هامات رفيعة

لم يحتج أحمد شوقي أمير الشعراء بعد أمسية تذاكر فيها هو وأصحابُه أهوالَ الحرب العالمية الأولى (1914=1918)ØŒ إلا أن يجلس ليلتئذ فقط إلى أوراقه ينظم قصيدته “مِنْ أَيِّ عَهْدٍ فِي الْقُرَى تَتَدَفَّقُ”ØŒ ذات الثلاثة والخمسين ومئة البيت، الكامليّة الوزن التام الصحيح العروض والضرب، القافيّة القافية المضمومة المجردة الموصولة بالواو، التي أَدَلَّ فيها على الحضارة الأوروبية، “بالعجب من غزارة النيل وعذوبته وخيراته الدائمة وتحدث عن عبادة المصريين القدماء له من 1 إلى 21ØŒ ثم تحدث عن ملوك مصر ومجد مصر من 22 إلى 35ØŒ ثم عن الآثار من 36 إلى 43ØŒ ثم عاد إلى مناجاة النيل من 44 إلى 55ØŒ ثم وصف جلال مواكب فرعون وهو عائد من فتوحه من 56 إلى 62ØŒ ثم وصف عذراء النيل من 63 إلى 88ØŒ وعقب على هذا ببيان لقدرة الله تعالى من 89 إلى 101ØŒ وتحدث عن سلطة الكهنة من 102 إلى 116ØŒ ثم افتخر بالمجد القديم من 117 إلى 135ØŒ وتحدث عن علاقة مصر بالأنبياء من 126 إلى 132ØŒ وعن فتح العرب لمصر وعن عدلهم من 133 إلى 142ØŒ وعن كرم النيل من 143 إلى 147ØŒ وختم القصيدة بوصية النيل بإكرام بنيه من 148 إلى آخر القصيدة”ØŒ [الحوفي، ديوان شوقي، نهضة مصر: 1/ 232Ø­]ØŒ ثم دَلَّ بها من شاء، على وجهٍ من جدارته بتاج الإمارة! 

لقد اختلف علماء الشعر في طول القصيدة وفي دلالته كليهما جميعا؛ فغَرِيتُ أن أجعل في ذلك مقالي “دلالة طول القصيدة”ØŒ الذي أجبتُ به دعوة أكاديمية الشعر العربي السعودية إلى مؤتمرها الدولي، ثم لم أنفض منه يدي حتى اصطفيت ثلاثة شعراء: قديما (أوس بن حجر: 620Ù…)ØŒ ووسيطا (البهاء زهير: 1258Ù…)ØŒ وحديثا (علي محمود طه: 1949Ù…)ØŒ يجمع بينهم ما يفسر اختيارهم بلا اعتساف، ويفرق بينهم ما يضمن تكاملهم بلا تناسخ. وحلَّلتُ قصائدهم كلها أنماطا وأطوالا وأغراضا، ثم وازنت منها بين طُولَياتها، خروجا من تحت وطأة المعايير الثلاثة التي أنكرت التعويل عليها: البنائي (الذي تتصفُ فيه بالطول القصيدةُ التي تعددت موضوعاتها دون التي انفرد بها موضوع واحد)ØŒ والتاريخي (الذي تتصفُ فيه بالطول القصيدةُ التي تجاوزَت الحدَّ المُراعى على مر الزمان دون التي وازَتْهُ أو تخلفت عنه)ØŒ والعملي (الذي تتصفُ فيه بالطول القصيدةُ التي تستغرق قراءتُها جلَسات متعددة دون التي يُفرَغ منها في جلسة واحدة)! 

ألا ما أقصر هذا المقال، وما أطوله! 

لقد استطال عليَّ أولًا بما اقتضاني أن أتبينه من معالم الدواوين الثلاثة، ثم تفلت من بين أصابعي آخرًا بما اقتضاني أن أوجزه من شؤونها! نعم؛ ولكنه استحق بما استكن فيه من فرح بالحَراك الشعري العربي، أن يُعد خطوة تاسعة في سبيل التطبيق النصي العروضي! 

Related posts

Leave a Comment