الطناطل على ضفاف النيل، لسمير رضوان

بعد هدوء العاصفة وسكون الموج ركب أحد الصيادين قاربه وأبحر ليصطاد مع مجموعة من القوارب، ظل يرمي شباكه الأيام والليالي دون جدوى،

وبينما هو منهمك في عمله إذ به يجد نفسه وحيدا في عرض البحر، قد تاه عن زملائه، وقد نفد الماء وكسرات الخبز التي معه، ظل يجدف عله يحد سفينة أو جزيرة يأوي إليها ، وبينما هو كذلك إذ لمح جزيرة على مرمى البصر، تنفس الصعداء وتهللت أسارير وجهه، وشعر بأن الروح بدأت تدب فيه من جديد، وما إن اقترب من الجزيرة حتى وجدها تلمع بالذهب ، أرسى قاربه وبحث عن الماء حتى وجد عين ماء تسيل بالزلال، شرب حتى ارتوى وملأ جرته،ثم شرع يجمع الذهب ويضعه في قاربه حتى ملأه ، وأراد العودة لكن القارب لم يتزحزح من مكانه ، ظن الصياد أن هذا بسبب زيادة الحمولة فأفرغ القارب قطعة قطعة والقارب لا يبرح مكانه إلى أن أعاد جميع الذهب إلى الجزيرة حينها تحرك القارب.
عاد الصياد إلى قريته وأخبر الصيادين بخبر الجزيرة، في صباح اليوم التالي أبحروا جميعا ومعهم الصياد يدلهم على مكان الجزيرة ،حتى أشرفوا عليها، صرخ الصياد : هذه جزيرة الذهب، في تلك اللحظة خرج صوت مخيف من الجزيرة ثم ابتلعها البحر وأصيب الصياد بالعمى.
لم تنته القصة؛ بل تلك كانت البداية، بعد حوالي أربعة آلاف سنة هجر طنطول وزوجته وأولاده جزيرة الطناطل باحثين عن موطن جديد ، قطعوا الفيافي والصحاري وقضوا الأيام والليالي، حتى شعروا ذات أصيل بهواء عليل قادم من جهة النيل، فوقفوا مشدوهين بمنظر الوادي وحركة الفلاحين، قال الطنطول الكبير: هذا موطننا الجديد!!!
ولما كان من عادة الطناطل حب البوار وكراهية النشاط، وبغضهم الزراعة والفلاحة، فكروا في حيلة لجعل الفلاحين يهجرون حقولهم ويبورون أرضهم بأيديهم، فقال الطنطول الكبير في خبث ودهاء: لا يشغل أحدا عن الجد والنشاط سوى اللهو والأغاني، ولا سبيل لذلك غير الأطباق اللاقطة، والتي تنشر كل ساقطة.
فتصور لهم في صورة فلاح يحب المزاح ،صعد على سطح الدار، وأخذ يثبت ذلك الشبيه بالردار، فاجتمع الفلاحون وهم يتساءلون: ما هذا يا صديقنا الفلاح؟! فأجاب بارتياح: إنه طبق لاقط يسمونه الطنطول، يأتي بأصوات المزامر والطبول.
وما إن نزل وشغل التلفاز حتى التف حوله الصبية والشبان، وقد فغروا أفواههم مشدوهين، وكانوا مستمتعين بصنوف الأفلام والمسلسلات التي تناهز حلقاتها الستين ، فهذا مسلسل تركي يحكي قصة حب لمهند، وذلك هندي يحكي أسطورة ملكة شريرة، وذلك مكسيكي تدور أحداثه حول خيانة زوجية.
وما هي إلا شهور معدودات حتى غطت أسطح المنازل سحابة من الطناطل، ولم يخل سطح منزل في الدلتا والوادي من طنطول ، ولم تسمع في بيوت الفلاحين سوى الطبول.
وخيم على الوادي الخمول، وصار الفلاحون في النهار يستظلون بأطباق الطنطول وقد هجروا الحقول، فكيف لمن يسهرون حتى بزوغ الفجر أن تقوى سواعدهم على حمل الفأس أو تحمل أشعة الشمس؟!!!
جلس الطنطول وحوله عائلنه في حبور، حينما رأوا الخراب والبور ملأ الأرض، وصار الفلاحون لا يستيقظون إلا مع غروب الشمس، إلا أن طنطولا صغيرا لم يكن سعيدا!!! سألته أمه: لم العبوس وقد ملكنا النيل وبورنا أراضيه؟!!
أجاب: لقد كنت ألعب على شاطئ النيل فوجدت مجموعة من الفلاحين ما زالوا يزرعون!!!
قالت له أمه في دهاء: إذا أخرج لنا ما في جعبتك من الذكاء
فقكر وقدر ، ثم نظر ثم عبس وبصر ، وأقبل وأدبر، ثم قال : لا يأتي بالخراب إلا ذلك الجهاز الذي رأيته في بلاد الفرنجة ، يتواصل الناس به، يقرب البعيد، سأنشر ذلك الجهاز حتى لا يبقى صغير ولا كبير إلا وبحوزته ذلك الجهاز الشرير.
وخلال أيام افتتح الطنطول محلا في إحدى القرى ووضع على واجهته لافته:(الطنطول لأجهزة المحمول) وقد ذاع صيته، وبدأ لفلاحون يبيعون كل غال ونفيس من أجل اقتناء طنطول محمول، وصار الطنطول هو أغلى مأمول ، وصار من العار أن تكون يدك خالية من طنطول تداعبه بأناملك.
وبعد مرور سنوات، وفي أصيل جميل محمل بالهواء العليل كان الطنطول الكبير وحوله أولاده الطناطل يجلسون على ضفاف النيل ، وهم يستمتعون ببشاعة الأرض البور والخراب الذي خيم على الدور،ثم قال في حبور : الآن صار النيل موطنا للطناطل .!!!
——————
الطنطول وحش أسطوري ظهر على ضفاف نهر دجلة والفرات كان في الحضارة السومرية قبل الميلاد بألفي عام.. كان يخرج بعد المغرب ليخيف الفلاحين فهجروا حقولهم.

_____
سمير حسن رضوان
أبو ظبي _ مجموعة قصصية بعنوان(النهر الجاف)
الاثنين 16/12/2019

Related posts

Leave a Comment