مقامات الطريق الصوفى، آخر ما أرسل إليَّ وكأنه يوصيني أستاذي الحبيب وصديقي الجليل الدكتور حامد طاهر، رحمه الله وطيب ثراه!

خانَ الخليلي والهوى الحُسينِي
وعبَقَ الأمسِ جميعًا أَعنِي
اللهُ مِن أي الجِنان جِئتا
شممتُ سرَّ مصرَ حين فُحتا

الربط هنا

رغم تقدمه فى العمرْ
كان الشيخ الجالس فى صدر الحلقهْ
ما زال مهيبا بعمامته الخضراء
ولحيته البيضاء
وكان صموتا لا يتكلم إلا بالحكمهْ
وإذا سكت فلا يجرؤ أحد
أن يسأله إلا إن سمح بذلكْ
ولهذا كان مريدوه يظلون سكوتا بيْن يديْه
وإشارات من تكفى :
أن يبدأ أنداهم صوتا بالإنشاد
أو ينهى معزوفته
أو يسرع خادمه
ليجيء إليه بكوب الينسون ْ
وإذا أقبل زائر
همس مريد فى أذنيه بمقدمه
فيوافق أو يرفض ..
ـــــــــ
ذات صباح
وصل الدرويش المبتدئ لباب الزاوية
وطالب بلقاء الشيخ
ـــ لماذا ؟
ـــ كى أتلقى منه البركة ،
وأحدثه فى بعض أمورى ..
سمع الشيخ ، فقال
ـــ دعوه يدخل
إنى أنتظر مجيئه
اندهش مريدو الشيخ وقالوا :
ـــ هل تعرفه يا مولانا ؟!
ـــ كانت رؤيا من أيام
وهاهى تتحقق .
ـــــــــــــ
دخال الدرويش المبتدئ على الشيخ
قبّل كفيهْ
واقترب قليلا حتى باس عمامته الخضراء
ابتسم الشيخ ، وقال :
ـــ اجلس ياولدى .. ماذا عندك ؟
قال الدرويش بصوت مرتعش مبحوحْ :
ـــ ياشيخى ، بالله عليك
أرجو أن تغمرنى بحنانك
وسماحة نفسك
ونعلّمنى كيف عبور الدربْ
حتى أجتاز بدون عناء صخرته
وأنال القربْ
اعتدل الشيخ ، وقال :
ـــ اسمع يا ولدى ..
لا راحة فى هذا الدرب
فهو المختلط بأشواك الأرض ،
مليء بالعقبات الكبرى والصغرى ،
وهموم القلبْ !
لكنّ نهايته تفضى لنعيم الجنهْ
ولقاء الربْ !
ـــ وبأى كفاح يا شيخى أبدأ ؟
ـــ ابدأ بكفاح النفسْ
ولتخمدْ كل مطالبها فى صدرك
حتى لا يُسمع منها .. حتى الهمسْ
ثم اشفعْ ذلك بالجوع
جوع الجسد الهائج حتى تخمد منه الشهوات
والرغبات
ويصير الأكل وكل ملذات الدنيا
مثل سموم الحيّات !
وإذا كان الصيف ..
فامنعْ نفسك من شرب الماء البارد
حتى لا تتلذذ ببرودته !
واحرصْ أن تروى عطشك بالذكر
ذكر الأحد الواحد ، طول اليوم وآناء الليلْ
ـــ لكن ماذا إن ضعفت نفسى عن شيء من ذلك؟
ـــ هذا قد يحدث فى أولى خطواتك
حيث الشيطان الملعون يوسوس لك
ويظل يزيّن فى عينك حلو الدنيا ولذيذ العيش
لكنك حين تقاومه ، ويراك الأقوى منه
ينسحب ، ويتركك لحالك ..
ولكى تثبت صدق ولائك
اخرجْ للصحراء القاحلة ،
ونمْ فيها من غير غطاءْ !
وتجرّدْ من أوحال الدنيا ،
وحكايات الناسْ
وإذا غالبك الشوق إليهم
فاذهبْ نحو مقابرهم
وتامّلْ كيف يكون الإحساسْ !
ما بين ضجيج الأحياءْ
وسكوتهم المطبق تحت الترْب
سوى شبريْن اثنيْن !
فمن يقرع لهم الأجراسْ ؟!
ـــ لكن يا شيخى كيف أكون على ثقة
من أنى مرضىّ عنى ،
أو حتى مقبول ؟؟
ـــ من بعض الأنوار اللامعة
تشعّ بقلبك مثل البرق
فتملأ روحك بالفرح الغامرْ
فرح لا يعرفه العشاق ،
ولا كل ملوك الدتيا ..
لكنْ قد يشهد قلبك أوقاتا أخرى
يصبح فيها منقبضا ،
وتضيق عليه الدنيا مثل الأكفانْ !
ـــ وماذا يعنى هذا ؟
ـــ يعنى أن القلب كما المرآة الملساءْ
حين تصفّى صفحته يعكس أنوار الملكوت
لكنّ النفس الأمارة حين تغطّيه بأبخرة سوداء
يغدو صدئا لا يعكس إلا رغبات الجسد ،
وحب الأشياءْ !
ـــ يبدو أنى أتعبنك يا شيخى ..
لكنْ بقى لدىّ سؤال واحد ؟
ـــ اطرحْه بلا خجل ياولدى
ـــ قالوا : إن الشيخ ضرورىّ لطريقك
وبدون الشيخ تصير بلا قدم وطريقْ ؟
ـــ خذْ منى يا ولدى :
الشيخ ضرورىّ حين يعلمك العوْم بقرب الشاطئ
لكنْ بعد اليوم الأول تصبح مسئولا عن نفسكْ
توغل فى البحر وتحتضن الأمواج
يوما تهوى بك للقاع ،
ويوما ترفعك لأعلى عليين
حينئذ لا يغدو البحر غريبا عنك
بل تصبح أنت البحر ،
وأنت الأمواجْ !

Related posts

Leave a Comment