مصطÙÙ‰ كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=05062022&id=46298b10-2319-4672-acfe-d11a26a4e1cd
ليس هناك شك ÙÙ‰ أننا مقبلون على أوضاع اقتصادية صعبة. ليس هذا ادعاءً كاذبا من جماعة الإخوان، Ùهذا أمر تØدَّث عنه رئيس الجمهورية، وكان موضوعا لندوات عقدت ÙÙ‰ الجمعية العلمية التى تجمع خبراء الاقتصاد والإØصاء والتشريع، ÙˆÙÙ‰ بعض الأØزاب السياسية، وعلى الرغم من أن اثنتين من هذه الندوات جمعت من يمثل الاقتصاديين الليبراليين ومن يمثل اقتصاديى اليسار، إلا أنهما لم يختلÙا كثيرا ÙÙ‰ تشخيص الأزمة، ولا ÙÙ‰ بعض السياسات المقترØØ© للخروج منها. بل إن تقارير المؤسسات المالية الدولية ÙˆÙÙ‰ مقدمتها كل من مؤسستى واشنطن الشهيرتين واللتين تشيدان دائما Ø¨Ù†Ø¬Ø§Ø Ø§Ù„Ø¥ØµÙ„Ø§Øات الاقتصادية ÙÙ‰ مصر، والتى كانت ترجمة أمينة لنصائØهما، لا تنكران أننا ÙÙ‰ مصر مقدمون على شهور صعبة. إذا كان ذلك هو الØال الذى Ø£ØµØ¨Ø Ø¥Ø¬Ù…Ø§Ø¹ كل من يملكون معرÙØ© صØÙŠØØ© بالشأن الاقتصادى ÙÙ‰ مصر، Ùما هى أسباب هذه الأزمة؟ وما هى سبل الخروج منها؟
ما هى الأزمة أولا؟
لتبسيط الأمور، ليست المسألة Ùقط ارتÙاع أسعار الØبوب ÙÙ‰ الأسواق الدولية بسبب الØرب الروسية الأوكرانية، ونØÙ† بلا Ùخر أكبر دولة مستوردة Ù„Ù„Ù‚Ù…Ø ÙÙ‰ العالم، ومصدرنا الرئيسى هو تØديدا هاتان الدولتان المتØاربتان، ولا يدÙّعى Ø£Øد أن بمقدوره التنبؤ بموعد انتهاء هذه الØرب، والتى يقولون بشأنها إن الولايات المتØدة مصرة على استمرارها Øتى مصرع آخر جندى أوكرانى، ÙØ£Øد أعراض الأزمة لدينا هى ارتÙاع مديونيتنا الخارجية، والتى تصاعدت كثيرا منذ سنة ٢٠١٩ بØسب بيانات البنك الدولى مما هو ÙÙ‰ Øدود ٩٨ مليار دولار إلى ما يتجاوز ١٣٧ مليار ÙÙ‰ العام الØالى. الزيادة الهائلة هذه، بمقدار٤٤٪ إضاÙية عما كانت عليه من قبل لا علاقة لها لا بØرب أوكرانيا ولا بجائØØ© كوÙيد. أكثر من نص٠هذه الديون تتØملها الØكومة، وجانب كبير منها هو لتمويل خدمة الدين، أى أننا نقترض لسداد أصل ومعدلات الÙائدة على الديون التى اقترضناها سابقا، وقسم منها (Ù¡Ù Ùª ÙÙ‰ سنة ٢٠١٨) هو لتمويل مشترياتنا من الأسواق الأجنبية.
الØكومة هى المسئولة عن زيادة Øجم هذه المديونية والتى تصل خدمتها ÙÙ‰ العام الØالى إلى ما يقرب من ٢٠مليار دولار. طبعا ÙŠØتاج الأمر إلى إعمال الكثير من الخيال لكى نصدق أن السبب ÙÙ‰ هذه المديونية والتى تصاعدت منذ سنة ٢٠١٩ هو ثورة يناير ــ Ùبراير ٢٠١١، علما بأن الذين دعوا إلى هذه الثورة، ÙˆØتى الذين اتهموا بأنهم ركبوا موجتها، هم جميعا ÙÙ‰ السجون الآن. والÙريق الأول منهم كان يكره ممارسة السلطة Øتى عندما دعى بعضهم للانضمام إلى الØكومة كوزراء. تØديد المسئولية عن زيادة المديونية هو أمر هام للبØØ« عن سبل للخروج منها، وذلك بصر٠النظر عما إذا كانت أسباب اللجوء إلى هذه القروض Øكيمة أو غير Øكيمة.
البعد الثانى ÙÙ‰ الأزمة هو المديونية الداخلية للØكومة. Øكومتنا ليست مديونة للخارج Ùقط: لدول أجنبية وعربية ولمؤسسات عالمية وبنوك دولية، ولكنها مديونية أيضا للشعب المصرى، ÙÙ†Ùقاتها تتجاوز كثيرا إيراداتها، وهى تØصل على تمويل هذا العجز بزيادة الضرائب والرسوم، وكذلك بدعوة المواطنين لشراء السندات التى تطرØها بنوكها. والعجز ÙÙ‰ هذه المديونية الداخلية يبلغ ÙÙ‰ مشروع الميزانية للعام المالى القادم ٥٥٨ مليون دولار، وزاد بمقدار 1,14 % عما كان عليه الØال ÙÙ‰ العام السابق ٢٠٢١ــ٢٠٢٢. مبتلعًا ما قيمته Ù§.٩٪ من الناتج المØلى الإجمالى. والجدير بالذكر أيضا أنه كما تقترض الØكومة من الخارج لسداد ديونها السابقة، Ùهى تقترض أيضا من الداخل لسداد ديونها المØلية أيضا، ويشكل ما تخصصه الميزانية لسداد الديون السابقة Ù†ØÙˆ ثلث Ù†Ùقاتها.
ومع كل هذا الإنÙاق الØكومى ÙÙ‰ الخارج والداخل، وهذا هو الأمر الذى يهمكم أعزائى القراء، Ùإن نسبة الÙقراء ÙÙ‰ مصر إلى إجمالى السكان لا تقل عن ٢٩.٧٪ من إجمالى السكان، أى ما يقرب من ٣١ مليون إنسان يعيشون تØت خط الÙقر، أى لا يملكون من الدخل ما يمكنهم من إشباع أبسط متطلبات البقاء على الØياة من مأكل وملبس ومسكن، ناهيك عن التعليم والرعاية الصØية. وبالنسبة لمن هم Ùوق خط الÙقر Ùعليهم مواجهة الارتÙاع ÙÙ‰ Ù†Ùقة المعيشة، ويقدر خبراء البنك الدولى أن معدل التضخم ÙÙ‰ سنة ٢٠٢٢ سيتجاوز تنبؤات البنك المركزى ليصل إلى Ù¡Ù Ùª.
ولكن مع هذه المديونية الخارجية والداخلية، ومع معدلات الÙقر المرتÙعة، هل Ø£ØµØ¨Ø Ø§Ù„Ø§Ù‚ØªØµØ§Ø¯ المصرى يسير على طريق التنمية؟. التنمية الاقتصادية تعنى ببساطة أن ننتقل من اقتصاد يعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، وأن ÙŠØµØ¨Ø Ù…ØµØ¯Ø±Ø§ للبضائع المصنوعة والخدمات الإنتاجية. ليس هذا هو الØال Ùأكبر قطاعات الاقتصاد توليدا للدخل هى النÙØ· والغاز الطبيعى ويليها التشييد ثم تأتى الصناعة ÙÙ‰ المØÙ„ الثالث بÙارق كبير وتتبعها الزراعة، ولا تتجاوز مساهمة الصناعة ١٥٪ من إجمالى الناتج المØلى الإجمالى.
ما هو المخرج؟
بكل تأكيد سيواجه الاقتصاد المصرى تØديات جمة خلال العامين القادمين، وتنعكس هذه التØديات على مستويات العمالة والدخل والمعيشة للأغلبية الساØقة من المواطنين، ولكن لا Ø£Øد يتصور انهيار هذا الاقتصاد أمام هذه التØديات، على العكس، الدراسات المتواÙرة من مؤسسات عديدة تشير إلى أن الاقتصاد المصرى سيكون قادرا على استمرار النمو، ولكن بمعدلات أبطأ. تنبؤات البنك الدولى تشير إلى أن معدل النمو ÙÙ‰ سنة ٢٠٢١ هو ٢٪، يرتÙع إلى Ù¥.٤٪ ÙÙ‰ سنة ٢٠٢٢، وينخÙض إلى Ù¤.٩٪ ÙÙ‰ سنة ٢٠٢٣.
البنك الدولى لا يتØدث عن نمط النمو المتوقع، ÙˆÙÙ‰ الغالب لن يختل٠كثيرا عن نمط النمو الذى عرÙناه ÙÙ‰ السنوات الأخيرة، وهو نمو ÙÙ‰ قطاعات التشييد والاتصالات والنقل والخدمات ÙÙ‰ الÙنادق والمطاعم، دون نقلة Øقيقية ÙÙ‰ الصناعة التØويلية أو الزراعة ودون انخÙاض ÙÙ‰ معدلات الÙقر أو زيادة ÙÙ‰ Ùرص العمالة المنتجة على Øساب زيادة العمالة قليلة الإنتاجية والدخل ÙÙ‰ القطاع غير الرسمى.
وإذا كانت Øصيلة السياسة الاقتصادية طوال السنوات الثمانى الماضية هى الابتعاد عن مسار التنمية الصØÙŠØØ© Ù„ØµØ§Ù„Ø Ù…Ø§ يسمى بالمشروعات القومية ÙÙ‰ مجال البنية الأساسية، وبعضها بكل تأكيد Ù…Ùيد ÙÙ‰ توÙير الطاقة الكهربائية وتسهيل النقل ودعم وسائل الاتصال، إلا أن استمرار Ù†Ùس النمط لا يمكن أن يؤدى إلا إلى المزيد من المديونية الخارجية والداخلية، والتى لا يمكن التقليل منها إلا بتوسيع الطاقة الإنتاجية للاقتصاد وزيادة صادراته السلعية ومن الخدمات الإنتاجية. لا يمكن لنا أن نتصور أن نصل إلى نتائج مختلÙØ© عما انتهينا إليه إذا كنا سنواصل Ù†Ùس السياسات التى أنتجت الأزمة التى نعيشها.
ولا توØÙ‰ وثيقة ملكية الدولة التى طرØت الØكومة مشروعها بأننا سننتقل إلى مسار التنمية الصØÙŠØ. الوثيقة هى أقرب إلى الهرب إلى الأمام كما يقولون، Ùالخليط من تدخل مؤسسات الدولة ÙÙ‰ الاقتصاد والاعتماد على مشروعات البنية الأساسية والذى ساد طوال السنوات الثمانى الماضية يعقبه تبنÙّى مقولات الليبرالية الجديدة بتخلى الدولة عن العديد من أدوارها الأساسية ÙÙ‰ التخطيط للنمو المتوازن للاقتصاد وقيادة مسيرته بالتعاون مع كل من القطاع العام والقطاع الخاص المدنيين، وتتجاهل الوثيقة دروس تجارب التنمية الناجØØ© ÙÙ‰ شرق آسيا من الصين إلى كوريا الجنوبية ÙˆØتى Ùيتنام، والتى كان وجود الدولة Ùيها أساسيا لدÙع التنمية الصØÙŠØØ© التى أصبØت معها هذه الدول أطراÙا Ùاعلة ÙÙ‰ الاقتصاد العالمى. وللتدليل Ùقط على اتساع الÙجوة بيننا وبين هذه الدول التى يجب أن نتعلم منها تبلغ صادراتنا ÙÙ‰ الوقت الØاضر أقل من ٥٪ من Øجم صادرات كوريا الجنوبية التى تقترب من ٧٠٠مليار دولار سنويا، وكلها من سلع مصنوعة بعضها إلكترونيات وخدمات إنتاجية وكلها ذات قيمة مضاÙØ© عالية. ÙˆÙضلا على ذلك كله لا تقول لنا الوثيقة ما هى استراتيجية النمو التى ترسمها للاقتصاد المصرى، Ùضلا عن بيع كل أصوله أو معظمها لمستثمرين أجانب لا يهمهم سوى القÙز على Ùرص الكسب السريع والمضمون Ùيه.
واجبنا إزاء التØديات الهائلة التى يواجهها الاقتصاد المصرى هو أن تتجنب الØكومة أولا إغراقه ÙÙ‰ المزيد من الديون بقروض جديدة هائلة لإقامة مشروعات طموØØ© هى بكل تأكيد طريÙØ© ولكنها ليست ذات أولوية ملØØ© للمواطنين ولا للاقتصاد، وأن تناقش مع المواطنين ÙÙ‰ مناخ Øر ومÙØªÙˆØ Ø§Ù„Ø§Ø³ØªØ±Ø§ØªÙŠØ¬ÙŠØ© الكÙيلة بوضعه أخيرا على طريق التنمية الإنسانية المستدامة التى تØقق لكل المواطنين Ùرص Øياة لائقة.