لماذا أكتب، للدكتور السيد شعبان جادو

سؤال لم أجد إجابة عليه، ربما لأنني غير مهتم بتفسير الأحداث لتلبسي بالوصف، هل لأنني أتخلص من المفردات الزائدة في معجمي ومن ثم أتركها بنص ما، على أية حال إنني أمارس نوعا من التدليس على القاريء؛ أسرق وقته وأشاغب في عقله؛ أو أبدو أمامه حكيما يعرف سر اللغة ولست إلا ساخرا من ذاتي التي تمتلك الفرشاة وعلبة الألوان،أحاول أن أرسم لوحة أقف أمامها يملؤني شعور بالزهو؛ لكنه الكذب والخيال الذي لا نفع من ورائه؛ إنها لعبة العرائس وخيال الظل والحبال تتحرك في خفاء عن عيون جمهور مسرح العبث. أدلس كثيرا على من يتابعني؛ لا أمتلك شجاعة فارس ولا حكمة الأجداد، تراكمت الحكايات وبت نهما إلى الكثير منها. كل المواقف تصلح أن تكون سردا: شراء الحاجيات من السوق، مجاورة أنثى في سيارة عامة، تضج عطرا وترسل شعرها فتنة، عناوين الأخبار على شاشة التلفاز، عراك القطط حول بقايا مائدة سكان إحدى البنايات التي تتراقص في ليلة شتوية، أنات المغيبين وراء أسداف الأقبية، رضيع ألقته أمه في العراء. الفن أن تلتقط الصورة في مهارة ومن ثم تسلط الضوء عليها، تترك بصمتك في صياغة الجملة، ألا تترك غيرك يحبطك، تستمر في طريق السرد الملغم بخطورة الربط بين الإبداع والسيرة الذاتية؛ الأديب ساحر وما تزال تلك رؤيتي؛ مزيد من التوابل وقليل من المفردات غثاء لا نفع منه، بعضنا يعتاش على أقلام الرواد؛ يراهم احتووا كل شيء؛ وهم أن نجتر أحاديثهم وعبث أن نخطو موضعهم؛ الفن تفرد وتمرد، أن نحطم قيودا وضعت لا يمثل إبداعا، بل أن نصوغ من نفس المفردات الميتة في المعجم نصوصا تحمل من حياتنا؛ نوقع بها في دفتر الزمن حكايتنا، الأدب يمتاز بالخصوصية ويكره أن يكون فضفاضا فتلقيه الريح بعيدا. لولا الألم والقهر ما كتبت؛ أعتاش على العالم الذي حملت حلمه جنينا فاغتالته الحماقة وأردته الجهالة ولما يخطو بعد ! تزيدني التجارب حكمة وتفتح عيني على عوالم كانت مستترة؛ بشر في جلد ثعالب؛ ومن خلال هذا كله تكون حرقة الكتابة. في الحياة جديد يستحق الرصد سردا والكاتب المبدع هو من يعالج مادنه بوعي يتيح له أن يداوي العلل أو أن يقدم أنموذجا للفضيلة. غير أن الوعظ لا يجدر بالفنان أن يمارسه عليه أن يكون ذا عين ناقدة تصور بل تبرز ما هو جدير بأن يقدم للقاريء، الكتابة التزام ورسالة، عظماء المبدعين لم يحلقوا في الفراغ؛ نظروا بعناية لمخزونهم القيمي ومن ثم أثاروا في مجتمعاتهم نوازع العمل. كثيرا ما اختلفت مع الآخرين حول جدوى الفن وقدرته، كنت- وما أزال- حريصا على الرقي بالقراء في غير ادعاء ريادة أو تحين أسبقية.

Related posts

Leave a Comment