أينما ولّى الموت وجهه، Ùلن يجد مهابة وتقديرا مثل ذاك الذى ÙŠØظى به من المصريين. Ùقد بنوا Øضارتهم كاملة ÙÙ‰ خدمة السيد ذى المنجل؛ Ùكانت أبنيتهم العظيمة بيوتا للموتى، ورسومهم المذهلة نقوشها، واختراعاتهم الرائعة ÙÙ‰ خدمة Ø§Ù„Ø£Ø±ÙˆØ§Ø Ø§Ù„Ø±Ø§Øلة، وكتابهم الأقدس هو كتاب موتاهم. بالطبع لم يكن الموت ÙÙ‰ ذاته غاية إبداعات المصريين؛ Ùقد كان مبتغاهم تØصيل السعادة ÙÙ‰ Øياة عالم ما بعد الموت، الذى شيّدوه بتÙصيل منمّق ØÙّز سرديات العالم الأخروى ÙÙ‰ ثقاÙات عدّة (كالعبرانية) على الاهتداء به، وتقليده. لكن اØترام الموت والموتى، ظل عقيدة راسخة، تجلت عبر الأÙعال والأقوال عبر القرون.
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=20042017&id=f10e904a-8736-4872-9ab2-b43b9cefe2c1
«اذكروا Ù…Øاسن موتاكم»، و«لا يجوز على الميت إلا الرØمة»، عبارتان شائعتان ÙÙ‰ سياق الØياة المعاصرة. وعادة ما ÙŠÙستعملان لتصØÙŠØ Ù…Ø³Ø§Ø± Øديث ما، باتجاه قصر Øديث الأØياء عن الأموات على Ù…Øاسن الراØلين. وقد أخلص المصريون لهذه النصيØØ© المصوغة ÙÙ‰ شكل أمر قاطع؛ ÙتØدثوا عن Ùضائل الراØلين، وسكتوا عن مثالبهم.
***
قد يبدو هذا الØرص على تنقية ثوب الراØلين من الخطايا، Øيلة Øكيمة؛ غايتها تنقية المجتمع من شروره، بواسطة دÙنها مع مقترÙيها، Ùلا يبقى على قيد الØياة، إلا قصص الخيرين. وذلك على Ù†ØÙˆ ما سلك الشعر العربى، Øين ألبس الممدوØين ثياب الÙضائل جميعا. لكن ثمن هذه الØكمة يبدو باهظا، Øين نتجاوز السكوت عن خطايا الراØلين إلى اختراع الأكاذيب. Ùقد يكون من المÙيد الصمت عن البقع السوداء ÙÙ‰ ثوب من لم يعÙد يخطو Ùوق أديم الأرض، غير أنه من الخطر خلع جلباب Øياته كلية، وإلباسه ثوب النقاء الثلجى الأبيض.
لقد أسس البشر Øضارتهم لأنهم ــ ÙˆØدهم من بين جميع الكائنات ــ وعوا درس التاريخ. Ùقيمة الماضى الØقيقية إنما تكمن ÙÙ‰ التعلم من أخطائه، ÙˆØ³ÙŠØµØ¨Ø Ø§Ù„ØªØ§Ø±ÙŠØ® بلا أدنى Ùائدة ــ كورقة متسخة ــ إذا أصررنا طوال الوقت على تزييÙÙ‡ Øرصا على «ذكرى الراØلين». Ùالموت يجب ألا يكون سكينا معنويا يقطع لسان النقد والانتقاد، ولا خيطا غير مرئى لأÙواه المتأملين. يجب ألا يكون الموت ÙˆØده صك قداسة، ÙŠØصل عليه الراØلون، وإلا Ùإننا سنضÙÙ‰ مشروعية على الأخطاء والخطايا، ونÙطمع مرتكبيها بأنها ستÙنسى كلية مع آخر Ù†Ùس.
لقد ترددت هذه الأÙكار ÙÙ‰ ذهنى على مدى السنوات الماضية، كلما رأيت٠كي٠يجعل جلال الموت البشر يتهاÙتون على كيل Ø§Ù„Ù…Ø¯Ø§Ø¦Ø Ø§Ù„Ù…Ø·Ø¹Ù…Ø© بالأكاذيب. وتزداد جرعة الأكاذيب، وتتوارى الØقائق، Øين يكون الØديث على شاشة تلÙاز أو ورق صØÙŠÙØ©ØŒ ÙيتØول الراØÙ„ إلى ملاك لا بشر، مر Ùوق Øياتنا Ù…Øلّقا بأجنØØ© أسطورية، ولم تطأ قدمه أبدا أوØال الأرض! وسرعان ما تتشكل شخصية جديدة، عبر الØكى الجديد، ÙÙ‰ Øين تستمد الجرائم والخطايا المرتكبة قوة جديدة بÙعل العيش ÙÙ‰ الخÙاء.
***
سأستشهد على مخاطر إعادة خلق شخصيات الراØلين بØكايتين. الأولى لأستاذ مرموق ÙÙ‰ Ø¥Øدى الجامعات العربية. ترك دراسات متميزة مؤثرة وأصيلة، وكثيرا ما سمعت Øكايات شتى عنه من زملائه، وطلابه، ØªÙ…ØªØ¯Ø Ø¹Ù„Ù…Ù‡ØŒ وكرمه، ÙˆØرصه على مساعدة طلابه. وكان مما Øكاه Ø£Øدهم أن هذا الأستاذ كان يقوم بدور الوسيط بين بعض طلابه القادرين ماليا، الراغبين ÙÙ‰ الØصول على درجة علمية، وطلاب Ùقراء ÙŠÙشر٠عليهم، ÙŠÙكلÙهم بكتابة رسائل جامعية، ÙÙ‰ مقابل أموال يدÙعها الطلاب المقتدرين. كان من الطبيعى أن تصعقنى مثل هذه الØكايات؛ Ùلا يمكن تخيل Ùساد أكاديمى أكبر من أن يقوم أستاذ بالإشرا٠على طالب أو طالبة، Ùيكل٠طالبا آخر يشر٠عليه أيضا بكتابتها، ثم يناقش مشترى الرسالة، ويمنØÙ‡ الدرجة العلمية! ÙØتى لو اÙترضنا أن الأستاذ يكتÙÙ‰ بدور الوسيط، وأنه لا يقبض من الطالب الغنى ثمن «خدمته»، Ùإن هذا الÙعل ÙŠØ°Ø¨Ø Ø£Ø®Ù„Ø§Ù‚ البØØ« العلمى بسكين مثلوم، ويÙÙسد على Ù†ØÙˆ قاطع أخلاق الاثنين.
لقد تابعت٠ما ÙƒÙتب عن الأستاذ الراØÙ„ إثر ÙˆÙاته، ورأيت٠كي٠صÙنعت صورة أسطورية لملاك مجسّد. لم تكن هناك إشارة واØدة إلى Ùعل، أو قول، اختل٠Ùيه Ø£Øدهم معه. لم تكن هناك أبدا عبارة «لكن»، أو «ربما كان من الأÙضل لو أن…». وستمر السنوات، وتتغول النÙوس الÙاسدة التى صنعها ÙÙ‰ الØياة، ويصبØون بدورهم أشخاصا ناÙذين، ويقومون مرة بعد أخرى بإÙساد آخرين، ثم ÙŠÙعطى الموت للجميع صك النسيان. هذه الØكاية تتكرر أمامى بØذاÙيرها Øينا بعد Øين. وسأذكر واØدة أخرى لعلها تجسد مأساة أسطرة الراØلين.
منذ Ùترة، توÙÙ‰ أستاذ عربى آخر مرموق. كان معروÙا هو كذلك بكرمه، ومودته الغامرين. وقد ترك بØوثا أصيلة ملهمة، وشارك بÙاعلية ÙÙ‰ الØياة العربية العامة لوقت طويل. ÙˆÙÙ‰ الØقيقة، Ùإنه كان موضع تقدير واØترام إلى Øد كبير. ÙˆØين لبى نداء ربه، تسابقت الأقلام والألسن لذكر مكارمه. وهو أمر طبيعى ومØمود. لكن غير الطبيعى هو أن تتØول Øياة الراØÙ„ بأكملها إلى قصيدة Ù…Ø¯Ø Ø¹Ø±Ø¨Ù‰ØŒ ÙŠÙكلّل Ùيها بكل المØامد، والÙضائل أجمعين. وقد قرأت٠وسمعت Ù…Ø¯Ø§Ø¦Ø ØªÙ„Ø§Ù…Ø°ØªÙ‡ وأصدقائه عن عظمته أستاذا Ù…Øاضرا، أو مشرÙا على البØوث، أو مناقشا. ÙÙ‰ Øين أن بعض هؤلاء المادØين كثيرا ما انتقدوا الرجل أثناء Øياته؛ لكونه ÙŠØضر Ù…Øاضرة، ويتغيب خمسة. ويدخل إلى قاعة الدرس، وهو لا يتذكر عن أى موضوع سيتØدث. ويكرر ÙÙ‰ المرات القليلة التى ÙŠØضر Ùيها ما يقوله ÙÙ‰ كل Ù…Øاضرة دون مزيد. ÙˆØين كان ÙŠÙشر٠على رسالة Ùإنه نادرا ما كان يقرؤها كاملة. ÙˆØين ÙŠÙناقش باØثا ÙÙ‰ رسالة ماجستير أو دكتوراه، لم يكن يقرؤها كاملة غالبا، وكان يكتÙÙ‰ بأن ÙŠÙØلق ÙÙ‰ Ø¢Ùاق أخرى، قد تلامس الرسالة أو لا تÙلامسها بØسب الظروÙ.
***
إنّ Ù…Ø¯Ø Ø§Ù„Ù†Ø¨Ù„ الإنسانى، والكرم الغامر، ونقاء السريرة، وطيبة القلب، وأصالة البØØ«ØŒ أمور شديدة الأهمية، وتكش٠عن نبل المادØØŒ الذى ÙŠÙعطى Ù„Ù„Ù…Ù…Ø¯ÙˆØ Ù…Ø§ يستØقه من عرÙان، وهى صÙات تكÙÙ‰ ÙˆØدها لخلق ذكرى رائعة ÙÙ‰ زمن قل Ùيه من نجوا من Ùساد Ø§Ù„Ø±ÙˆØ ÙˆØ§Ù„Ø³Ù„ÙˆÙƒ. لكن تجاوز هذا إلى إضÙاء شرعية على سلوكيات مهنية Ù…Ùشينة أمر خطير. ÙØين يتساوى الأستاذ الملتزم بواجباته مع غير الملتزم، ومن ÙŠÙراعى أخلاقيات المهنة مع من لا ÙŠÙراعيها، سيÙسد الكل. ÙˆØين Ù†Ù…ØªØ¯Ø Ø³Ù„ÙˆÙƒÙŠØ§Øª لا يختل٠راشدان على أنها خاطئة، وسلبية، بل مجرمة ÙÙ‰ بعض الأØيان؛ Ùإننا نعطى إشارة خضراء لاستمرارها وتوغلها. ولن ÙŠÙÙيد الراØلون شيئا من الكذب بشأنهم، وادعاء ما لم يكن لهم أو Ùيهم. ولربما كانوا هم أنÙسهم أول المعترÙين بخطئهم، وأكثر النادمين عليه.
لقد اختار أجدادنا أن يجعلوا الموت سبيلا لتخليد قصص الأÙعال الخيّرة للراØلين، ظنا منهم أن منع الكلام عن المثالب الميتة، ربما يقود إلى عدم تكرارها من جديد. لكن السكوت عن المثالب شىء، ومدØها شىء آخر. وإذا كنا قد ارتضينا أن يكون الموت مرآة لا تتØدث إلا عن كل ما هو جميل ÙÙ‰ Øياة الراØلين، ÙلنØرص أن تظل المرآة صادقة، تنقل Øياتهم هم، وليس Øياة مزيÙØ© أخرى نخترعها لهم.