يا لغتاه (3)

في معنى كراهة تسمية الشهور بغير العربية استطرد ابن تيمية (728= 1328) -رحمه الله، وطيب ثراه!- في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم” ØŒ إلى مكانة اللغة العربية من إسلام المسلم وإيمانه وإحسانه، وكأنما وجد منطلقا فانطلق، فكان مما قال -ويا ما أشبهَ حالَ المسلمين في زماننا بحالهم في زمانه!-: “إِنَّ اللِّسَانَ الْعَرَبِيَّ شِعَارُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ -وَاللُّغَاتُ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْأُمَمِ الَّتِي بِهَا يَتَمَيَّزُونَ- وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، يَكْرَهُونَ فِي الْأَدْعِيَةِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، أَنْ يُدْعَى اللَّـهُ أَوْ يُذْكَرَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (…) كَرِهَ الشَّافِعِيُّ لِمَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ، أَنْ يُسَمِّيَ بِغَيْرِهَا وَأَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا خَالِطًا لَهَا بِالْعَجَمِيَّةِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَئِمَّةُ مَأْثُورٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (…) وَأَمَّا اعْتِيَادُ الْخِطَابِ بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي هِيَ شِعَارُ الْإِسْلَامِ وَلُغَةُ الْقُرْآنِ حَتَّى يَصِيرَ ذَلِكَ عَادَةً لِلْمِصْرِ وَأَهْلِهِ أَوْ لِأَهْلِ الدَّارِ أَوْ لِلرَّجُلِ مَعَ صَاحِبِهِ أَوْ لِأَهْلِ السُّوقِ أَوْ لِلْأُمَرَاءِ أَوْ لِأَهْلِ الدِّيوَانِ أَوْ لِأَهْلِ الْفِقْهِ، فَلَا رَيْبَ Ø£ÙŽÙ†ÙŽÙ‘ هَذَا مَكْرُوهٌ (…) وَإِنَّمَا الطَّرِيقُ الْحَسَنُ اعْتِيَادُ الْخِطَابِ بِالْعَرَبِيَّةِ حَتَّى يَتَلَقَّنَهَا الصِّغَارُ فِي الْمَكَاتِبِ وَفِي الدُّورِ، فَيَظْهَرَ شِعَارُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَيَكُونَ ذَلِكَ أَسْهَلَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي فِقْهِ مَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ السَّلَفِ، بِخِلَافِ مَنِ اعْتَادَ لُغَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى أُخْرَى؛ فَإِنَّهُ يَصْعُبُ. وَاعْلَمْ Ø£ÙŽÙ†ÙŽÙ‘ اعْتِيَادَ اللُّغَةِ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ وَالْخُلُقِ وَالدِّينِ تَأْثِيرًا قَوِيًّا بَيِّنًا، وَيُؤَثِّرُ أَيْضًا فِي مُشَابَهَةِ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمُشَابَهَتُهُمْ تَزِيدُ الْعَقْلَ وَالدِّينَ وَالْخُلُقَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ نَفْسَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الدِّينِ، وَمَعْرِفَتَهَا فَرْضٌ وَاجِبٌ؛ فَإِنَّ فَهْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَرْضٌ، وَلَا يُفْهَمُ إِلَّا بِفَهْمِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. ثُمَّ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ (…) عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ!- أَنَّهُ قَالَ: “تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ دِينِكُمْ، وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ دِينِكُمْ”ØŒ وَهَذَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ!- مِنْ فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ وَفِقْهِ الشَّرِيعَةِ، يَجْمَعُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الدِّينَ فِيهِ أَقْوَالٌ وَأَعْمَالٌ، فَفِقْهُ الْعَرَبِيَّةِ هُوَ الطَّرِيقُ إِلَى فِقْهِ أَقْوَالِهِ، وَفِقْهُ السُّنَّةِ هُوَ فِقْهُ أَعْمَالِهِ”Ø› فإتقانُ عربيةِ ما يجبُ من الإسلام إسلامٌ لغويٌّ، وإتقانُ عربيةِ ما فوق ذلك منه إيمانٌ لغويٌّ، وإتقانُ عربيةِ ما به يُشابَه صدرُ هذه الأمة من الصحابة والتابعين إحسانٌ لُغويٌّ!

Related posts

Leave a Comment