كان من طبيعة منهج التذوق قديماً قلة التعليل أو ندرته ÙÙŠ إطلاق الأØكام؛ لأن الدربة والممارسة والتجربة تتØصل منها Øاسة ذوقية تستعصي على التعليل والتÙصيل، وإنما يدركها أهلها ولا يترادون Ùيها Ù„Øصول الذوق عند جميعهم كما هو عند واØدهم؛ ولذلك تكثر ÙÙŠ دواوين العربية الكبرى كلمات وجمل من قبيل: (ليس هذا من شعر Ùلان، وليس هذا من نسجه، أو هذا نسج Ùلان، أو لا ÙŠØµØ Ø£Ù† يكون هذا كلام أعرابي، أو هذا نسجٌ Øضري)ØŒ وذلك Øين ينسبون قصيدة أو بيت شعر لشاعر بعينه وينÙونها عن شاعر آخر، أو يثبتون وينÙون شعراً إسلامياً أو جاهلياً أو مولداً، Øتى أن أصØاب الØديث من علماء الأمة كانوا ينÙون الأØاديث الموضوعة أول ما ينÙونها اعتماداً على ذوقهم بداهة؛ Ùينظرون ÙÙŠ متن الØديث ودرجة مشابهته لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: (ليس هذا من كلام النبوة، أو: ليس عليه رداء النبوة)Ø› وذلك لطول ممارستهم لأØاديث النبي صلى الله عليه وسلم ودقة تذوقهم لكلامه، ثم لا تجد بعد ذلك من ÙŠÙرادهم طالباً التعليل ÙˆØ§Ù„Ø´Ø±Ø Ù„Ø¹Ù„Ù…Ù‡ أن التعليل يستتبع سنوات من الدرس والخبرة والتجربة والدربة قضاها الناقد والأديب والعالم ÙÙŠ مصاØبة الآثار الأدبية والدينية Ùأنتج كلÙÙ‘ ذلك Øكماً معتمداً على ذوق خاص لم يولد بين عشية وضØاها. ونØÙ† نرى ÙÙŠ عصرنا الØاضر اختلا٠أساليب وأنماط ومذاهب الشعراء ÙÙŠ القول Øتى أن الناقد المكثر لقراءة شعر شاعر بعينه ليعر٠شعره وينسبه إليه Øتى لو لم يكن ممهوراً باسمه.
وقد كانوا يميزون من خلال هذا المنهج بين شعر وشعر، وشاعر وشاعر، ويعرÙون به ما ÙŠØµØ ÙÙŠ كلام العرب وما لا يصØØŒ ويضعون أيديهم على شعر شاعر بعينه من بين عدة شعراء؛ Ùلا يخÙاهم نسقه وأسلوبه وطريقته، والأمثلة على مثل هذا ÙÙŠ دواوين العربية القديمة كثيرة، ومن ذلك ما رواه الأصÙهاني ÙÙŠ الأغاني Øين ذكر أن الهجاء كان قد لَجَّ بين ذي الرمة وهشام المرئي†وكان ذو الرمة مستعلياً هشاماً Øتى لقي جريرٌ هشاماً، Ùقال جرير: غلبك العبد، يعني ذا الرمة، قال هشام: Ùما أصنع يا أبا Øزرة وأنا راجز وهو يقصد والرجز لا يقوم للقصيد ÙÙŠ الهجاء ولو رÙدتني، Ùقال جرير- لتهمته ذا الرمة بالميل إلى الÙرزدق عليه- قل له:
غضبت لرجل من عدي تشمسوا ÙˆÙÙŠ أي يوم لم تشمس رجالها
ÙˆÙيم عـدي عنـد تيم من العلا وأيامنـا الـلاتي تÙـعد Ùعالها
وضبة عمي يا بن جل Ùلا ترم مساعي قوم ليس منك سجالها
يمـاشي عدي اً لؤمها لا تجنه من الناس ما مست عدياً ظلالها
Ùقـل لعـدي تستـعن بنسائها عليَّ Ùـقـد أعيـا عدياً رجالها
أذا الرم قـد قلدتَ قومك رمة بطيـئاً بـأمر المطلقين انØلالها
Ùلما بلغت الأبيات ذا الرمة قال: والله ما هذا بكلام هشام ولكنه كلام ابن الأتان. يعني جريراً.. ثم إن ذا الرمة لقي جريراً بعد ذلك وعاتبه على إرÙاده للمرئي رغم القرابة التي بينهما وتبرأ أمامه من تÙضيل الÙرزدق عليه Øتى رضي، ثم استنشده جريرٌ بعض شعره ÙÙŠ المرئي Ùأنشده، Ùقال جرير: ما صنعتَ شيئاً، Ø£ÙأرÙدك؟ قال: نعم، قال: قل:
يعد الناسبون إلى تميم بيوت المجد أربعة كبارا
يعدون الرباب وآل سعد وعمراً ثم Øنظلة الخيارا
ويهلك بينها المرئي لغواً كما ألغيت ÙÙŠ الدية الØوارا
Ùغلبه ذو الرمة بها، ثم إن ذا الرمة مر بالÙرزدق Ùقال له: أنشدني Ø£Øدث ما قلت ÙÙŠ المرئي؛ Ùأنشده قصيدته ÙˆÙيها الأبيات السابقة؛ Ùأطرق الÙرزدق ساعة ثم قال: أعد، Ùأعاد؛ Ùقال: كذبت وأيم الله ما هذا لك ولقد قاله أشد Ù„Øيين منك وما هذا إلا شعر ابن الأتان.([1])
Ùانظر إلى تذوق ذي الرمة شعرَ جرير ÙÙŠ شعر٠هشام المرئي ومعرÙته به لاختلا٠النمطين والأسلوبين، ثم انظر إلى تذوق الÙرزدق شعرَ جرير أيضاً ÙÙŠ شعر ذي الرمة واكتشاÙÙ‡ صورة جرير وصوته ومذهبه ÙÙŠ هذه الأبيات القلائل، وقس على هذا ما رده علماء العربية من الشعر إلى أصØابه أو أسقطوه ونÙوه عمن ادعاه ÙÙŠ قضايا عدة ØŒ كالانتØال والسرقات الشعرية وشعر الجن وشعر آدم والشعر المنسوب إلى عاد وثمود وجسم وجديس وتلك الأمم الغابرة. بل إن هذا المنهج المركوز ÙÙŠ Ù†Ùوس العرب هو الذي ألجمهم عن أن ينسبوا القرآن الكريم إلى Ù…Øمد صلى الله عليه وسلم، ودÙعهم إلى الإيمان بنبوته Ù„Ùمَا جÙبلت عليه طبائعهم من تذوق الكلام الذي أوصلهم لليقين بأن هذا القرآن الذي يتلوه عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن بØال أن يكون كلام بشر.
أطوار منهج التذوق ÙÙŠ المدونات العربية:
وقد استمر هذا الذوق الÙطري الخالي- غالباً- من التعليل Øتى جاء عصر التدوين Ùظهرت تباعاً تلك الشروط والقواعد والأصول التي استنبطها الشيخ Ù…Øمود شاكر ÙÙŠ تطبيقات النقاد والأدباء العرب، ومثلت بعض مؤلÙات الأدباء والنقاد العرب قديماً علامات Ù…Ùصلية ÙÙŠ مراØÙ„ تطور هذا المنهج وتدرجه، ككتابات ابن سلام، وابن قتيبة، والآمدي، والقاضي الجرجاني، وعبد القاهر الجرجاني.
وقد Øام ابن سلام ÙÙŠ كتابه (طبقات ÙØول الشعراء) الذي ÙŠÙعدÙÙ‘ من أقدم وثائق النقد المدونة Øول Ù…Ùهوم منهج التذوق وإن لم ÙŠÙسَمÙّه، وذلك Øين أرجع البَتَّ ÙÙŠ صØØ© نسبة الشعر ومعرÙØ© جيده ورديئه إلى أهل الاختصاص من النقاد والعلماء؛ Ùأكد ÙÙŠ غير موضع من كتابه على ضرورة الرجوع إلى أهل العلم، وعدم الاعتداد بكلام غيرهم من الصÙØÙيين، مستشهداً ÙÙŠ ذلك برد خل٠الأØمر Øين قال له قائل:†إذا سمعت٠أنا بالشعر أستØسنÙÙ‡Ù Ùما أبالى ما قلتَ أنت Ùيه وأصØابك؛ Ùقال خلÙ: إذا أخذتَ درهماً ÙاستØسنته Ùقال لك الصَّرَّاÙ: إنه ردئ Ùهل ينÙعك استØسانÙÙƒ إيّاهÙ.â€([2])ØŒ وكذلك إشارته إلى الأخطاء التي تصدر عن غير المختصين الذين يتصدون للشعر وروايته ÙÙŠ مثل قوله:†وجدنا رواة العÙلم يغلطون ÙÙŠ الشعر ولا يضبط الشعر إلا أهله.â€([3])ØŒ ثم ذكر الشروط الواجب تواÙرها ÙÙŠ الناقد Ùشدَّد على أهمية الذوق والاستعداد الÙطرى وبيّن أثر الدربة والممارسة ÙÙŠ العملية النقدية؛ Ùقال:†وللشعر صَناعة وثقاÙØ© يعرÙها أهل العلم كسائر أصنا٠العلم والصَّناعات، منها ما تَثْقَÙه٠العين ومنها ما تَثْقَÙه٠الأÙذن ومنها ما تَثْقَÙÙ‡ اليد ومنها ما يَثْقَÙÙ‡ اللسان، من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا تعرÙÙ‡ بصÙØ© ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره، ومن ذلك الجَهْبَذَة٠بالدينار والدرهم لا تÙعرَ٠جَوْدتÙهما بلون٠ولا مَسÙÙ‘ ولا Ø·Ùرَاز٠ولا وَسْم٠ولا صÙØ©ØŒ ويعرÙÙ‡ الناقد عند المعاينةâ€.([4])
ثم خطا هذا المنهج خطوة أخرى مع ابن قتيبة ÙÙŠ كتابه (الشعر والشعراء)Ø› وذلك Øين قسم الشعر- معتمداً على Ù„Ùظه ومعناه اللذين لا يخرجان عن Ù…Ùهوم التذوق- إلى أربعة أضرب: ضرب Øسن Ù„Ùظه وجاد معناه ØŒ وضرب Øسن Ù„Ùظه ÙˆØلا Ùإذا Ùتشته لم تجد هناك طائلاً، وضرب جاد معناه وقصرت الألÙاظ عنه، وضرب تأخر Ù„Ùظه وتأخر معناه.([5])ØŒ ثم ÙÙŠ Øديثه عن المتكل٠من الشعر والمطبوع من الشعراء، وتعريÙÙ‡ للمتكل٠بأنه الذي نزل بصاØبه من طول التÙكير وشدة العناء ÙˆØ±Ø´Ø Ø§Ù„Ø¬Ø¨ÙŠÙ† وكثرة الضرورات ÙˆØذ٠ما بالمعاني Øاجة إليه وزيادة ما بالمعاني غنى عنه، أو أن ترى البيت Ùيه مقروناً بغير جاره ومضموماً إلى غير Ù„Ùقه. وأما المطبوع من الشعراء Ùهو الذي Ø³Ù…Ø Ø¨Ø§Ù„Ø´Ø¹Ø± واقتدر على القواÙÙŠ وأراك ÙÙŠ صدر بيته عجزه ÙˆÙÙŠ ÙاتØته قاÙيته، وتبينت ÙÙŠ شعره رونق الطبع ووشي الغريزة، وإذا امتØÙ† لم يتلعثم ولم يتزØّرْ.([6])
والشعراء ÙÙŠ الطبع- كما يرى- مختلÙون؛ Ùمنهم من يسهل عليه Ø§Ù„Ù…Ø¯ÙŠØ ÙˆÙŠØ¹Ø³Ø± عليه الهجاء، ومنهم من تتيسر له المراثي، ويعسر عليه الغزل، ولما قيل للعجاج إنك لا تØسن الهجاء قال: هل رأيت بانياً لا ÙŠØسن الهدم!! ويرد ابن قتيبة على قول العجاج مبيناً خطأه؛ لأن Ø§Ù„Ù…Ø¯ÙŠØ Ø¨Ù†Ø§Ø¡ والهجاء بناء، وليس كل بان٠بضرب بانياً بغيره، Ùذو الرمة مثلاً Ø£Øسن الناس تشبيهاً وأجودهم تشبيباً وأوصÙهم لرمل وهاجرة… Ùإذا صار إلى Ø§Ù„Ù…Ø¯ÙŠØ ÙˆØ§Ù„Ù‡Ø¬Ø§Ø¡ خانه الطبع، وكان الÙرزدق زير نساء وصاØب غزل، وكان مع ذلك لا يجيد التشبيب، وكان جرير عÙÙŠÙاً عن النساء وهو مع ذلك Ø£Øسن الناس تشبيباً، وكان الÙرزدق يقول:†ما Ø£Øوجه مع عÙته إلى صلابة شعري، وما Ø£Øوجني إلى رقة شعرهâ€.([7])
وغني عن البيان أن هذه النظرات النقدية إنما مردها إلى التذوق بدايةً ØŒ رغم ما Ø£Ùخذ على ابن قتيبة من تقريرية ÙÙŠ تقسيم الشعر وسيطرة Ù„Ù„Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø¹Ù„Ù…ÙŠØ© على نقده Ø£Øياناً، إلا أن هذه السيطرة Ù„Ù„Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø¹Ù„Ù…ÙŠØ© عنده كانت صائبة ÙÙŠ دعوتها إلى تØكيم النظر الشخصي والاستقلال بالرأي وتقدير الأشياء ÙÙŠ ذاتها، ورÙضه قبول القديم دائماً لقدمه ورÙضه رد الØديث أبداً Ù„Øداثته، وقد ÙˆÙÙ‚ ÙÙŠ هذه النزعة أكثر من توÙيقه ÙÙŠ النقد ذاته، ولعل ضع٠النقد عنده يرجع إلى غلبة تÙكيره على Øسه الأدبي Ùهو أقرب إلى التوجيه من النقد وإلى تقعيد القواعد من تطبيقها. وقد سعى إلى Ø·Ø±Ø Ø§Ù„Ø£Øكام التقليدية ورأى أن تستمر دراسة النصوص الأدبية القديمة الجيدة Øتى إذا تكوّن الذوق الشخصي لطول الممارسة Øكمناه Ùيما نقرأ وصدرنا عنه. وكان له Ùضل كبير ÙÙŠ إيقا٠طغيان التيارات الجديدة التي اعتمدت منطق اليونان ÙˆÙلسÙتها ÙÙŠ نقد الشعر Ùوق٠ÙÙŠ وجهها وسÙهها ورÙضها وأعاد للتذوق الأدبي قيمته المعتبرة، وإن لم يكن أقام مكان ما رÙضه نظرية متكاملة.([8])
الموازنة بين أبي تمام والبØتري للآمدي:
أما التØول الكبير الذي طرأ على هذا المنهج الأصيل دون أن ÙŠÙقد جذوره الثابتة وخصائصه الأولية Ùقد جاء علي يد أبي القاسم الØسن بن بشر بن ÙŠØيي الآمدي ÙÙŠ كتابه (الموازنة بين الطائيين أبي تمام والبØتري)ØŒ وقد خطا Ùيه خطوات واسعة قاربت التقعيد العلمي والتأصيل المنهجي اللذين نراهما ÙÙŠ عصرنا الØديث عند أساطين علماء المناهج عرباً كانوا أم أوربيين؛ Ùلا نكاد نجد شرطاً من شروط المنهج التي وضعها الشيخ Ù…Øمود شاكر إلا وقد تØقق ÙÙŠ هذا الكتاب؛ من جمع للمادة من مظانها على وجه الاستيعاب المتيسر، إلى تصني٠المجموع تصنيÙاً يوائم بين أجزائه ويلائم بين متناÙره، إلى تمØيص Ù…Ùردات المجموع تمØيصاً دقيقاً، إلى تØليل أجزاء المجموع الذي تم تمØيصه بدقة ومهارة ÙˆØذق ÙˆØذر، إلى ترتيب المادة بعد Ù†ÙÙŠ زيÙها وتمØيص جيدÙّها، إلى استيعاب اØتمالات الخطأ أو الهوى أو التسرع، إلى تØري الدقة ÙÙŠ وضع كل Øقيقة من الØقائق ÙÙŠ موضع هو ØÙ‚ موضعها.
ونستطيع أن Ù†Ù„Ù…Ø ÙƒÙ„ هذه الشروط واضØØ© ÙÙŠ كتابه من المقدمة إلى الخاتمة لا يكاد ÙŠÙسقط منها شرطاً إن لم يزد عليها شروطاً؛ Ùهو ÙÙŠ مقدمته يأخذ Ù†Ùسه بالموضوعية والمØايدة واعتماد الØÙ‚ وعدم اتباع الهوى؛ Ùيذكر Øجج الÙريقين وعلل تÙضيلهما لكلا الشاعرين؛ Ùمن Ùضل أبا تمام Ùقد†نسبه إلى غموض المعاني ودقتها، وكثرة ما يورده مما ÙŠØتاج إلى استنباط ÙˆØ´Ø±Ø ÙˆØ§Ø³ØªØ®Ø±Ø§Ø¬ØŒ وهؤلاء أهل المعاني والشعراء أصØاب الصنعة ومن يميل إلى التدقيق ÙˆÙلسÙÙŠ الكلامâ€([9])ØŒ ومن Ùضّل البØتري Ùقد†نسبه إلى Øلاوة اللÙظ ÙˆØسن التخلّص ووضع الكلام ÙÙŠ مواضعه وصØØ© العبارة وقرب المأتى وانكشا٠المعاني، وهم الكتّاب والأعراب والشعراء المطبوعون وأهل البلاغة.â€([10]). كما يذكر أن هناك من ساوى بين الشاعرين وجعلهما ÙÙŠ طبقة واØدة، وأن هناك من خال٠بينهما من Øيث الالتزام بعمود الشعر، ثم يعلن اختلا٠مذاهب الناس ÙÙŠ الشعر مبدياً توقÙÙ‡ عن تÙضيل شاعر بعينه على الآخر تاركاً الØكم للمتلقي المتذوق بعد أن يقرأ موازنته بين الشاعرين ÙÙŠ قصيدتين لهما متÙقتين وزناً وقاÙية وإعراب قاÙية، أو معنيين جديدين لهما، ويخاطب القارئ بعد ذلك بقوله:†ثم Ø£Øكم أنت Øينئذ على جملة ما لكل واØد منهما إذا Ø£Øطت علماً بالجيد والرديء.â€([11])ØŒ ثم يستش٠موق٠القارئ ÙˆØكمه من خلال ميله وذوقه؛ Ùيقول له:†Ùإن كنت ممن ÙŠÙضّل سهل الكلام وقريبه ويؤثر صØØ© السبك ÙˆØسن العبارة ÙˆØلو اللÙظ وكثرة الماء والرونق؛ ÙالبØتري أشعر عندك ضرورة، وإن كنت تميل إلى الصنعة والمعاني الغامضة التي تستخرج بالغوص والÙكرة ولا تلوي على ما سوى ذلك؛ Ùأبو تمام عندك أشعر لا Ù…Øالةâ€.([12])
وقد قسم كتابه إلى جملة أقسام: المØاجّة بين أنصار أبي تمام وأنصار البØتري، ثم مساوئ الشاعرين، ثم Ù…Øاسن الشاعرين، الموازنة بين معنى ومعنى، مقدماً لكل هذه المØاور بمقدمات Ù…Ùصلة تØتوي على ما يناسب الموضوع من استشهاد بالقرآن الكريم والØديث الشري٠والشعر وأقوال الرواة وعلماء اللغة، وابتدأ بذكر Øجج الÙريقين ثم مساوئ أبي تمام وسرقاته وأخطائه، ثم مساوئ البØتري وأخطائه، ثم Ù…Øاسن الشاعرين ومميزاتهما وخصائصهما وما قيل Ùيهما إنصاÙاً من الÙريق المضاد لهما.. ÙˆØين وجد الآمدي Ù†Ùسه غير متمكّن من الموازنة بين قصيدتين للشاعرين اتÙقتا ÙÙŠ الوزن والقاÙية والروي- وهو الأمر الذي أخذ به Ù†Ùسه من البداية- اضطر إلى أن يوازن بين معنى ومعنىâ€.([13])
وقد ظهر ÙÙŠ موازنة الآمدي بين الشاعرين ÙÙŠ هذه المعاني تÙضيل أبي تمام ÙÙŠ بعضها، ثم تÙضيل البØتري ÙÙŠ أغلبها، ولكنه Øين Ø£Øس بميله إلى البØتري- وكان قد ألزم Ù†Ùسه بترك الرأي للقارئ- قال:†بالله استعين على مجاهدة النÙس ومخالÙØ© الهوى وترك التØامل؛ Ùإنه جل اسمه Øسبي ونعم الوكيلâ€.([14])
ÙˆÙˆØ§Ø¶Ø Ù…Ù…Ø§ سبق أن التذوق عند الآمدي قد تØول إلى منهج ذي أسس وأصول وإجراءات قوامها التعليل والتÙصيل والتØرز وضرب المثال؛ لأنه إنما يعرض الØجج والآراء على عقول الناس وأذواقهم، والعارض- ÙÙŠ Øالة كهذه- لا بد له من تÙسير عرضه وتÙصيله وجمع جوانبه وضم أجزائه ولَمÙÙ‘ شتاته، دون أن يتورط ÙÙŠ إطلاق Ø£Øكام عامة كتلك الأØكام التي نقرؤها ÙÙŠ كتب التراث الأدبي عن أغزل بيت ÙˆØ£Ù…Ø¯Ø Ø¨ÙŠØª وأÙخر بيت وأرثى بيت؛ Ùهو إذن رجل منص٠دارس Ù…Øقق لا يقبل شيئاً بغير بينة ولا يقدم Øكماً بغير دليل، ÙˆÙˆØ§Ø¶Ø Ø£ÙŠØ¶Ø§Ù‹ أن (المنهج) على يديه قد قام على أمرين: المعرÙØ© والتذوق، وهذا التذوق تم له بعد أن ألمَّ إلماماً واسعاً بعلوم عصره العربية والأجنبية، يقول الدكتور Ù…Øمد مندور:†وهو Ùيما يبدو لم يكن يجهل شيئاً لا من علوم العربية وآدابها التقليدية ÙØسب بل ولا من العلوم الÙلسÙية المستØدثة، وإن تكن العلوم لم تبهره ولا ضللت Ø£Øكامه عن الشعر والأدب، وعنده- كما رأينا- أن أساس كل نقد صØÙŠØ Ù‡Ùˆ الذوق Ùمن ØÙرمه لا يمكن أن يستعيض عنه بأي شيء آخرâ€.([15])
وهذا الذوق الذي هو ÙÙŠ ذاته مَلَكةٌ مستقلة لا بد أن ÙŠÙدرب- بØسب رأي الآمدي- على صناعة النقد تدريباً طويلاً، ولا يكÙÙŠ أن ÙŠØÙظ المرء القصائد الطوال ويعر٠أصول اللغة ليكون ناقداً كما ÙˆÙŽÙ‡ÙÙ…ÙŽ الصولي، أو يدرس ÙلسÙØ© أرسطو وتشقيقاته ÙÙŠØµÙ„Ø Ù„Ø£Ù† يكتب كتاباً عن نقد الشعر كما Ùعل قدامة بن جعÙر؛ Ùالشعر ليس علماً وإن كان العلم من أدواته، وليس ÙلسÙةً وإن كان جمال الصياغة يرÙع الÙلسÙØ© إلى مستوى الشعر، وهو ÙÙŠ تركيزه على الذوق يرى أن المعنى اللطي٠Øين لا تÙØسن صياغته يكون مثل الطراز الجيد على الثوب الخلق أو Ù†ÙØ« العبير على خد الجارية القبيØØ© الوجه، وأن Øسن التألي٠وبراعة اللÙظ يزيد المعنى المكشو٠المتداول بهاءً ÙˆØسناً ورونقاً وغرابة وزيادة لم تعهد Ùيه، وهذا- كما يذكر Ù…Øمد مندور-†هو رأي معظم نقاد أوروبا اليوم الذين يرون أن أمر المعاني ÙÙŠ الشعر ثانوي بالنسبة إلى الصياغةâ€.([16])
دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني:
استطاع الإمام عبد القاهر الجرجاني أن ينقل هذا المنهج إلى البلاغة Ù…Øاولاً وضع قواعد Ùنية للبلاغة العربية من خلال اعتماده على الجمال الÙني ÙˆØسن التذوق؛ Ùأطلق نظريته الشهيرة بـ(نظرية النظم) التي سبقه إليها أبو عبد الله Ù…Øمد بن زيد الواسطي المتكلم الذي أل٠كتابا سماه (إعجاز القرآن ÙÙŠ نظمه)ØŒ غير أن الجرجاني كان هو الذي بسط القول Ùيها وأقام على أساسها ÙلسÙØ© كتابه (دلائل الإعجاز) متأثراً بنشوب الصراع الذي أثاره امتزاج الثقاÙات وتعصب المتأثرين بالÙلسÙØ© اليونانية لها ودÙاع Ù…Ùكري العربية وعلمائها عن تراثهم وثقاÙتهم، ومنها الثقاÙØ© النØوية. ولعل Ø£ÙˆØ¶Ø Ù…Ø«Ø§Ù„ لهذا الصراع تلك المناظرة الØادة التي قامت بين الØسن بن عبد الله المرزباني المعرو٠بأبي سعيد السيراÙÙŠ وبين أبي بشر متى بن يونس ÙÙŠ مجلس الوزير أبي الÙØªØ Ø§Ù„Ùضل بن جعÙر بن الÙرات.[17]
وخلاصة نظرية النظم†أن ترتيب المعاني ÙÙŠ الذهن هو الذي يقتضي ترتيب الألÙاظ ÙÙŠ العبارة، وأن اللÙظ لا مزية له ÙÙŠ ذاته وإنما مزيته ÙÙŠ تناسق معناه مع معنى اللÙظ الذي يجاوره ÙÙŠ النظم.. وأن الجمال الÙني رهينٌ بØسن النسق ÙˆØسن النظم، كما أنه لا اللÙظ منÙرداً موضع Øكم أدبي، ولا المعنى قبل أن ÙŠÙعبر عنه ÙÙŠ Ù„Ùظ، وإنما هما باجتماعهما ÙÙŠ نظم يكونان موضع استØسان أو استهجان.â€([18])Ø› Ùالنظم عند الجرجاني هو:†تعليق الكلم بعضها ببعض٠وجعل بعضها بسبب٠من بعض.â€([19])ØŒ ÙÙ€â€Ù„ا نظم ÙÙŠ الكلم ولا ترتيب Øتى يعلق بعضها ببعض, ويÙبنى بعضها على بعض وتÙجعل هذه بسبب من تلك.â€([20])ØŒ وأن الألÙاظ†لا تتÙاضل من Øيث هي ألÙاظ مجردة ولا من Øيث هي كلم Ù…Ùردة، وأن الألÙاظ تثبت لها الÙضيلة وخلاÙها، ÙÙŠ ملائمة معنى اللÙظة لمعنى التي تليها.â€([21])Ø› لأنك لا تجد Ø£Øداً يقول:â€Ù‡Ø°Ù‡ اللÙظة ÙصيØØ© إلا وهو يعتبر مكانها من النظم ÙˆØسن ملائمة معناها لمعنى جاراتها ÙˆÙضل مؤانستها لأخواتهاâ€.([22])
ÙاستØسان عبد القاهر للÙظ مشروط بØسن تلاؤم معنى اللÙظة مع معنى الألÙاظ المجاورة لها، ومراعاة ترتيب المعاني ÙÙŠ النÙس ثم اختيار الألÙاظ الدالة عليها،†Ùلو كانت الكلمة إذا Øسنت Øسنت من Øيث هي Ù„Ùظ، وإذا استØقت المزية والشر٠استØقت ذلك ÙÙŠ ذاتها وعلى انÙرادها دون أن يكون السبب ÙÙŠ ذلك Øال لها مع أخواتها المجاورة لها ÙÙŠ النظم؛ لما اختل٠بها الØال ولكانت إما أن تØسن أبداً أو لا تØسن أبداًâ€.([23])
غير أن المعنى يكتسب عند عبد القاهر أهمية كبيرة من Øيث هو أساس للÙظ واللÙظ رداءٌ له، ولأن الألÙاظ صورة صوتية تØمل المعاني ورموز تÙØركها داخل الذهن، وهي مرتبة ÙÙŠ Ù†Ùس المتكلم Øسب ترتيب المعاني، Ùإن تبدلت المعاني أو اضطربت ÙÙŠ الذهن والتÙكير؛ تبدلت الألÙاظ واضطربت تبعاً لتبدل المعاني واضطرابها، ومن هنا جاءت الصلة الداخلية والتلاØÙ… المستكن بين المعنى الدائر ÙÙŠ النÙس وبين اللÙظ المناسب له؛ Ùالكاتب Øين يكتب والشاعر Øين ينظم لا ÙŠÙكر ÙÙŠ الألÙاظ ولا يطلبها بØال، وإنما يطلب المعنى Ùتجيء ألÙاظه على قدر ما طلبه من معانÙØ› لأن عملية التÙكير بالمعنى سابقة على عملية التÙكير باللÙظ؛ ولذلك يقول عبد القاهر:â€.. وأنك تتوخى الترتيب ÙÙŠ المعاني وتعمل الÙكرة هناك، Ùإذا تم لك ذلك أتبعتها الألÙاظ وقÙوت بها آثارها، وأنك إذا Ùرغت من عملية ترتيب المعاني ÙÙŠ Ù†Ùسك لم تØتج إلى أن تستأن٠Ùكراً ÙÙŠ ترتيب الألÙاظ بل تجدها تترتب لك بØكم أنها خدم للمعاني وتابعة لها ولاØقة بهاâ€.([24])
وقد كان لعبد القاهر ونظريته Ùضل كبير ÙÙŠ الدراسات اللغوية، وربط منهج التذوق معنى ولÙظاً باللغة وتراكيبها؛ Ùهو ÙÙŠ تعريÙÙ‡ الأساس لنظرية النظم يؤكد على أن النظم هو: وضع الكلام ÙÙŠ الوضع الذي يقتضيه علم النØو، Ùليس المهم ÙÙŠ اللغة الألÙاظ مجردةً بل المهم هو الصلة بين هذه الألÙاظ وما تقوم عليها، ولا تقوم اللغة إلا على العلاقة التركيبية بين الألÙاظ وليس على الألÙاظ المجردة. وكأنه يقصد بالنظم من خلال تعريÙÙ‡ هذا ما يطلق عليه الغربيون اليوم علم التراكيب (syntaxe)ØŒ وهو عندهم أهم أجزاء النØÙˆ.([25])
وقد Ù„Ùت الدكتور Ù…Øمد مندور الانتباه إلى هذه الأسس اللغوية لمنهج الجرجاني مبيناً أن هذه الأسس هي Ø£Øدث ما وصل إليه علم اللغة ÙÙŠ أوربا على يد العالم السويسري Ùردناند دي سوسير، وموضØاً سبق الجرجاني له بمئات السنين ÙÙŠ التركيز على الÙكرة القائلة بأن اللغة ليست مجموعة من الألÙاظ بل مجموعة من العلاقات( système de rapports )ØŒ وعلى هذا الأساس العام بنى عبد القاهر كل تÙكيره اللغوي الÙنيâ€.([26])
إلا أن بعض النقاد أخذ على عبد القاهر الجرجاني إغÙاله- ÙÙŠ غمرة تأسيسه لمØورية المعنى- للجانب الصوتي من اللÙظ Ù…Ùرداً ومجتمعاً من خلال الإيقاع الموسيقي والظلال الÙنية التي تكتن٠اللÙظ ÙÙŠ ذاته دون النظر إلى نظمه ÙÙŠ العبارة أو نسقه ÙÙŠ الجملة ([27])ØŒ وكان الداÙع إلى هذا المأخذ عند البعض أن النظرية التي جاء بها الجرجاني جاءت مكتملة وسابقة لعصرها ومؤسسة لمجموعة من النظريات المنبثقة عنها، ولا ÙŠØµØ Ø¨Øال أن يغÙÙ„ الجرجاني رغم هذا الاكتمال جانباً مهماً يمثل إغÙاله نقصاً ÙÙŠ هذه النظرية، وهذا ما أشار إليه الدكتور Ù…Øمد زكي العشماوي بقوله:†لا ينبغي أن نكتÙÙŠ ÙÙŠ منهج لغوي كهذا بالإشارة إلى هذا الجانب مجرد إشارة، بل إن الموق٠كان ÙŠØتم على عبد القاهر أن يكث٠علاقة الأصوات باللغة ووظيÙتها ÙÙŠ أداء المعنى، وعلى الأخص أنه متهم- Ù„Ùرط Øماسته وغيرته على تأكيد الوØدة بين اللÙظ والمعنى- بإغÙاله جانب اللÙظ وإنكاره لقيمته من Øيث هو صوت مسموع، ومع إيماننا بأن اللÙظ المÙرد لا يكتسب قيمته الصوتية أو الشعورية إلا إذا جاء ÙÙŠ شكل سياق، إلا أننا لا نذهب إلى إنكار قيمته الصوتية ÙÙŠ الشعر جملة، كما أننا لا ينبغي أن نكتÙÙŠ بمجرد الإشارة إلى أن الصوت جزء من المعنى بل ينبغي أن Ù†Øدد طبيعة العلاقات الإيجابية بين الأصوات ومعانيهاâ€.([28])
بيد أن هذا المأخذ ÙÙŠ النظرية لا يمثل نقصاً مؤثراً Ùيها؛ لأن الجرجاني إنما كان يدرس بلاغة الكلام من Øيث علاقاته اللغوية وارتباطاته النØوية من خلال قضية إعجاز القرآن الكريم الذي تَمَثَّلَ ÙÙŠ نظمه ونسقه، وليس ÙÙŠ Ù„Ùظه منÙرداً أو ÙÙŠ معناه منÙرداً، وكان هدÙÙ‡ الأساس هو رد آراء القاضي عبد الجبار المعتزلي عن جزالة اللÙظ ÙˆØسن المعنى، وعن الوجوه التي يقع بها التÙاضل ÙÙŠ ÙصاØØ© الكلام، وأن الÙصاØØ© لا تظهر ÙÙŠ Ø£Ùراد الكلم وإنما تظهر بالضم على طريقة مخصوصة، وأن المعاني لا يقع Ùيها التزايد، وغير ذلك من آراء المعتزلة ÙÙŠ قضية إعجاز القرآن التي ضمها كتاب (المغني) للقاضي عبد الجبار، وردها الجرجاني دون أن يشير إلى صاØبها لشهرته آنذاك وشهرة آرائه.([29])
وسيكون من ناÙلة القول بعد هذا الرصد المختصر لأطوار منهج التذوق ÙÙŠ كتابات العلماء والأدباء العرب أن نشير إلى أن غالب من أل٠وكتب ÙÙŠ العربية والأدب العربي كان يتكأ ÙÙŠ دراساته الأدبية واللغوية على أساس من منهج التذوق الذي هو ألصق شئ بالعرب كجنس، وألصق شيء بالأدب العربي كتراث، Øتى كأن اللغة العربية Ù†Ùسها تذوقية بØتة، تظهر ألÙاظها بمعانيها ÙÙŠ أشكال وهيئات تكاد تكون Ù…Øسوسة وملموسة تصوراً وخيالاً.
منهج التذوق ÙÙŠ العصر الØديث:
وقد عاد هذا المنهج العربي الأصيل إلى الظهور بقوة- رغم المعوقات التغريبية التي واجهته- ÙÙŠ العصر الØديث مع بداية ظهور تيارات التأصيل ÙÙŠ الأدب العربي على يد Ùريقين من النقاد:
Ùريق التزم التزاماً كاملاً بالأصالة العربية واعتمد عليها ÙÙŠ تجديد هذا المنهج وإعادة صياغته من جديد، أمثال: Øسين المرصÙÙŠØŒ ومصطÙÙ‰ صادق الراÙعي، ومØمود شاكر.
ÙˆÙريق تأثر تأثراً واضØاً بالمثاقÙØ© السلبية أو الإيجابية مع الغرب ثم عاد إلى المنهج الأصيل مع انتقال الانطباعية الغربية إلى النقد العربي بمسميات مختلÙØ© (كالتأثرية أو الذاتية أو الانÙعالية)ØŒ وقد اعتبر بعض٠الباØثين طه Øسين رائداً للنقد الانطباعي التذوقي ÙÙŠ العصر الØديث، رغم التØامه Ø§Ù„ÙˆØ§Ø¶Ø Ø¨Ø§Ù„Ù…Ù†Ù‡Ø¬ التاريخي؛ لأنه أدرك- كما يرى هؤلاء- أن طبيعة النص الأدبي ليست ÙÙŠ يد المؤرخ، وأن الØضور الانطباعي ضرورة يقتضيها النقص الذي يواجه الناقد/المؤرخ.([30])
وبمثل ذلك يؤمن تلميذه الدكتور Ù…Øمد مندور الذي تظل (الانطباعية التذوقية) عنده هي الثابت النقدي الكبير ÙÙŠ تØولاته المنهجية المختلÙØ© لاعتقاده أن†المنهج التأثري الذي يسخر منه اليوم بعض الجهلاء ويظنونه منهجاً بدائياً عتيقاً بالياً لا يزال قائماً وضرورياً وبديهياً ÙÙŠ كل نقد أدبي سليم، ما دام الأدب كله لا يمكن أن يتØول إلى معادلات رياضية أو إلى Ø£Øجام تقاس بالمتر والسنتي، أو توزن بالغرام والدرهمâ€.([31])
ÙˆÙŠØªØ¶Ø Ø§Ù‡ØªÙ…Ø§Ù… مندور بهذا المنهج والمناÙØØ© عنه من خلال المعركة الأدبية التي نشبت بينه وبين الدكتور زكي نجيب Ù…Øمود Øين اختلÙا ÙÙŠ قيام النقد على الذوق أم على العلم؟ Ùبينما يرى مندور أن النقد ليس علماً وما ينبغي أن يكون، وأن قوام النقد ومرجعه كله إلى التذوق، وأن للذوق الشخصي الكلمة العليا ÙÙŠ نقد الÙنون، وأن الذوق المقصود هو الذوق المدرب المصقول بطول الدربة والممارسة؛ أي الذوق المعلل ÙÙŠ Øدود الممكن؛ كان زكي نجيب Ù…Øمود يرى أن النقد علم، والعلم عنده هو منهج البØØ«Ø› أي مجموعة القوانين التي تÙسر الظواهر، ومرجعه إلى العقل لا الذوق، وأن الاØتكام المطلق إلى الذوق هو إشاعة للÙوضى النقدية؛ Ùالقارئ الذي Ø³ÙŠØµØ¨Ø Ù†Ø§Ù‚Ø¯Ø§Ù‹ إنما يقرأ القراءة الأولى Ùلا يسعه إلا أن ÙŠØب ما قرأه أو يكرهه، ثم يهم بالكتابة Ù„ÙŠÙˆØ¶Ø ÙˆØ¬Ù‡Ø© نظره، أي ليعلل رأيه، والتعليل عملية عقلية؛ لأنه رد الظواهر إلى أسبابها، ومعنى ذلك أن الذوق خطوة أولى تسبق النقد، وليس هو النقد، إذ النقد يجيء تعليلاً له؛ Ùهناك إذن مرØلتان: مرØلة أولى يميزها ذوق يختار ما يقرأ لا يتجاوز دوره إعداد المادة الخام للعملية النقدية، ومرØلة ثانية يميزها العقل والمنهجية العلمية التي تØلل وتعلل وتÙسر وتستعين بكل ما أمكن من علوم.
وبعد Ù†ØÙˆ ستة عشر عاماً من تلك المعركة بين الناقدين رأينا Ù…Øمد مندور يميز- ÙÙŠ نطاق النقد التأثري الانطباعي- بين مرØلتين أساسيتين: مرØلة (الذوق الÙردي)ØŒ ثم مرØلة (التبرير والتÙسير الموضوعي) معرباً عن أن الناقد الذي يق٠على عتبة المرØلة التأثرية مكتÙياً بأن يقول: هذا جميل وذاك قبيØØŒ وهذا أسود وذاك أبيض، Ùإنه ÙÙŠ الØقيقة لا يعتبر عندئذ ناقداً على الإطلاق بل يعتبر معتوهاً أو مستهتراً لا يعبأ بما يقوله Ø£Øد ولا ينبغي أن يعبأâ€. وقد عاود الإعراب عن القناعة ذاتها ÙÙŠ كتابه المتأخر (معارك أدبية) والذي يقول Ùيه:†والنقد التأثري لا زلت أعتقد أنه الأساس الذي يجب أن يقوم عليه كل نقد سليم، وذلك لأننا لا يمكن أن ندرك القيم الجمالية ÙÙŠ الأدب بأي تØليل موضوعي ولا بتطبيق أية أصول أو قواعد تطبيقاً آلياً، وإلا لجاز أن يدعي مدع أنه قد أدرك طعم هذا الشراب أو ذاك بتØليله ÙÙŠ المعمل إلى عناصره الأولية، وإنما تدرك الطعوم بالتذوق المباشر، ثم نستعين بعد ذلك بالتØليل والقواعد والأصول ÙÙŠ Ù…Øاولة تÙسير هذه الطعوم وتعليل Øلاوتها أو مرارتها على Ù†ØÙˆ يعين الغير على تذوقها والخروج بنتيجة مماثلة للنتيجة التي خرج بها الناقد بÙضل ملكته التذوقية المدربة المرهÙØ© السليمة التكوين.â€([32])ØŒ ثم يختم كلامه بالإشارة إلى أن مذهبه النقدي قد استقر ÙÙŠ صورته المنهجية الأخيرة على أساسين اثنين:†أساس إيديولوجي ينظر ÙÙŠ المصادر والأهدا٠وÙÙŠ أسلوب العلاج، وأساس Ùني جمالي ينتظم ÙÙŠ مرØلتين Øاول دائما أن أجمع بينهما ÙÙŠ كل نقد تطبيقي أقوم به وهما: المرØلة التأثرية التي أبدأها دائما بأن أقرأ الكتاب المنقود قراءة دقيقة متأنية، لأØاول أن أتبين الانطباعات التي خلÙها ÙÙŠ Ù†Ùسي، ثم مرØلة التعليل والتÙسير، وهي المرØلة التي Ø£Øاول Ùيها تÙسير انطباعاتي وتبريرها بØجج جمالية ÙˆÙنية يمكن أن يقبلها الغير وأن تهديه إلى الإØساس بمثل ما Ø£Øسست به عند قراءتي للكتاب المنقود.â€([33])ØŒ وواضØÙŒ أن هذا الكلام من مندور هو رجوع إلى رأي زكي نجيب Ù…Øمود عن مراØÙ„ النقد ذوقياً وعلمياً.
وكذلك دعا الناقد ÙŠØÙŠ Øقي ÙÙŠ مقدمة كتابه: (خطوات ÙÙŠ النقد) الجيل الجديد إلى ألا ÙŠØطوا على الÙÙ† كلاكل نظريات النقد المستوردة التي تخنقه، معرباً عن انتمائه للمنهج التذوقي وراÙضاً إثقال الأعمال الأدبية المليئة بالمشاعر والأØاسيس والعواط٠بالنظريات والتقسيمات الجاÙØ©.([34])
وعليه؛ وإن منهج التذوق هو أكثر المناهج Ù†Ùاذاً إلى منظومات المناهج الأدبية كلها، ولن نكون مغالين إذا قلنا: إن خصوصية منهج التذوق تكمن ÙÙŠ عموميته؛ Ùهو أكثر المناهج تÙاعلاً مع غيره، ولن نجد منهجاً أدبياً إلا اØتاج إليه أو اتكأ عليه أو انطلق منه ÙÙŠ مرØلة من مراØله
وعليه؛ وإن منهج التذوق هو أكثر المناهج Ù†Ùاذاً إلى منظومات المناهج الأدبية كلها، ولن نكون مغالين إذا قلنا: إن خصوصية منهج التذوق تكمن ÙÙŠ عموميته؛ Ùهو أكثر المناهج تÙاعلاً مع غيره، ولن نجد منهجاً أدبياً إلا اØتاج إليه أو اتكأ عليه أو انطلق منه ÙÙŠ مرØلة من مراØله؛ ÙصاØب المنهج التاريخي الذي يستهد٠ÙÙŠ دراسته معرÙØ© مدى تأثر النص ببيئته والبيئة المØيطة به، ومعرÙØ© مدى تأثر الأدب والأديب بوسطه، ومعرÙØ© الأطوار التي مر بها ÙÙ† من الÙنون الأدبية، ومعرÙØ© الآراء السابقة التي قيلت ÙÙŠ النص والموازنة بينها، ومعرÙØ© الخصائص المØيطة بأدب أمة من الأمم، والتوثق من صØØ© نسبة النص لقائله.. صاØب هذا المنهج لابد أن يبدأ أولاً من التعر٠على النص متذوقاً ومØللاً، Øتى يستطيع الوصول إلى معرÙØ© كل ما سبق. وصاØب المنهج النÙسي الذي يهتم بكيÙية العمل الأدبي وتØديد عناصره الشعورية وغير الشعورية، والتعر٠على العلاقات النÙسية بين موضوع التجربة الشعورية Ùˆ التغييرات اللÙظية، ثم البØØ« عن الدواÙع الداخلية والخارجية التي أدت إلى إنشاء العمل الأدبي، ومعرÙØ© دلالة العمل الأدبي على Ù†Ùسية الأديب والتطورات التي مر بها وميوله واتجاهاته، ومعرÙØ© الأثر الذي تركه النص ÙÙŠ قرائه مع تØديد العلاقة بين النص وتجارب قرائه وتØديد نوع هذا الأثر.. صاØب هذا المنهج لا بد له أيضاً أن يبدأ من النص متذوقاً ومØللاً ليصل إلى معرÙØ© كل ما سبق. وتقاس على ذلك أيضاً بقية المناهج اللغوية والجمالية والاجتماعية وما Ø£Øدثته الØداثة من مناهج أسلوبية وبنيوية وتÙكيكية؛ Ùكلها تبدأ من النص وتنتهي به، مع ما ÙÙŠ إجراءاتها من تباينات شديدة تكاد توقعها ÙÙŠ التضاد والتناقض.
ولهذا؛ Ùإن منهج التذوق يتعامل مع النص ذاته دون أن ÙŠÙغÙÙ„ علاقته بنÙس صاØبه أو تÙاعله ببيئته تأثراً وتأثيراً ØŒ ولكنه ÙŠØتÙظ للنص بقيمه الÙنية Ø› Ùلا يغرقها ÙÙŠ البØوث التاريخية والدراسات النÙسية، ويØتÙظ لصاØب النص بشخصيته الذاتية؛ Ùلا تضيع ÙÙŠ غمار الجماعة ومتغيراتها، ويØتÙظ للمؤثرات العامة بأثرها ÙÙŠ التوجيه والتلوين وليس خلق الموهبة أو ÙÙŠ تكوين طبيعة Ø¥Øساسها بالØياة.([35])
وإذا كان العقل والعاطÙØ© والØس من عناصر التذوق، والبيئة والزمان والجنس والتربية من المؤثرات ÙÙŠ التذوق؛ Ùليس غريباً أن نجد للمنهج التاريخي، وللمنهج الاجتماعي، وللمنهج النÙسي، ولمنظومات المناهج اللغوية، بصمات٠واضØØ© ÙÙŠ منهج التذوق تزيد من Ùعاليته وقدرته على مواجهة العمل الأدبي، وتÙكوÙّن٠خواص هذه المناهج وإجراءاتها التطبيقية رواÙد مهمة تضا٠إلى آليات منهج التذوق دون أن تجور على أسسه الثابتة. وما دام الأدب نتاجاً إنسانياً إبداعياً لغوياً Ùإن على الناقد ألا يهمل أي جانب من الجوانب التي قد تضئ المناطق المظلمة ÙÙŠ العمل الأدبي.
وليس معنى هذا أن منهج التذوق منهجٌ تلÙيقيٌ توÙيقيٌ، أو منهج غائم لا Ù…Ù„Ø§Ù…Ø Ù„Ù‡ØŒ بل معناه أنه منهج ÙŠØمل ÙÙŠ ذاته خصوصية الانÙØªØ§Ø Ø§Ù„ØªÙƒØ§Ù…Ù„ÙŠ على المناهج الأخرى؛ يؤثر Ùيها ويتأثر بها؛ ÙيمنØها الأسس الأولية لمصاÙØØ© العمل الأدبي وموضوعاته المختلÙØ©ØŒ ويأخذ منها الأدوات الإجرائية التي ØªØµÙ„Ø Ù„Ù…ÙˆØ§Ø¬Ù‡Ø© الجزئيات التÙصيلة ÙÙŠ العمل الأدبي.
ولأمر٠ما كان منهج التذوق بخصوصيته العامة وعموميته الخاصة أكثر المناهج ملائمة لطبيعة اللغة العربية وآدابها؛ لأنه أكثر المناهج انÙتاØاً- تأثيراً وتأثراً- على المناهج الأخرى.. وقد ساعدت عودة٠هذا المنهج ÙÙŠ العصر الØديث ÙÙŠ عودة اللغة العربية وآدابها إلى طبيعتها التذوقية بعد اطلاع الرواد الأوائل ÙÙŠ العصر الØديث على ما أخرجته المطابع من كتب التراث العربي عموماً والأدب خصوصاً؛ Ùجاءت اليقظة اللغوية الأولى عربية خالصة مَثَّلَ قلق٠الرواد الأوائل Ùيها على Øال اللغة والأدب Øجر الزاوية ÙÙŠ اكتمال بنائها ÙˆØ§ØªØ¶Ø§Ø Ø£Ø¨Ø¹Ø§Ø¯Ù‡Ø§..
وهذا ما سنعرÙÙ‡- إن شاء الله- ÙÙŠ المقال القادم Øين نتناول عوامل يقظة اللغة العربية ÙÙŠ العصر الØديث بعد خمولها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]Ù€ الأغاني Ù€ أبو الÙرج الأصÙهاني Ù€ تØقيق : سمير جابر Ù€ دار الÙكر Ù€ بيروت Ù€ Ø·2 Ù€ ج 18 Ù€ ص 23 Ù€ 24
[2]Ù€ طبقات ÙØول الشعراء 1 ــ 7 .
[3]Ù€ طبقات ÙØول الشعراء Ù€ 1 Ù€ 60 .
[4] Ù€ طبقات ÙØول الشعراء Ù€ ابن سلام 1Ù€ 5 .
[5]Ù€ الشعر والشعراء Ù€ ابن قتيبة Ù€ تØقيق : د. Ù…Ùيد قميØØ© Ù€ دار الكتب العلمية Ù€ بيروت1985Ù… Ù€ Ø·2 Ù€ ص7Ù€9 .
[6] ـ الشعر والشعراء ـ ابن قتيبة ـ ص26 .
[7] ـ الشعر والشعراء ـ ابن قتيبة ـ ص 28ـ29 .
[8] Ù€ النقد المنهجي عند العرب Ù€ Ù…Øمد مندور Ù€ ص 48 .
[9] ـ الموازنة ـ الآمدي ـ ص 6
[10] ـ الموازنة ـ الآمدي ـ ص 6 .
[11] ـ الموازنة ـ الآمدي ـ ص7 .
[12] ـ الموازنة ـ الآمدي ـ ص7 .
[13] ـ الموازنة ـ الآمدي ـ ص 405
[14] ـ الموازنة ـ الآمدي ـ ص405
[15] Ù€ النقد المنهجي عند العرب Ù€ Ù…Øمد مندور Ù€ ص 119 .
[16] Ù€ النقد المنهجي عند العرب Ù€ Ù…Øمد مندور Ù€ ص 122 .
[17] ـ البيان العربي ـ د.بدوي طبانة ـ دار العودة ـ بيروت ـ ط5 ـ ص165-166 .
[18] ـ النقد الأدبي ـ سيد قطب ـ مرجع سابق ـ ص 143 .
[19] Ù€ دلائل الإعجاز Ù€ عبد القاهر الجرجاني Ù€ قرأه : Ù…Øمود شاكر Ù€ مكتبة الخانجي Ù€ القاهرة1989Ù… Ù€ ص77.
[20] ـ دلائل الإعجاز ـ عبد القاهر الجرجاني ـ ص13.
[21] ـ دلائل الإعجاز ـ عبد القاهر الجرجاني ـ ص59.
[22] ـ دلائل الإعجاز ـ عبد القاهر الجرجاني ـ ص53 .
[23] ـ دلائل الإعجاز ـ عبد القاهر الجرجاني ـ ص55.
[24] ـ دلائل الإعجاز ـ عبد القاهر الجرجاني ـ ص59 .
[25] ـالنقد الأدبي الØديث Ù€ Ù…Øمد غنيمي هلال Ù€ دار الثقاÙØ© Ù€ بيروت Ù€ ص 277 .
[26] Ù€ ÙÙŠ الميزان الجديد Ù€ Ù…Øمد مندور Ù€ مكتبة نهضة مصر Ù€ Ø·3 Ù€ ص 175 .
[27] ـ النقد الأدبي ـ سيد قطب ـ ص145 .
[28] Ù€ قضايا النقد الأدبي بين القديم Ùˆ الØديث Ù€ د.Ù…Øمد زكي العشماوي Ù€ ص305
[29] Ù€ انظر: مقدمة الشيخ Ù…Øمود شاكر لكتاب دلائل الإعجاز Ù€ مكتبة الخانجي Ù€ القاهرة 2004 Ù€ Ø·5
[30] Ù€ انظر : المرايا المتجاورة ØŒ دراسة ÙÙŠ نقد طه Øسين Ù€ جابر عصÙور Ù€ دار قباء للطباعة والنشر Ù€ 1998Ù… Ù€ Ø·1 .
[31]Ù€ ÙÙŠ الميزان الجديد Ù€ Ù…Øمد مندور Ù€ مكتبة نهضة مصر Ù€ القاهرة Ù€ ص 70.
[32] Ù€ معارك أدبية Ù€ Ù…Øمد مندور Ù€ دار نهضة مصر Ù€ القاهرة 2009Ù… Ù€ Ø·2 Ù€ ص 32 .
[33] Ù€ معارك أدبية Ù€ Ù…Øمد مندور Ù€ ص 40 .
[34] Ù€ خطوات ÙÙŠ النقد Ù€ ÙŠØÙŠ Øقي Ù€ دار نهضة مصر Ù€ القاهرة 2008Ù… ــ Ø·1 Ù€ ص 5 .
[35] ـ النقد الأدبي ـ سيد قطب ـ ص255 ـ 256 .