكهم هيئة تختلف قليلا أو كثيرا عن هيئات الرعيّة خاصة وعامة؛ فمما يكون للموك دون غيرهم العرش، ويكون العرش في الميادين العامة أو ميادين القتال، ويكون العرش مكانًا مرتفعًا مشرفًا يراه الناس ويراهم منه الملوك (منصّة)ØŒ ويكون العرش عادة مسقوفًا ومعرّشًا ومهيّأ لأن يقف فيه الملك ليخطب الناس أو يوجههم في الحروب، ويكون العرش كذلك في قصر الحكم بمكان مرتفع كالمسرح أو المصطبة يكون فيه سرير الملك أو كرسي الملك، فيجلس الملك على السرير أو الكرسي وأمامه الرعيّة من عامة الشعب أو خاصته يحكم فيهم بحكمه؛ لذا فإن العرش هو المكان الذي يكون فيه الملك ليمارس منه مهام عمله في السلم أو الحرب، ثم تعدى المعنى المفهوم للفظ العرش عند الناس من مجرد كونه مكانًا محددًا إلى رمزيّة تولي الملك لمهام وأعمال الرئاسة والملك.
“استوى”ØŒ كلمة تعني جلس أو هيمن أو سيطر أو استقر. في دنيا الناس يقال: اعتلى الملك العرش، أو جلس الملك على العرش، أو جلس الملك على كرسي العرش، كلها جمل وتعابير لا تعني أنّ الملك جلس حقيقة على ذلك الكرسي الخشبي أو نحوه الموجود في قصر الحكم، بقدر ما تعني أنّ الملك عندها تولّي مقاليد الحكم وتسلَّم زمام القيادة وأصبح هو الآمر الناهي في شؤون مملكته.
“الرحمن”ØŒ الرحمة هي صورة من صور العلاقات التي تكون بين الناس، وتكون بأن يكلف الرئيس المرؤوسين بما يستطيعون أداءه من أعمال وتكليفات طبقا لمهاراتهم ومواهبهم وقدراتهم، وأن يقدم لهم مع ذلك التسهيلات اللازمة التي تيسر لهم النجاح في أعمالهم، وأن يكافئهم عند إنجاز المهام كما طلب منهم وحدد لهم، وأن يعاقبهم كذلك على تقصيرهم وخطئهم، وأن يراعي عند توقيع العقوبة عليهم تخفيفها طبقا للظروف والدوافع والصعوبات التي واجهتهم أثناء تأديتهم عملهم ودفعتهم لارتكاب هذه الأخطاء (مراعاة الجوانب الإنسانيّة)ØŒ مع تقديم المعونة الكافية لهم ليبدؤوا من جديد.
ومن الآية الكريمة “الرحمن على العرش استوى”ØŒ يمكننا استنتاج أن الله -سبحانه، وتعالى!- يستخدم لغتنا بتعبيراتنا التي نفهمها ونجيدها، بأن يؤكد لنا الحقائق الآتية:
1) أن الله هو خالق الكون.
2) أن الله بعد أن فرغ من خلق هذا الكون السببي المنشأ تولى هو نفسه لا غيره، مقاليد القيادة والإدارة فيه. يقول الله: “هو الذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيام ثم استوى على العرش”.
3) أن الله استخدم اسمه “الرحمن”ØŒ دون غيره من الأسماء، تهدئة لقلوب وخواطر المخلوقين، كأنّه قال لهم: يا عبادي، لا تخافوا مني خوف اليائس القانط، ولا ترتعبوا مني رعب البائس المحبط؛ فإني سأعاملكم ابتداء من الخلق والتكليف مرورا بالمعايشة والمعاصرة وانتهاء إلى المحاسبة والمكافاة والمعاقبة، من منطلق الرحمة والتساهل والتيسير، لا من منطلق العدل المحض والتعقب والترصّد والتدقيق، مع قدرتي المطلقة على كل شيء.
4) أننا يجب علينا بعد أن فصّلنا هذا التفصيل وبيّنا هذا التبيين، ألا ننسى القاعدة المستقرّة في نفوس المؤمنين بالله الحق، أنّ الله “ليس كمثله شيء”.
ثالثا “وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل”:
في هذه الآية يوضّح الله لنا قصّة البدء الأول لكل شيء. سورة الحجر تتحدث عن الكفار المعاندين للرسل و منهم أهل الحجر، والحجر واد بين مكة وتبوك من أرض جزيرة العرب، كانت تعيش فيه قبيلة ثمود التي أرسل الله إليها نبّيه صالحًا. كان الثموديون قومًا أشداء عتاة ظالمين، وكان من قوتهم أنهم ينحتون الجبال بيوتًا -فأعمارهم كانت طويلة- وكانت البيوت المبنية من الطين تتهدّم في حياتهم، فاتّخذوا الجبال بيوتا حتى تدوم طويلا! أصّر الثموديون أن يروا ويلمسوا من النبي صالح معجزة بيّنة واضحة، حتى يطمئنوا لصدق تبليغه عن الله، ويؤمنوا بما أرسله الله به إليهم، فاختاروا بأنفسهم نوع وشكل المعجزة التي يمكنهم بها تصديق النبي صالح، اختاروا واشترطوا عليه أن يحوّل صخرة إلى ناقة عُشَراء (في شهر حملها العاشر)، فكان لهم ما أرادوا واشترطوا، وأصبحت الصخرة ناقة عشراء، لكنّهم ما لبثوا أن عادوا إلى الكفر، فعاقبهم الله على كفرهم بالموت والعذاب.
يسرد الله هذه القصة للنبي محمد وللمؤمنين معه، ببلاغة واختصار، حتى يستوثقوا بصدق تبليغ النبي محمد عن الله، ويؤمنوا به. وممّا جاء في هذه السورة الشريفة، قول الله: “وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل”ØŒ الحجر 85.
في هذه الآية الكريمة ثلاث قضايا هامة:
– القضيّة الأولى قضيّة كونيّة، هي: كان الله حيث لا بدء، ثم كان الخلق، وأنّ خلق السماوات كان أولا ثم جاء خلق الأرض، وأنّ السماوات Ùˆ الأرض كلاهما معا أعظم شأنا مما بينهما من جميع خلقه الذين تحتويهما السماوات والأرض، وأن الله -سبحانه، وتعالى!- تنزّه عن العبث والباطل، وأنه خلق جميع خلقه بالحق.
“الحق”ØŒ هو إعطاء المخلوقين القدرة والقوة والكفاية والملكات والمواهب
التي تناسب وتكافئ الغاية التي من أجلها كان خلقهم؛ فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها. وبين مفهوم الحق ومفهوم العدل، أن الحق يسبق العدل، وأن الحق تكليف ومعونة وتهيئة، والعدل محاسبة ومكافاة، الحق ابتداء والعدل انتهاء.
– القضّية الثانية قضيّه عقدّيه، هي حقيقة قيامة الأموات من قبورهم ثم عرضهم على الله ليحاسبهم بالعدل على سابق أعمالهم في حياتهم الدنيا.
– القضّية الثالثة قضّية سلوكيّة، والخطاب لرسول الله ولجماعة المؤمنين المصدّقين برسالته والمهتدين بهديه، وهي أنه على كل مؤمن بالله ومؤمن بقدرته على الخلق بالحق ابتداء وكذلك قدرته على بعث المخلوقات من الموت وحسابهم يوم القيامة بالعدل انتهاء، أن يسامح ويعفوا ويصفح عمن جاءه معتذرا ممن أساء إليه.
يعلمنا الله في هذه الآية الكريمة أن ندرس واقعنا جيدًا، ونعرف أصلنا ومبتدأنا ونحدد مكاننا ومكانتنا، ثم نحدد هدفنا وغايتنا تحديدا دقيقا، ثم نسير على هذ الخط المستقيم الواصل بينهما. إن الآية الكريمة بلفظها ومدلولها أعظم من أن يدّعيها بشر، والله أعلم!
رابعا “الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين”:
في هذه الآية الكريمة يوضّح الله لنا قصّة الخاتمة لكل شيء. “الحمد” هو الشعور بالامتنان، ولا يكون إلا لله وحده دون غيره، ولا يكون الحمد من الله إلى أحد من المخلوقين. “رب”ØŒ الربوبيّة هي التنظيم والترتيب والرعاية والعناية والرزق. “العالمين”ØŒ هم جميع المخلوقين ما نعرفه وما نجهله جميعا. “الرحمة”ØŒ هي تكليف المخلوقين بما يستطيعون القيام به من مهام وتكليفات، وإمدادهم بالمعونة والرعاية والحفظ، ثم حسابهم على أخطائهم التي ارتكبوها فقط، مع الأخذ في الاعتبار الظروف والضغوط التي دفعتهم لارتكاب الأخطاء، ثم تقديم المعونة لهم ليبدؤوا من جديد ويصوّبوا أخطاءهم ويصححوا سلوكهم. “المالك”ØŒ هو الذي يحوز الشيء ويملكه ويمكنه التصرّف فيه التصرفات الجزئيّة. “الملك”ØŒ هو الذي يملك وضع القوانين التي تضبط التصرفات الكليّة في موجودات مملكته؛ لذا كان الأبلغ في التعبير أنّ الله هو مالك يوم الدين، رغم أنّه ملك على الوجود كلّه. وما فهمته من النص الشريف أنّ الله أراد توضيح الآتي -والله أعلم!-:
1) أن يوم الدين جزء يسير جدا، لا يكاد يذكر من مملكة الله الواسعة المطلقة.
2) أن الله موجود وحاضر بذاته العليّة في هذه الحالة (يوم الدين)ØŒ مكانا وزمانا، ويتصرف في كل جزئيات هذا اليوم؛ فهو الذي يباشر ويقضي ويحكم في قضايا المخلوقين، لا عن طريق وكلاء. “يوم”ØŒ اليوم هو وحدة الزمن، وقد اختار الله والناس من بعده كلمة يوم للتعبير عن وحدة الزمن -الوحدة هي ذلك الجزء من الكل، الذي لا يمكن تقسيمه إلى أجزاء- فاليوم ينقسم إلى ساعات، ولكن لكل ساعة شكل وهيئة وحالة تختلف بينها وبين أي ساعة أخرى من ساعات اليوم نفسه، Ùˆ كذلك السنه، فإن كانت تحتوي على اثني عشر شهرا فلكل شهر فيها تميّز واختلاف عن غيره؛ لذلك استخدم الله كلمه يوم على هذه المدة الزمنيّة التي يقضي فيها بين عباده. “الدين”ØŒ من الدَّين بفتح الدال وتشديدها، هو ذلك الشيء المستحق على المدين للدائن، وهو أيضا الأمانة؛ ففي هذا اليوم الطويل المرهق يحاسب الله المخلوقين على ديونهم المستحقة لله -تعالى!- هل أدوها أو منعوها، وكذلك عن كفاية أدائهم لها، وعن ديون غيرهم المستحقّة عليهم هل أدّوها أو منعوها.
خامسا “يطعمون الطعام على حبّه مسكينا ويتيما وأسيرا”:
عبقرية الإسلام في تقويم سلوك المسلمين وتعليمهم العطف والإحسان إلى الناس جميعا، حتي لو كانوا أعداءهم. والقرآن لأنّه كلام الله وحكمته فهو مطلق النفع، لا تحتويه المعاني ولا يبلى جديده، ما جعل الإسلام دين كل عصر لأنّه لو كان مباشر المعني لاحتواه عصره، Ùˆ لم يكن به حلول جديدة لمشكلات كل عصر جديد. يقول الله مادحا عباده الصالحين: “يطعمون الطعام على حبّه مسكينا ويتيما وأسيرا”.
“يطعمون”ØŒ إشارة إلى أن المؤمنين يقدّمون الطعام لغيرهم برغبة ورضا وعاطفة صادقة؛ وذلك بأنهم يقرّبون الطعام من أفواه الناس أو يجعلونهم يشاركونهم في طعامهم ببيوتهم، تعبيرًا بليغًا عن مدى حرصهم على نيل الثواب والأجر من الله العزيز الحميد.
“الطعام”ØŒ هو كلّ ما تعارف بين الناس على أنّه طعام؛ فمثلا هناك ناس في بلاد بعيدة عنّا يأكلون الفئران أو الكلاب أو أنواعًا من الديدان والحشرات أو أوراق الأشجار أو البرسيم مثلا، Ùˆ هناك ناس من أهل بلاد أخرى يعدون الفول الذي نأكله صباح مساء طعام الخيول والبغال فقط ولا يصلح ولا يقبل أن يكون طعام البشر؛ لذا فإن الله قصد بقوله الطّعام الأطعمة التي اعتادها أهل هذه البلاد ويعدونها طعاما.
“على حبه”ØŒ أي الأصناف الغالية النادرة من الطعام، التي يتناولها الإنسان في المناسبات والأعياد ويمنّي بها نفسه وينتظرها، لا الطعام العادي الرخيص الذي يأكله كل يوم ويعتاده.
“مسكينا”ØŒ المسكين هو الرجل السائل الشديد الفقر، الذي يرضى بأقل القليل من الطعام أو بأرخص الأنواع منه، لكن الله يعلّم المؤمن أنه يجب أن يدخل السرور على قلوب الفقراء والمساكين كما هو الحال مع بنيه وأهله؛ فبهذا يتربى المؤمن على خلق التواضع لله واهب النّعم، واحترام الناس حتى لو كانت حالتهم سيئة؛ فيمتلئ قلب الفقير محبّة للأغنياء فلا يحسدهم بل يرجو لهم دوام فضل الله عليهم.
“يتيما”ØŒ اليتيم هو الطفل الذي فقد أباه، وربما يكون هذا الطفل غنيّا وثريّا ولا يحتاج للصدقة، لكن الله يعلم المؤمن الصالح أن يدعو اليتيم إلى بيته ليشاركه في طعامه الغالي الثمن، حتى يحس هذا اليتيم بمدى محبة الناس والمجتمع له، وأنّهم يجعلونه في مقام ابنهم المحبب إلى قلوبهم؛ فينشأ الطفل اليتيم محبا لمجتمعه غير حانق أو حاسد، ولا يعتريه شعور بالنقص تجاه أقرانه من ذوي الآباء؛ فإن كان فقد أباه فإن كل الآباء في مجتمعه المحيط به هم آباؤه، وإن كان فقد أمّه فكل الأمهات في المجتمع المحيط به هم أمهاته؛ وبهذا يشعر الطفل اليتيم بالتمير عن أقرانه الذين لهم أب واحد وأم واحدة!
“أسيرا”ØŒ الأسير هو العدو يحاربنا (يسعى لقتل جنودنا)ØŒ ثم يُقبض عليه في المعركة -وهنا يظهر إعجاز القرآن وسبقه إلى تقنين حقوق الأسير قبل ظهور المعاهدات الدولية لحماية ورعاية الأسرى- فيحضّ القرآن المؤمنين به على حسن معاملة الأسرى، إلى درجة إطعامهم الطعام الغالي الذي يدّخرونه لأنفسهم؛ وبهذا التصرف ينتزع الغل والحقد من قلوب المؤمنين، ويسمو بنفوسهم، وتنكسر أيضا حدة الكراهية والحزن في قلب الأسير، حتى تختفي من قلبه الرغبة في قتال المؤمنين؛ وبهذا يعلمنا الله أن نكون بعيدي النظر
لأنّه:
مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَا يَعْدَمْ جَوَازِيَهُ لَا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ
و الله أعلم! 

Related posts

Leave a Comment