تابع فلسفة الخلافة الإسلاميّة (قصّة البحث عن الشرعيّة)، عصر من الفتن، في 24 أبريل 2016 (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وكان أهل مصر يريدون علي بن أبي طالب، وأهل الكوفة يريدون الزبير بن العوام، وأهل البصرة مع طلحة بن عبيد الله، واختلف الناس، وظهرت الفتنة. قال الله لموسى: “وما أعجلك عن قومك يا موسي”ØŒ قال موسى: “هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى”ØŒ قال الله لموسى: “فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك”. تعجّل بعض الناس بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وبايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وتعجّل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أيضا في قبول الولاية،
خاصة أن قتلة عثمان كانوا أول من بايعوه بالخلافة؛ فإن كانت العجلة من الشيطان عادة ففي هذه الحالة هي الشيطان نفسه! فلو أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تريّث قليلا حتى يجتمع أهل الرأي في الدولة الإسلامية لاختياره أو اختيار غيره لكان خيرًا له وللناس، لكن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب!

التشيّع
ويعني الحق المقدّس لآل بيت النبي محمد بن عبد الله في خلافته وإمامة المسلمين، وهم الإمام علي بن أبي طالب وذريته من بعده. ظهر الفكر الشيعي ابتداء أثناء خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، حين سعى البعض إلى تحريض الإمام علي بن أبي طالب على الخروج على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، لكنّه رفض؛ فإن سيرة الأمير عمر وأمانته وعدالته جعلت منه أقوى الملوك في التاريخ الإسلامي بعد أبي بكر، ولا سند للخروج عليه. لم يجد السادة من آل البيت الدعم الكافي من العرب مهاجرين وأنصارًا، أو اعترافا بحقهم المقدس في خلافة رسول الله، حتى ظهرت الفتنة التي أدت لمقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان؛ فتجددت الدعوة إلى أحقية الإمام علي في الخلافة. ربما كان الإمام علي يرى لنفسه الحق في تولي الخلافة بعد أمير المؤمنين عثمان بن عفان؛ فإنه كان يلي عثمان في اختيار المسلمين في الشوري، لكن معاوية لم يناقش أحقية الإمام عليّ في تولي الخلافة من عدمه، وأصرّ على معاقبة قتله عثمان الذين هم الآن كبار القادة في جيش الإمام علي ودولته. لم يبايع أهل الشام ولا أهل الكوفة الإمام علي بن أبي طالب، وارتحل عن المدينة ناس كثيرون، منهم طلحة بن عبيد الله
والزبير بن العوام وعبد الله بن عمر، وكثير من صحابة رسول الله، وكانت فتنة كبيرة؛ إذ اجتمعوا على المطالبة بدم عثمان، واتّفقوا على الذهاب إلى البصرة. تجنّب سعد بن أبي وقاص الفتنة، وقال: سأتخذ سيفا من خشب، كناية عن المسالمة، وأنه لا ينوي قتل مسلم.
استولى الزبير وطلحة على البصرة، وطلبوا معونة فارس، ولم يجابا. سار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بجيش إلى العراق، وقُتل الزبير وطلحة وخلق كثير، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون! ولمّا لم يجد الإمام علي السند الكافي من أهل مكة أو المدينة مهاجرين و أنصارًا، وافق على الانتقال إلى الكوفة، وجعلها عاصمة الخلافة، في بداية لتأسيس شرعية الحكم الإسلامي، من الخلافة الإسلاميّة القرشيّة عموما، إلى الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة العلويّة.
راسل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خصمه معاوية بن أبي سفيان، فرفض المبايعة، وتقاتل الفريقان مدة طويلة، ثم توقّفوا، واحتال معاوية على جنود علي بن أبي طالب، حتى عصوه، وتقاتل الفريقان قتالا شديدا مدة طويلة، ولم يتغلب أحد، ونزلوا إلى التحكيم، ولم يتفقوا. استولى معاوية على مصر، وتمكن من الشام، وخرج العراقيون على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، طائفة بعد أخرى. وقاتل الخوارج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقتلوه، فقويت بمقتله شوكة بني أمية. رحم الله الإمام علي بن أبي طالب، وكرّم وجهه! وكانت فلسفته في الملك، أن الملك حكمة وموعظة حسنة. ولم لا؛ فهو من تربّى في حجر رسول الله، صلى الله عليه، وسلم! لقد جعله الله بين أقوام أشدّ الناس حاجة إليه، ولكّنهم عصوه، ولم ينزلوه منزلته، فضّلوا، وأضلوا؛ فحسبنا الله، ونعم الوكيل! قيل: من أحبّ أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحبّ عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحبّ عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب عليّا فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله فقد برئ من النفاق.
إن كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قد أخطأ بقبول الخلافة قبل أن يستقر أمر المسلمين أو يجتمع رأيهم، فقد أخطأ الإمام الحسن بن عليّ كذلك في قبول البيعة؛ فمبايعته كانت أول توريث للسلطة في دولة الإسلام، والله أعلم!
بايع الناس الحسن بن علي بن أبي طالب بعد مقتل أبيه، ولم يكن في نيّته أن يقاتل أحدًا، وعندما لم ير جديّة في تأييد أهل العراق له طلب لقاء معاوية للصلح، فصالحه على تولي معاوية إمارة المؤمنين، وأن يكون للحسن من بعده الأمر. وخطب الإمام الحسن بن عليّ في الناس يقول: أيها الناس، إنّ الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دول،
وإنّ الله -تعالى!- قال لنبيه -صلى الله عليه، وسلم!-: “وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين”. ورجع الحسن وأهله إلى المدينة.
لم يكن من المتوقع من أمير المؤمنين عثمان أو علي أو طلحة أو الزبير،
أن يحقّقوا النجاح المأمول في إدارة الشؤون السياسيّة؛ وذلك لأنهم لم يحققوا التطوّر الإداري المطلوب لمواكبة العصر الذي هم فيه، فهم لم يكتفوا بالتزام نهج النبوة الأخلاقي والقيمي، بل أصروا على اتّباع نفس الخطوات التنفيذيّة والإداريّة والشكليّة لحل مشكلات مشابهة لما واجهه النبي وأبو بكر وعمر؛ فلم تعد الدولة الإسلامية المدينة المنورة وما حولها من الأعراب فقط؛ بل امتدّت لتشمل الجزيرة العربية كلها، واتّسعت لتحتوي أممًا وحضارات أخرى كفارس والروم ومصر وشمال إفريقية، حتى أوروبة. لقد كان النمو سريعا لكنّهم لم يستطيعوا اللّحاق به، وكان الأمير معاوية بن أبي سفيان ألْحَق وأسرع، فأصبح الأمير طبقا لقاعدة الانتقاء.

Related posts

Leave a Comment