تابع فلسفة الخلافة الإسلاميّة (قصّة البحث عن الشرعيّة)، الفاجعة العباسيّة، في 24 أبريل 2016 (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

استطاع العباسيّون الوصول إلى سدّة الحكم في الدولة الإسلاميّة، وبويع عبد الله السفاح الذي تتّبع بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم، فقتل منهم في يوم واحد اثنين وتسعين ألفا، وبسط عليهم الأنْطاع، ومد عليهم سماطا، فأكل وهم يختلجون تحته! لمّا استقر ملك أبي العباس السفاح، أصبحت شرعية الحكم في الدولة الإسلامية، هي الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة العباسيّة، كما تحوّل لقب الحاكم للدولة الإسلامية من أمير المؤمنين إلى الخليفة.

ربما قصدوا بذلك أنّهم -أي العباسيّين- هم الامتداد لخلافة النبي -صلى الله عليه، وسلم!- إشارة إلى ما يدّعونه من حقّهم المقدّس في خلافة النبي، وانتقلت العاصمة إلى بغداد. اعتمد الخلفاء العباسيون في الجيش ودواوين الدولة، على العناصر الأجنبية العبيد من الترك والديلم والزنج، وأزاحوا العنصر العربي الموالي لبني أمية، والذي كان يشكّل عقبة في طريق أفكارهم العبثيّة. وانقسمت الأمّة الإسلاميّة بين شرعيّة حكم الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة (الأمويّة) في الأندلس وعاصمتهم قرطبة، وشرعيّة حكم الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة (العباسية) في خراسان والعراق والشام ومصر وعاصمتهم بغداد، وما زالت الدعوة إلى الرضا من آل عليّ تنتشر سرا وجهرا لا تهدأ أبدا. بعد موت السفّاح ملك الخليفة المنصور، الذي أخذ البيعة من سائر الأقطار إلا الشام؛ ففيها عمه عبد الله بن علي بن عباس الذي نادي لنفسه بالخلافة، فحاربه المنصور، وقتله كما قتل المنصور قائد جنده أبا مسلم الخراساني، وسجن الكثير من العلويّين من أبناء الحسن بن علي لخروجهم عليه. قال المنصور يوما لأعرابي: الحمد لله -يا أعرابي- الذي دفع عنكم البلاء (الطاعون) بولايتنا، فقال له الأعرابي: إنّ الله لا يجمع علينا حَشَفًا وسوء كِيلة (ولايتكم والطاعون)!
مات عبد الله (المنصور)، وخلفه ابنه محمد (المهدي)، ثم خلفه ابنه موسى (الهادي)، ثم خلفه أخوه هارون (الرشيد)، ثم خلفه ابنه محمد (الأمين)، وقتل محمد (الأمين) على يد أخيه الخليفة عبد الله (المأمون)! بايع الخليفة المأمون من بعده العلوي علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، في خطوة غير محسوبة لإرضاء العلويين على حساب العباسيّين، لكن ذلك التصرف أثار غضب العباسيّين، وبعد وفاة علي الرضا عادت الخلافة في العباسيّين.
وأظهر المأمون في أثناء خلافته بدعتين: الأولى خلق القرآن، وأجبر العلماء على القول بخلق القرآن، إلا أحمد بن حنبل وقليلًا من العلماء معه؛ فعذّبهم! والثانية تفضيل علي بن أبي طالب على الناس بعد رسول الله، وذلك لإرضاء العلويّين.
ورأيي في قضية خلق القرآن، هو الآتي:
كان الله أولًا بلا ابتداء آخرًا بلا انتهاء. كان الله بصفاته العلية مطلق الوجود وأصل كل موجود. حفظ الله علمه المطلق في اللوح المحفوظ، فانتقل كل موجود من ذات الله إلى خزائن علم الله (اللوح المحفوظ). فإذا قدّر الله الوجود لأي مخلوق من جماد أو نبات أو حشرات أو حيوان أو جن أو انسان أو ملك أو أي خلق آخر مما لا يعلمه إلا الله، انفصل، وانتقل بقدرة الله الخالق من خزائن علم الله إلى عالم الموجودات، وأصبح لهذا المخلوق وجوده الخاص به وقوانينه التي تحكمه. لكنّه رغم ذلك لم ينفصل عن قدرة الله المهيمن على كل شيء. وأمّا القرآن فإنّه ما يزال إلى الآن جزءًا من علم الله، أنزله الله إلينا لإطلاعنا على قدر من علمه المحيط المعجز. ومقتضى فكرة خلق القرآن أن يصبح القرآن غير مقدّس ولا معصوم، وتحتمل نصوصه الخطأ والزلل.
وظهرت ادعاءات الفلاسفة بنظرية الحلول، ومقتضى هذه النظرية أن الله قد حلّ بذاته العلية في أجسام المخلوقين؛ لذا فإن جميع الخلائق غير محاسبين ولا معذّبين على ذنوبهم؛ إذ كيف يعذب الله نفسه! وبهذا الزعم يثبت لنا قصد بعض الخلفاء العباسيين إلى تدمير الفكرة الإسلامية من أساسها، وذلك بمحاولتهم إثبات الآتي:
1) أنّ الله غير موجود، أو موجود في كل مخلوقاته الجمادات والحيوانات والجن والملائكة والبشر.
2) أنّ القراّن كلام عادي، وهو مخلوق ككل المخلوقات، لا قداسة له، ولا عصمة؛ فلا يبقى أمام الناس إلا قداسة الحاكم الإله وأوامره وقوانينه العصماء!
مات الخليفة المأمون، وخلفه من بعده أخوه المعتصم بالله بن هارون الرشيد الذي فتح عمورية. توفي المعتصم، وتولى الأمر من بعده هارون الواثق، ثم خلفه أخوه المتوكل، ثم قتل المتوكل بيد ابنه المنتصر، ثم توفي المنتصر بعد أبيه بستة أشهر، وخلفه ابنه المستعين بالله. بدأت أمور الخلافة تهون، واهتم الخلفاء بالدنيا والشهوات والملاهي والقيان. قتل المستعين بالله، وتولّى المعتز بالله، ثم المهتدي، ثم المعتمد أحمد بن المتوكل، ثم المعتضد بالله، ثم المكتفي بالله بن محمد، ثم المقتدر بالله، ثم القاهر بالله، ثم الراضي بالله، ثم المتقي لله، ثم المستكفي بالله، ثم المطيع لله، ثم ولده الطائع، ثم القادر بالله، ثم القائم بأمر الله، ثم المقتدي بأمر الله، ثم المستظهر بأمر الله، ثم المسترشد، ثم أبو جعفر الراشد، ثم المقتفي بن المستظهر، ثم المستنجد بالله، ثم المستضيء بأمر الله! في زمن الدولة العباسية هانت الخلافة الإسلامية، وضعفت الدولة، وتمزّقت، وتلوثّت العقيدة؛ فظهر التصوف والبدع والهرطقة والدروشة والزندقة، وكثرت الفتن والفرق، وتعاظمت الأهواء، ثم انتهى الأمر باجتياح التتار، الذي قضى على الأخضر واليابس، و لا حول ولا قوه إلا الله!

Related posts

Leave a Comment