…والشأن ألا يضجر طالب العلم منها، بل عليه أن يوظÙÙ‘Ùها ÙÙŠ تØقيق المزيد من المنجزات…
http://saaid.net/Doat/mishari/9.htm
بسم الله الرØمن الرØيم
لا تأتي على طالب العلم مرØلةٌ إلا والتي بعدها أشقÙÙ‘ منها، وهذا مع ما ÙŠÙÙ„Øقه من همÙÙ‘ يملأ قلبَ الطالب وعقلَه إلا أنه ÙÙŠ الغالب أمارة٠تقدÙّم علمي، Ùكلَّما اشتدَّ عود الهموم العلمية بطالب العلم كان ذلك دالًّا على صدق طلبه، وعونًا له على الإيغال ÙÙŠ تØصيله، ولو يعلم طلاب٠العلم ما ÙÙŠ الهموم العلمية والمشاقÙÙ‘ المعرÙية ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليها لاستهموا عليها، ولَأتوها ولو Øبوًا، ولَضجَّت قلوبهم إلى الله تعالى أن يكرمهم بالمزيد منها، ÙÙ€ (الهموم مقدماتٌ – ÙÙŠ Ø£Øيان٠كثيرة٠– لنعم مخبوءة)[1]ØŒ وكلَّما تضاءل الهمÙÙ‘ واضمØÙ„ÙŽÙ‘ Ùترتْ عزائم الطلبة، وكلَّتْ سواعد عقولهم، ونضبتْ مياه أمانيهم .. (يخلو من الهمÙÙ‘ أخلاهÙÙ… من الÙÙØ·ÙŽÙ†Ù) كما يقول أبو الطيÙّب.
******
من تلك الهموم: همÙÙ‘ الضبط، وهو من أشدÙÙ‘ الهموم تسلÙّطًا على طالب العلم .. ينتهي من كتاب٠Ùلا يستذكر منه سوى صÙØات Ù…Ùرَّقة، ويØÙظ متنًا Ùلا يبقى معه سوى سطور مهشَّمة، ويبØØ« مسألة ويكتب Ùيها عشرات الصÙØات Ùلا يأتي الهلال بعد الهلال إلا وقد تواردت على ذهنه وأوراقه عوادي الأيام، قتلًا لذاكرته وتشريدًا لأوراقه .. أمَّا عجيبة٠الشعبيÙÙ‘ عنده (ما كتبت سوداء ÙÙŠ بيضاء إلى يومي هذا، ولا Øدثني رجل بØديث قط إلا ØÙظته، ولا Ø£Øببت أن يعيده علي) = Ùضربٌ من الكرامات العلميَّة التي تÙنال بمØض الÙضل الإلهي.
وطلاب العلم Øيال همÙÙ‘ الضبط٠على ضربين: ÙطائÙØ© منهم غلبها هذا الهمÙÙ‘ Øتى Øاد بها عن سبيل العلم، وقنَّعها بما مضى من تØصيلÙØŒ وأيÙسَت أن تكون من المبرزين Ùيه، Ùكان تØصيلÙها مجرَّد سابقة Øسنة ولØظة تاريخية عابرة ØŒ وما أكثرَهم! .. وأخرى أنجب هذا الهمÙÙ‘ عندها Ù„ÙÙŠÙًا من المشاريع العلمية التي شدَّت من أَزْر٠العلاقة بين الطالب ومطلوبه، Ùما زال بالعلوم تØصيلًا وضبطًا Øتى تمكَّن من تطويق ما Øصَّله، بل رشَّدت تلك المشاريع٠نمطَ تعامله مع المعلومات اللاØقة Ùكانت Ù…ÙÙ† بعد٠واردةً على Ù…ØÙ„ÙÙ‘ قابل٠للضبط.
أين السبيل إلى الضبط؟
جمع٠الهمÙÙ‘ وتجريدÙÙ‡ للتØصيل مقدمة٠الضبط وخاتمتÙه، Ùˆ(لا شيءَ ÙŠÙنال٠– طال الÙكر٠Ùيه أو قَصÙر – إلا بتجريد الÙكر ÙÙŠ جهة الطلب)[2]ØŒ والعلم عزيز، ومن عزÙّته Ù†ÙرتÙÙ‡ من الهموم المشاركÙØ©ØŒ ولا سيما هموم الدنيا وسطوة الأØداث المØيطة، وكلَّما كان الطالب أملَكَ لهمÙّه كان أضبطَ لعلمه، ومن هنا ÙÙلاØ٠طالب العلم مرهونٌ بمدى استطاعته على تقليص هموم دنياه والتقليل من Ù†Ùوذ Ù…Øيطه عليه، ÙˆØين يطالع السير والتراجم بØثًا عن Ø£Øوال العلماء للاقتداء بنهجهم Ùلا يقÙÙ’ بصره عند Øدود الأوصا٠المثبتَة بالØروÙØŒ بل Ù„Ùيتعَدَّ إلى ما وراءَ ذلك .. إلى انصراÙهم عن الهموم المتشاكسة، والنأي بأنÙسهم عن الاستغراق ÙÙŠ الأØداث المØيطة، Ùقد كانت بين أئمة العلم والهموم الدنيوية والأØداث المØيطة بهم مساÙØ©ÙŒ Ùاصلةٌ، تÙطوى Øينًا وتÙمَدÙÙ‘ Ø£Øيانًا، وما Øصَّلوا تلك المساÙØ© إلا لأنهم يملكون ذواتهم، وبذلك نالوا من العلم ما نالوا.
كان الإمام الخليل بن Ø£Øمد يقول: (إني لأغلق عليَّ بابي، Ùما يجاوزه همÙّي)[3] .. ولذلك بلغ أنْ كان الخليل .. لكننا – Ùˆ يا للأسى – لا أبوابَ لنا!
ولما سئل أبو ØنيÙØ©: بم ÙŠÙستعان٠على ØÙظ الÙقه؟ قال: (بجمع الهمÙÙ‘)[4] .. ÙÙ€ (هيهات أن يجتمع الهم مع التلبس بأمور الدنيا .. هيهات! والله لا يجتمع الهمÙÙ‘ والعين٠تنظر إلى الناس، والسمع٠يسمع Øديثَهم، واللسان يخاطبهم، والقلب٠متوزÙّعٌ ÙÙŠ تØصيل ما لا بÙدَّ منه)[5].
لا يتØدَّث٠الطالب عن رَهَق هذا الزمان، وتزاØÙ… همومه، وتواتر مشغلاته، واضطراب Ø£Øواله، لكن لينظÙرْ ÙÙŠ مساÙاته، ÙالأØداث الآن كهي ÙÙŠ الزمن الغابر، لكن المساÙات ليست كالمساÙات!
جمع٠الهم إذًا شرط٠الضبط العلمي، ومن أشدÙÙ‘ مشتتات الهم تقطÙّع التØصيل العلمي وتعثÙّره، Ùالعلم ÙŠØتاج من الطالب ارتياضًا وديمومةً، وبذلك ينجمع همÙّه، ويثبت علمه، وتÙضبَط معارÙه، والبØØ« هنا أوسع من قضية ØÙظ المسائل المعيَّنة، Ùالشأن أن يعتاد الطالب العلمَ ويلابسه، أيًّا كان نوع الملابسة، تعلÙّمًا وتعليمًا، قراءةً ÙˆØÙظًا، سماعًا ÙˆØضورًا .. وبقدر اتصال الطالب بالعلم وارتباطه بمصادره تدنو منه مسائلÙه، ويكون Øضورها ÙÙŠ ذهنه أبقى، لاعتياده عليها وإلÙÙ‡ لها.
قضى أبو بكر القÙال المروزي أربعين عامًا من عمره لا يعر٠من العلم إلا اسمه، وليس له به اشتغال، ثم رغبت Ù†Ùسه ÙÙŠ العلم، وذهب إلى Ø£Øد أشياخ مَرْو، وعرَّÙÙ‡ رغبتَه، Ùلقَّنه هذا الشيخ٠أولَ جملة من كتاب المزني، وهي: (هذا كتابٌ اختصرتÙÙ‡) .. Ùرقى القÙال Ø³Ø·Ø Ø¨ÙŠØªÙ‡ØŒ وكرر هذه الكلمات الثلاث ليØÙظها (هذا كتابٌ اختصرته .. هذا كتابٌ اختصرته .. هذا كتابٌ اختصرته) .. كررها من بعد العشاء إلى الÙجر، ثم غلبته عيناه ونام، ولما استيقظ نسيها!
ضاق صدره وقال: أيش٠أقول للشيخ؟! عاد إلى شيخه وكاشÙÙ‡ بما جرى، Ùلم يزجره، بل أوصاه بما صار القÙَّال به Ø£Øدَ أركان المذهب الشاÙعي.. قال له: (لا يصدَّنَّك هذا عن الاشتغال، Ùإنك إذا لازمت الØÙظ والاشتغال صار لك عادة) [6] .. Ùالملازمة سبيل الاعتياد، والاعتياد قَيد٠المØÙوظات والمعلومات الهاربة.
وممن ÙÙŽÙ‚ÙÙ‡ منزلة الاعتياد وارتاض بها Ùانجمع همه للعلم وتوÙَّر وقته للتØصيل: شيخ٠العراق أبو الØسن الكرخي، Øتى بلغت به الØال أنْ صار يطلب الاعتيادَ ذاتَه، ولو لم ينل منه تØصيلًا!
ومما قاله ÙÙŠ ذلك: (كنت٠أØضر مجلس أبي Øازم يومَ الجمعة بالغداة من غير أن يكون درسٌ، لئلا أنقضَ عادتي من الØضور)[7] .. وهذا ضربٌ من التربية العلمية عزيز، ينال به الطالب شرÙÙŽ جمعيَّة الهمÙÙ‘ على العلم.
ولما لجمعية الهمÙÙ‘ من أثر بالغ ÙÙŠ تجويد التØصيل (استØب السل٠التغرÙّبَ عن الأهل والبعدَ عن الوطن، لأن الÙكرة إذا توزَّعت قصرت عن درك الØقائق وغموض الدقائق … ومما يقال عن الشاÙعي أنه قال: لو ÙƒÙÙ„ÙÙ‘Ùت٠شراءَ بصلة٠ما Ùهمت٠مسألةً!)[8].
ومÙÙ† وراء٠جمع٠الهمÙÙ‘ طرائق٠للضبط إذا تمرَّس بها الطالب ازداد معدَّل ضبطه، ومن تلك الطرائق: المذاكرة العلمية بين الأقران، والعطاء العلمي تأليÙًا وتدريسًا، بلهَ ØÙظَ المتون وتكرارَ القراءة، غير أن لبَّ الضبط ÙÙŠ جمع الهم، Ùلْيجمع٠الطالب٠همَّه على جمع همÙّه، Ùإن (جمع الهم أصل الأصول)[9]!
******
ومن تلك الهموم: همÙÙ‘ التقييد، Ùلا تكاد تستوي راØلة طالب العلم على طريقة من التقييد العلمي، Ùتارةً ÙŠÙهرس Ùوائده التي Øصَّلها ÙÙŠ طرَّة كل كتاب، Ùتجد أوائل كتبه وأواخرها مزدØمةً بالإØالات، ثم يرى أنَّ لهذه الÙوائد امتدادات٠ÙÙŠ كتب٠أخرى، Ùينتقل من طريقة التقييد ÙÙŠ طرَّة الكتاب إلى وضع دÙاتر وملÙات خاصة مصنÙØ© Øسب العلوم، يجمع Ùيها ما Øصَّله من مجموع المصادر، ثم يرى أن هذه الطريقة تØتاج وقتًا، Ùينتقل منها إلى طريقة ثالثة، وهكذا.
ونØÙ† إذا نظرنا ÙÙŠ سير العلماء وما توسَّلوا به لبناء مشاريعهم وضبط معارÙهم وجدنا لهم ÙÙŠ ذلك مسالك متنوعة تتÙاوت بتÙاوت طبائعهم النÙسية وقدراتهم الذهنية ÙˆØوائجهم العلمية، وغالبًا ما يكون تÙعيل تلك المسالك وتصنيعها ÙÙŠ مرØلة مبكرة لتكون المراØÙ„ اللاØقة مبنيةً عليها Ù…Ùنضَجَةً بنارها.
Ùمنهم من يجعل Ù„Ùوائده أصلًا ÙÙŠ كل Ùن، Ùيختار كتابًا جامعًا، ويضم إلى هوامشه كل ما تلقاه عينه من Ùوائد ÙÙŠ سائر الكتب التي تعالج الÙÙ† Ù†Ùسه، ثم هو ÙŠÙØيل ذلك المجموع الذي صنعه مادةً يستعين بها ÙÙŠ دروسه وكتاباته وتØريراته.
والتطبيقات المبثوثة ÙÙŠ كتب السير والتراجم كثيرة، وغالبها تجد Ù…ØÙ„ÙŽÙ‘ الضَّبط٠Ùيها كتابًا جامعًا أو متنًا مختصرًا، وتطلÙّب٠الشواهد لذلك ترÙٌ، Ùهي مبذولةٌ قريبة٠المنال، ومن ذلك عناية النووي بكتاب “التنبيه” ÙÙŠ Ùقه الشاÙعية، Ùقد ØÙظه ÙÙŠ Ù¤ أشهر ونصÙØŒ وصنَّ٠كتابًا ÙÙŠ تصØÙŠØه، وآخرَ ÙÙŠ لغاته، وكتب عليه Ù†Ùكتًا، وشرع ÙÙŠ شرØه، كما شرع ÙÙŠ اختصاره .. بل بلغ الØال ببعض العلماء أن Ù†ÙسÙب إلى كتاب٠لÙرط عنايته به، كما Ù†ÙسÙب أبو عبدالله Ù…Øمد بن سليمان الرومي الØÙ†ÙÙŠ لكتاب “الكاÙية” لابن الØاجب، Ùصار ÙŠÙعرَ٠بالكاÙÙيَجي!
ومنهم من يكون له اختصاصٌ بموضوع٠داخلَ علم، أو مجال٠متسلÙّل٠ÙÙŠ أكثر من علم، Ùيجعل له ÙÙŠ ذلك أصلًا، وغالبًا يكون هذا الأصل من ابتكاره، لأن Øدود هذا الأصل تمليه Øاجته الخاصَّة، وليست الØاجة متعلقة بعلم منضبط، بل هي متعلقةٌ بموضوع، وربما تعلَّقت بكتاب معين لا لكونه أصلًا ÙÙŠ علم، بل لكون مؤلÙÙ‡ عÙني Ùيه بضرب٠من المعار٠يÙيد الناظر ÙÙŠ كثير من مجالات المعرÙØ©ØŒ ومن شواهد ذلك أن المØقق الكبير العلامة عبدالسلام هارون جعل مشروعه الأعظم تØقيق التراث، وكان لابد لمثله أن يعدَّ العدة لذلك، Ùإن تØقيق التراث يستلزم بَصَرًا بكثير من العلوم والمعارÙØŒ ونظرًا لمصادÙØ© أيÙÙ‘ Ù…Øقق لكثير من الكلمات المØتاجة للضبط اتجه هارون لكتاب “ÙˆÙيات الأعيان” لابن خَلÙّكان، ومع كونه كتابًا خاصًّا بالتراجم للأعلام، إلا أن هارون صنع معجمًا لمقيَّداته، والذي ØÙزه لهذا العمل Øاجةٌ وامتيازٌ:
أما الØاجة Ùلأن كلَّ Ù…Øقق لا بد وأن يعرض له ÙÙŠ أعماله كثير من الكلمات المØتاجة إلى الضبط كما تقدَّم، ومن هنا كان لزامًا عليه أن يكون ذا بسطة ÙÙŠ الاطلاع تمكÙّنه من ضبط تلك الكلمات.
وأما الامتياز Ùلأن ابن خَلÙّكان هميمٌ بالضبط والتÙسير، وعن ذلك قال هارون عن كتاب ابن خلكان الأوØد “ÙˆÙيات الأعيان”: (هذه أمنية راودتني منذ Ù†ØÙˆ نص٠قرن من الزمان: أن أجمع ÙÙŠ صعيد واØد ما نص ابن خلكان على ضبطه أو تÙسيره ÙÙŠ كتابه الخالد الرائع: “ÙˆÙيات الأعيان”ØŒ وأتناوله بالتØقيق والنشر، لما Ùيه من نصوص نادرة ÙÙŠ الضبط، يشيع Ùيها الدقة والأمانة)
من هنا صنع هارون هذا المعجم القائم ÙÙŠ قريب٠من ٣٥٠صÙØØ©ØŒ وقال عنه:
(هذا الÙهرس الذي أعانني جÙدَّ العون ÙÙŠ ضبط الكثير من نصوص التراث العربي، بما يشتمل عليه من الغريب، أو من مشكل الألÙاظ العربية أو الÙارسية أو الأعجمية).
وهكذا Ùليصنع طالب العلم، وليعدد طرائق تقييده بقدر Øاجاته، ولا يطمعْ ÙÙŠ الوصول لطريقة جامعة تزيل همَّه، Ùمادَّة هذا الهمÙÙ‘ لا تنضب، وليس لإشكاليَّة التقييد Øلٌّ ÙÙŠ نظري، ولن يجد طالب العلم طريقة تØقق كل اØتياجاته، ثمَّ إنَّ هذا الترØÙّلَ من طريقة لأخرى مما يصقل طالب العلم، ويمرÙّنه على جوانبَ من التصني٠والتدقيق قد لا يظÙر بها لو لم يكن هذا الهم ساريًا بين أوراقه.
******
ومن تلك الهموم: همÙÙ‘ الإبداع، وكلما ارتش٠الطالب سيرة Ø£Øد الأعلام المبدعين ممن قدَّم إضاÙØ© نوعية للØقل العلمي تنامى هذا الهمÙÙ‘ ÙÙŠ داخله، وتمنَّى أنْ لو كان له من العلم ما يمكÙّنه من التØقيق ÙÙŠ المعرÙØ© والإضاÙØ© الجادة المبدعة ÙÙŠ مسائله.
كثيرٌ هم طلاب العلم، لكن الجادَّ منهم قليل، والمبدعَ من الجادين أقل القليل .. والØديث عن الإبداع كثيرًا ما يكون بالجمل الÙضÙاضة والعبارات المجملة دون تبيان Ù„Øقيقته، Ùيق٠الطالب متأملًا ÙÙŠ سØائب الأØلام المبدعة دون أن يكون لتلك السØائب هطولٌ ÙÙŠ أودية مشاريعه.
وإذا نظرنا ÙÙŠ سير المبدعين من العلماء ÙˆØاولنا الوقو٠على إكسير الإبداع ÙÙŠ سيرتهم وإنتاجهم وجدناه متمثÙّلًا ÙÙŠ جملة معايير، من أخصÙّها: معيار (الÙوات) .. وهذا معيارٌ أوَّليٌّ ÙŠÙراد به تمييز المبدعين، ندرك به وجود الإبداع وإن لم نق٠تØديدًا على معالمه، ومÙاده أن العالم المبدع هو العالم الذي تØصَّل له نمطٌ من مداولة العلم والتعاطي مع مسائله تÙرَّد به Øتى ظÙÙ†ÙŽÙ‘ ÙواتÙÙ‡ بÙواته.
ولا أكتمك سرًّا إن قلت٠لك بأن هذا المعيارَ منتزَعٌ من إجابة ذكيَّة للإمام Ø£Øمد أجاب بها على من أنكر عليه جلوسه عند الشاÙعي وتَرْكَه مجلس ابن عيينة، وذلك Øين قال له: (اسكتْ! Ùإن Ùاتك Øديثٌ بعلوÙÙ‘ تجده بنزول، ولا يضرك ÙÙŠ دينك، ولا ÙÙŠ عقلك، أو ÙÙŠ Ùهمك .. وإن Ùاتك عقل هذا الÙتى أخا٠أن لا تجده إلى يوم القيامة)[10].
ÙالشاÙعي Øقَّق نمطًا من الإبداع جعل الإمام Ø£Øمد يعيد ترتيب جدول دروسه خشية Ùوات هذا النمط بÙوات الشاÙعي، وهكذا Ùلننظر ÙÙŠ من ÙŠÙظَنÙÙ‘ أن بÙواته غياب نمط٠من أنماط المداولة العلمية، لنميز المبدعين، ثم نق٠من بعد٠على Øقيقة الإبداع ومعالمه، وإنما قلت (نمط من أنماط المداولة العلمية)ØŒ لأن العلم لا ÙŠÙوت بÙوات الأشخاص، Ùكل العلم ÙÙŠ كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولكن الشأن ÙÙŠ آلية التعامل العقلي والتداول المعرÙÙŠ لمضامين الوØÙŠØŒ وذلك ما أراد الإمام Ø£Øمد أن يشير إلى امتياز الشاÙعي Ùيه.
والشاÙعيÙÙ‘ الذي بهر الإمام Ø£Øمد ÙÙŠ Ùقهه لكتاب الله يتمثَّل جوهر٠إبداعه ÙÙŠ كتاب الرسالة .. هذا الكتاب الذي دلَّ على مقام عال من التØقيق والإبداع العلمي يقطع معه الناظر أنه أمر اØتكره الشاÙعي، وبرهانه أن Ø£Øدًا لم يستطع أن يستقل بوضع أصول٠للÙقه على وضع متكامل استقلَّ Ùيه عن رسالة الشاÙعي، بل إما أن يكون عمله واقعًا Ùيه أو منطلقًا منه أو مبنيًّا عليه.
والإمام Ø£Øمد Ù†Ùسه بلغ علمه بالآثار وعللها، وخصوصًا علل الآثار الموقوÙØ©ØŒ مقامًا لم يلØقه Ùيه لاØÙ‚ÙŒ مذ Ùارقت آخر نسمة من روØÙ‡ آخر بقعة من جسده، وعن ذلك قال ابن رجب بعد أن بين إمامة Ø£Øمد ÙÙŠ معرÙØ© صØÙŠØ Ø§Ù„Øديث من سقيمه: (وهذا وإن شاركه كثير من الØÙاظ ÙÙŠ معرÙØ© علل الØديث المرÙوعة، Ùلم يصل Ø£Øد منهم إلى معرÙته بعلل الآثار الموقوÙØ©ØŒ ومن تأمل كلامه ÙÙŠ ذلك رأى العجب، وجزم بأنه قل من وصل إلى Ùهمه ÙÙŠ هذا العلم رضي الله عنه)[11].
سيبويه ونمط ضبطه للغة العرب ÙÙŠ كتابه، عبدالقاهر الجرجاني ونمط تذوقه البياني، الغزالي ونمط تأليÙÙ‡ العلمي وقولبته للمعارÙØŒ ابن تيمية ونمط تØقيقه لمذهب السل٠ودÙع الشبهات عنه، هؤلاء وغيرهم من الأعلام المبدعين، ÙŠÙØصÙّل الطالب بالنظر٠ÙÙŠ نتاجهم وتØسÙّس٠بذور الإبداع ÙÙŠ أراضي مدوناتهم ما ÙŠÙمكÙّنه من السير على منوالهم، ويخطو به خطوات واسعة Ù†ØÙˆ تØقيق الإبداع العلمي، وذلك هو أول مدارج التØقيق والإبداع، وهو أصدق٠ما ÙŠÙمكن أن ÙŠÙدَلَّ به الطالب على سبيل الإبداع، بأن يعايش ما أنتجه المبدعون ويتغلغل بÙكره ÙÙŠ كتاباتهم، والشأن كما قيل: صØبة٠الÙØول تÙÙØÙّل!
******
وبعدÙØŒ Ùهذه نماذج٠لهموم٠تنطوي عليها Ø£Ùئدة طلاب العلم، وغيرها كثير، والشأن ألا يضجر طالب العلم منها، بل عليه أن يوظÙÙ‘Ùها ÙÙŠ تØقيق المزيد من المنجزات، ليبلغ بها مراتبَ من التØقيق ما كان له أن يصلها لولا تجاÙÙŠ مشاريعه عن مضاجع الهم بالØلول المبتكرة والمشاريع المولَّدة.
————————————-
[1] رسائل الراÙعي (157).
[2] البرهان للجويني (1: 121).
[3] سير أعلام النبلاء (7: 431).
[4] صيد الخاطر (192)
[5] صيد الخاطر (368).
[6] معجم البلدان (5: 116).
[7] الØØ« على طلب العلم للعسكري (78) Ø·. المكتب الإسلامي.
[8] تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة (87-88).
[9] صيد الخاطر (192).
[10] تاريخ دمشق (51: 331).
[11] الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (2: 630).