محمود شاكر، للدكتور السيد شعبان جادو

لم ينل مفكر عربي من الاهتمام مبلغ ما حظي به؛ ولعل ذلك يعود إلى قدرته على التصدي ومقدرته على النقد وتمرسه في العربية وآدابها؛ أوتي علما رصينا وعقلا ثقفا، وجاء في زمنه الذي اشتبكت فيه تيارات الفكر في أعقاب هزة حضارية سرعان ما نبهت الغيورين ودفعت بهم إلى أوار صراع فكري؛ وكانت معركة الشعر الجاهلي وما أثاره طه حسين من قضايا وما تبناه من آراء؛ مثل صدمة في أعقاب الهزة،فكان شاكر ذلكم الفتى الذي رأى من نفسه القلم الذي يزود والحارس الأمين الذي وقف في ميدان مشتجر الخلاف متدافع الرأي، كان كتابه عن المتنبي بيانا يتعدى إلى المجابهة وحجاجا بلغ به عنان النقد. وجد ضالته في اللغة والأدب فكان ميدانه الذي تجمع حوله الوعاة والنابهين من أبناء الأمة يستمعون إليه ويتلقون منه فنون البيان؛ تحتار حين تصنفه؛ أهو رجل حرب أم تراه خفيض الجناح لا أثر له في عالم يمور بالحراك؟ لم تكن نفسية شاكر بالتي تقنع بعرض الأدنى. فتكون مجابهته مع لويس عوض في “أباطيل وأسمار” كتابا يمثل وهج النقد ومغالبة الآخر في كشف زيفه ثم لايكتفي حتى يجعل منه أضحوكة القراء بله المفكرين في مشهد يفوق التصور من رجل بلغ به وقاره حدا غير معهود، يهدف إلى شجرة الدردار وما أدراكم ماهي إذ كل مخبوء وراءها؛ من شخصية مدفوعة ممغموطة في فكرها وسقيم ثقافتها؛ يلوي النص ويبتر البيت لحاجة في نفسه فتراه وقد جعل المعري هدفه وهنا ينبرى له شاكر مبينا عجمته وشعث لغته في معركة على صفحات جريدة الأهرام القاهرية؛ لا يسلم منه إلا باستدعاء ما فوق النص إلى سلطة تقيد ورقيب يمنع؛ وهو بين ذلك وأثناءه يؤلف ” رسالة في الطريق إلى ثقافتنا” ينزع عن الغرب طيلسان العلم المنزه عن دوائر الاستشراق الذي رآه طليعة الاستعمار؛ ويكشف عن دور مسموم لهؤلاء الذين رادوا الفكر ممن تركوا في الفكر سموما وفي اللغة عجمة وانكسارا؛ لقد وجد الرجل أمته عليلة تستنهض المداوي وآسية تحتاج البصر الذي يكشف الزيف. تلتف حوله عيون النابهين العرب من الخليج حتى المحيط جامعة وجدت فيه بغيتها فلا يتركهم حتى يبين لهم ما غمض ويحقق ما استبهم وأعجم يحمل قوسه العذراء فتخر الآساد بلا حراك؛ جيل فريد جاء مصر على قدر فمثل بها تاريخا ونعمت به موجها إذ الرائد مشعل ضوء وسفينة نجاة في بحر الظلمات من جهل أعمى وفتنة هوجاء! حتى كانت الجامعة ميدان طلابه ينشرون فكره ويؤدون عنه ما قصر به الدرس من قواعد وحقه أن تخصص له المجامع وتنعقد حوله الأبحاث والمناظرات؛ بقية من خلفه فشهدنا ذلك الجدل حول الهوية ومخاطر التغريب وما كان الرجل طارح العصر نابذه وإنما هي جذور بحث عنها واجتهد في كشف فرائدها. فلا ينفك الباحث في الفكر العربي المعاصر من إسار محمود شاكر؛ ما بين تأليف وقراءة وتعليق؛ يستجمع شروحه فيبين له المنهج تذوقا والنص إبداعا يبلغ حد البلاغة في إعجازها؛ فما ترك عبد القاهر الجرجاني حتى استوقفه وكشف عن أسراره في دلائل الإعجاز؛ رأيت أيها القاريء كيف كان محمود شاكر أمة وحده؟!

Related posts

Leave a Comment