سياسة الاختيار بين الحزبية والوطنية

1
أريد بالحزبية الانتماء إلى حزب سياسي معين يسعى إلى العُمْران (إصلاح كل فساد وحماية كل صلاح، من خلال التمكن من مواقع المسؤولية عن ذلك). وأريد بالوطنية الانتماء إلى مشترك عُمْراني تتوزع ملامحه على الأحزاب السياسية كلها.
ولا يخفى انطباع العمل السياسي الحزبي بطبيعتي التعصب والإقصاء: تعصب أهل كل حزب لأنفسهم على غيرهم؛ فليس كمثلهم عند أنفسهم أحد من سائر الأحزاب، لا يقينا ولا إخلاصا ولا إتقانا ولا ثباتا ولا رضا- وإقصاء أهل كل حزب لغيرهم عن أنفسهم؛ فلا سبيل عند أنفسهم لأحد من سائر الأحزاب إلى مشاركتهم، لا في التفكير ولا في التعبير ولا في الهدم ولا في البناء!
وكذلك لا يخفى خلو العمل السياسي الوطني من طبيعتي التعصب والإقصاء المتأصلتين في العمل السياسي الحزبي، ولكن ينبغي ألا يخفى انطباعه بطبيعتي التهاون والتجاهل: تهاون الواحد من الوطنيين بحقيقة مقدار الحدث الداهم؛ فليس أهنأ للبال ولا أروح للقلب من بقاء الحال على ما هي عليه- وتجاهل الواحد من الوطنيين لما يخص غيره؛ فليس أقوى من دواعي الأثرة (الأنانية)، ولا أضعف من دواعي الإيثار.
2
ما أشبه السياسي الحزبي المخلص بالفَنَّان القلق المُبدِع!
وما أشبه السياسي الوطني المخلص بالعالِم المطمئن المُتبحِّر!
إن الفنان يرى في فنه الفنون كلها، ويستغني به عن الفنون كلها. وكذلك السياسي الحزبي يرى في حزبه الأحزاب كلها، ويستغني به عن الأحزاب كلها. وكلما اشتدت رؤية كل منهما واستغناؤه واستوليا على تفكيره وتعبيره- أسرع بالفن والحزب تطورُهما، وازدان بهما دون غيرهما رُقيُّهما.
وإن العالم مسؤول عن خصائص الأسلوب في كل فن، غير مُعْفًى باستيعاب أحدها عن استيعاب غيره؛ فإنه يُعَلِّم كلَّ مُتعلمٍ ما يناسبه منها، ولا يعتذر عنه بالجهل. وكذلك السياسي الوطني مسؤول عن ملامح العمران في كل حزب، غير مُعْفًى بتطبيق ما في أحدها عن تطبيق ما في غيره؛ فإنه يصطنع لكل مشكلة علاجها، ولا ينصرف عنها بغيرها.
ولقد علمتنا الحياة ألا غنى بالعالم عن الفنان ولا بالفنان عن العالم؛ فينبغي أن نتعلم ألا غنى بالسياسي الوطني عن السياسي الحزبي ولا بالسياسي الحزبي عن السياسي الوطني؛ فكما يَرُودُ الفنان للعالم مَجاهل لم تخطر له ببال، يرود السياسي الحزبي للسياسي الوطني- وكما يُؤسِّسُ العالم للفنان معالم ما تَحَقَّقَ، يؤسس السياسي الوطني للسياسي الحزبي.
3
اشتعلت بشأن الانتخابات الحربُ بين الحِزْبيِّينَ على مرأى المجلس العسكري!
طائفة تريد الانتخابات مطلقة وأن تتم في موعدها، وطائفة تريدها مقيدة وأن تؤجل إلى أجل غير مسمى، وتذبذب بين الطائفتين الوطنيون!
خرج الحزبيون جميعا على المجلس العسكري، وحددوا كبيره تحديدا؛ فتحداهم إلى الاستفتاء في أمره، ثم في أمر من سيتسلم منه السلطة؛ فظهر في جواب التحدي رأيان:
أولهما مُذاعٌ يَرى فيه مَنْ لا أُحَدِّده، أن يتسلم منه السلطة مجلس رئاسي يشارك فيه المترشحون للرئاسة كلهم جميعا. والثاني غير مُذاعٍ يَرى فيه أخي الفاضل المقدم مجدي صقر (ضابط سلاح المدفعية)، أن تُقَدَّم للمنتخبين ورقة زائدة تستفتيهم في أمر المجلسين العسكري المَنْكور والرئاسي المَذْكور.
والذي أراه أَلّا تَعَمُّد بذلك التحدي، أو أَلّا حِكْمة في حَمْله على التَّعَمُّد، بل على أنه جواب عارض للتشنيع عليه بـ”ارحل”ØŒ والعارض لا يُعْتَدُّ به. أما مجلس المترشحين الرئاسي ففكرة سياسية وطنية حكيمة جدا، ولا سيما أن أولئك المترشحين مترشحون من قبل -فلا تَعَمُّدَ بهم- وأنهم أخبر بالسياسة -فلا مزايدة عليهم- وأنهم مختلفو المنطلقات والرؤى والاختيارات؛ فلا احتكار منهم!
ربما خطرت فكرة مجلس المترشحين الرئاسي لصاحبها، في جواب تحدي المجلس العسكري، فذهبت من وعي الناس عُروضًا بعُروض، ولا سيما أن يُنْتَظر حدوث الانتخابات في وقتها. ولكنني أدعو إلى التمسك بها حتى تستقر الأوضاع تماما -فما زال بنا خوف شديد من عواقب الانتخابات- فإذا مُكِّنَ من المجلس الرئاسي هؤلاء المترشحون على اختلافهم فسيزداد تقدير التوفيق.
4 (معاهدة المنتخِبين)
بكراهتك ما في الظلم من مرارة، وما في الخوف من قشعريرة، وما في العجز من ذلة، وما في اليأس من ظلام، وما في الارتياب من قلق، وما في الرياء من ضعف، وما في الإفساد من غدر، وما في الجمود من موات، وما في التقليد من كآبة -أسألك أن تُبَكِّرَ إلى انتخاب من تؤمل فيه حلاوة العدل، وطمأنينة الأمن، وعزة القدرة، وضياء الطموح، وثبات اليقين، وقوة الإخلاص، ووفاء الإصلاح، وحياة التغيير، وبشاشة الإبداع!
5
استقمت في الصف صامتا، فأبى من خلفي إلا أن يتكلموا فيمن يختارون ولا سيما أن مندوبي المرشحين سارحون بين الجماهير المحتشدة أحرارا بعُرْفٍ قانونيٍّ يلغي القانونَ غيرَ العُرْفيِّ!
– أنا حفيد فؤاد سراج الدين، ولا يمكنني أَلّا أنتخب الوفد.
– أهلا بك! إن الوفد تاريخ مشرف وذكريات عطرة ومآثر كبيرة، ولقد أفضى إلى ما قدم، ولم نحضر اليوم لتَحْنِيط الحاضر!
– وخالي إسلاميّ نشيط.
– والخال والد!
– بل لي خال إسلاميّ نشيط آخر.
– اثنان على واحد!
– ولكنني مرشد سياحي، معطل عن العمل منذ أشهر، يمنعني من انتخاب الإسلاميّين ما سمعته عن قادتهم في خمر السياح.
– وماذا قالوا؟
– وعد بعضهم بمنعهم منها تماما، وتغاضى بعضهم مع منعهم منها في الداخل عن اصطحابهم لها من الخارج!
– “خمرتك في جيبك”! ما أشبه “التغاضي عن اصطحابهم لها من الخارج”ØŒ بالمُلَح (النكت)!
– أنت مدخن، وهم مدمنو خمر، وكلا التدخين والخمر حرام؛ فهل تستطيع أن تمتنع عن التدخين لتمنعهم عن الخمر وهي حياتهم؟
– مكروه لا حرام.
– بل أفتى نصر فريد واصل بحرمته صراحة، فتوى موثقة معلقة في المساجد.
– وإذا مُنِعْتُ من التدخين امتنعتُ؛ فلماذا لا يلتزمون عندنا بقوانيننا، مثلما نلتزم عندهم بقوانينهم؟
– طلب مني أحد السياح زجاجة خمر، فقلت له اطلبها من خدمة الفندق! فلما أصبح سألني عن ذلك، فقلت له: نحن المسلمين تَحْرُمُ علينا الخمر وأعمالها، ومنها حَمْلُها إلى شاربها.
– موقف مُشَرِّف، ولا يملك له إلا تقديرك.
– أتدري، ربما أنتخبُ الإسلاميّين!
6 (وَثِيقَةُ زَوَاجٍ مِصْرِيَّةٌ)
هَيَّا يَا مَيْدَانَ التَّحْرِيرْ
هَيَّا يَا ذِكْرَى الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينْ
قُولَا وَلْيَشْهَدْ كُلُّ الْمِصْرِيِّينْ
زَوِّجْنِي نَفْسَكَ يَا مَيْدانْ
أَقْبَلُ يَا ذِكْرَى
بُورِكَ فِي الذِّكْرَى لِلْمَيْدَانِ
وَلِلذِّكْرَى فِي الْمَيْدَانْ
لِلشَّعْبِ الْمِصْرِيِّ الْوَلْهَانْ
7
لو كنتُ مجلس الشعب الثائر لاستصدرت قانونا يُعَطِّل كل ما يمكن تعطيله من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية (الجامعات، والأندية…)ØŒ مُدَّة محددة بنتيجتها، ثم أطلقت رجالها ونساءها يسعون بين الناس بالتربية والتعليم، ثم لم أعط أيا من أولئك الرجال والنساء أجره، حتى يأتيني آخر كل شهر، بما رَبَّاه وعَلَّمَه صلاحا وإصلاحا، وبمَنْ رَبَّاه وعَلَّمَه صالِحًا ومُصْلِحًا!
8
تأخر عنا اليوم أخونا الفاضل كثيرا ثم لما حضر اعتذر بانقطاع الطريق بمظاهرات طوائف الشعب المختلفة كلها جميعا معا ثم نظر إليَّ قائلا ولا يوم فأكملت له من أيام مبارك وضحكنا إذ لا يخفى على أحد ما يراد من تفسير مظاهر الفوضى العارمة بإخفاق القائمين على المرحلة ونحن منهم إخفاقا مغلقا محكما لا مخرج له ولا نجاة منه إلا التسليم به والندم على ما أدى إليه والعزم على أن نتهم أنفسنا دائما ولا نتهم من يخوننا ويخدعنا ويظلمنا حتى يمحونا من دنيا لا مكان لنا فيها
9 (جيلنا أيها المضطرب)
ينبغي أن يلفتنا اليأس عن إصلاح أنفسنا الذي حاولناه فخِبْنا، إلى صلاح أبنائنا الذي نؤمله لتغيير ما بنا!
لقد تبين لي بما لا ريب فيه ألا سبيل الآن لمُعارِضٍ إلى مشاركة مُتَمَكِّن، مهما كان مجال المشاركة، ومهما كان انتماء المعارض والمتمكن!
ولا يُمَيِّزْ لي أحدٌ نصيره من خصيمه؛ فنحن كلنا أبناء تربية ثقافية فاسدة واحدة -وإن تعددت مظاهرها- ولن تُمَيِّزَ بيننا آثارُها.
فلينفرد مَنْ تَمَكَّنَ حتى يُزَحْزِحَه مُعارضه بما يستحدثه من حِيَلٍ!
ولكن ينبغي أن نجتمع على غاية واحدة:
أن يحيا أبناؤنا الحياة الصالحة التي تمنيناها وعجزنا عنها!
وأول ما ينبغي أن نفعله في سبيل ذلك، هو أن نعترف لهم بفساد حياتنا!
فيا أبنائي، عذرا!
لقد عجزت عن مجاراتكم!
10
“ذهبت أشتري لنفسي ولابني شبشبين فسألني صاحب المحل:
من سترشح للرئاسة؟
فقلت له: فكرت أن أرشح نفسي!
فابتسم وألح؛ فقلت له:
دعني ألبس هذه الشباشب، ثم أرى بعدئذ ما يكون!
فانفجر ضاحكا! ثم مضيت، فناداني:
ألن تأخذ زوجين للنائب!
12 “آباء المسجد (موقف رمزي)
اشتغل الأب منذ قليل بصلاة سنة الظهر
فانسل منه صغيره إلى خارج المسجد
فصاح بالصغير أحد المشتغلين بالتسبيح أن ارجع إلى داخل
قال لماذا
قال هكذا
قال أريد أن أشاهد الناس
قال بل ادخل إلى أبيك
قال لماذا
قال لكيلا يضربك الرجل
قال ماذا
قال بالخارج رجل سيضربك إذا خرجت
فتظاهر الصغير بطاعة الرجل المشتغل بالتسبيح
ولكنه تَسَحَّبَ إلى خارج
فإذا خلفه أحد المنصرفين بعقب الصلاة يصيح به أن ارجع إلى أبيك
قال لماذا
قال لكيلا ينزعج بالبحث عنك
فتَلَبَّثَ الصغير قليلا ولا سيما أن حجة الرجل المنصرف العلمية أوضح من حجة الرجل المسبح الفنية
ثم لم يلبث الصغير أن ضرب بالحجج كلها عرض الحائط
11
لما ذكرتُ قرار وقف اتفاقية الغاز، فيما يحسب للقائمين على المرحلة، صخب عليَّ بعض تلامذتي بأنه يشعل فتيل الحرب! قلت: إنها أمنيتنا! قال: وهل تؤهلنا للحرب حالنا! قلت: بل ستؤلف قلوبنا وتحكم قوتنا وتسدد مسيرتنا وتثبت أقدامنا! قال: ولكننا سنتلقى الضربة الأولى! قلت لنردها بأخرى خالصة مصممة! قال: على هذا أربي ابني!
12 (دَعَوَات الشَّاهِدِينَ لِلْغَائِبِينَ)
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَدْعُو لِيَ اللَّهَ فَابْتَدِرْ إِلَى خَمْسَةٍ مَقْصُودَةٍ بِالْمَرَاتِبِ
يَقِينٌ وَإِخْلَاصٌ وَإِتْقَانُ صَنْعَةٍ ثَبَاتٌ رِضًا أَكْمِلْ بِهَا مِنْ مَنَاقِبِ
تَطِيرُ مَرَاسِيلُ النَّعِيمِ بِحَقِّهَا إِلَى حَيْثُ تُسْتَوْفَى كِرَامُ الْمَطَالِبِ
13 (أقران إبليس )
من ينكر أن مؤسسات مصر معرضة فيما يأتي للانقلاب رأسا لعقب غاية ومنهجا وأسلوبا وإدارة! أرى أنه لا أحد! إذا كان هذا هكذا أفتغيب عن عقلٍ كبير أو صغير، حاجةُ الإدارات القائمة إلى سرعة تحسين سياستها المؤسسية ومسلكها الإداري تمهيدا للاستيلاء على آثار الانقلاب القادم، ما دامت حريصة على البقاء! أرى أنه لا يغيب! إذا كان هذا هكذا ثم وجدنا بعض الإدارات حريصة على السياسات والمسالكِ القديمة القبيحة أفلا يكون هذا الإصرار من تصرفات اليائسين! أرى أنه يكون! ولا أزيدك بتصرفات اليائس علما: يهدم ما انبنى ويقطع ما اتصل ويفرق ما اجتمع، يُبادِرُ إبليس إلى الإفساد، غما وكمدا وحقدا!
14
مَدَدًا لِمُرْسِي
فِي الشِّينِ شَيْنٌ مِنْ مِدَادِ الظُّلْمِ يَحْجُبُ سِينَ مُرْسِي
يَقْسُو عَلَى الرَّأْيِ الرَّزِينِ وَلَا يَلِينُ لِقَلْبِ مُرْسِي
سَأَلُوكَ فَاسْتَمْهَلْتَهُمْ وَوَزَنْتَ عَسْكَرَهُمْ بِمُرْسِي
أَشْعَلْتَ شَمْسَ النَّهْضَةِ الْكُبْرَى لَهُمْ وَاخْتَرْتَ مُرْسِي
مَدَدًا لِمُرْسِي عَنْ رِضًا بِالنُّورِ يَا مَدَدًا لِمُرْسِي

Related posts

One Thought to “سياسة الاختيار بين الحزبية والوطنية”

  1. تعليق الأستاذة نهاد مجدي (2/12/2011):
    شيخي أبي الغالي ،
    الحمد لله أن استطعت أن تستقيم في صف !
    وربما كانت سهولة الاصطفاف والانتظام سببا في هذا الحوار الدائر بين المصطفين !

    أنا كنت أعجب من الناس حولي في الصف لأنهم لم يكونوا يتحاورون عمن سيختارون فلما ذكرت الآن معركتهم في الدخول إلى اللجان ، وتأخر أوراق الانتخاب ، وسوء التنظيم والإدارة لدينا في عين شمس عرفت أنهم تعبوا تعبا في الخارج ؛ فلما دخلوا ، واصطفوا سكتوا يرتاحون ، ولم تكن بهم طاقة ليتكلموا !
    أنا ذهبت مع أمي أولا إلى مكان انتخابها ØŒ ولما كان الموقف مخيفا زحام وغضب وسب لضباط الجيش الموجودين وهتافات مثل “الصحافة فين الإهمال أهه” Ùˆ “باطل باطل” اقترحت علي أن تأتي معي إلى لجنتي ومكانها قريب ØŒ فذهبنا ØŒ ولم يكن الحال مختلفا ØŒ فوقفت أراقب من بعد ØŒ وطلبت من أمي أن تعود إلى البيت ØŒ وبعد قليل خرجت منتخبة من إحدى اللجان ØŒ ووقفت توضح للناس (وهم جميعا من النساء) أسباب الفوضى ØŒ فاستطاعت إقناعهن Ø› فهدأن Ø› وانتظمن في الصفوف ØŒ ولله الحمد !
    مشكلتنا الكبرى كما قيل أن أوراق انتخاب بعض لجاننا ذهبت خطأ إلى مدينة نصر والعكس وبعد استقامتنا في الصفوف وسير العمل بفترة انطلقت الزغاريد ، والسبب حضور دبابة تحمل أوراق الانتخاب للجان المجاورة للجنتي !
    وفي خلال هذا جاء دوري ، فدخلت ، فصوت ، وخرجت ، وفي الشارع قابلني مندوبو الإخوان والسلفيين فكنت أشير بإصبعي أني انتخبت !

    كل انتخابات وأنتم بخير وسلامة !

Leave a Comment