محمود محمد شاكر، للدكتور إحسان عباس

“في إجازة صيف 1954 سافرت إلى القاهرة فاستقبلني صديقي محمد يوسف نجم وقال لي سنذهب معا إلى منزل الصديق الأستاذ محمود محمد شاكر حيث تتعرف على عالم كبير بل على أكبر عالم معاصر في شؤون التراث العربي والإسلامي فرحبت بهذا الاقتراح وتوجهنا إلى منزله في مصر الجديدة.
وكان لقائي به فاتحة عهد جديد في حياتي العلمية كنت أقرأ له شعرا ونثرا في مجلة الرسالة ولكن اقترابي منه فتح لي عالما جديدا من المعرفة أصبحت أجد لديه إجابات مقنعة عن أسئلة كثيرة تدور في رأسي ووجدت في مكتبته الغنية ما أحتاج إليه من مصادر وفي زائريه وضيوفه وشهود مجلسه شخصيات من أبرز شخصيات العالم العربي والإسلامي.
هناك عرفت يحيى حقي وعبد العزيز الميمني وعلال الفاسي وصالح بن يوسف وعبد الله التل وكان الثلاثة الأخيرون لاجئين سياسيين وكثيرين غير هؤلاء من أبرزهم المفكر الجزائري الإسلامي مالك بن نبي هذا إلى كثير من الأدباء والشعراء المصريين في مقدمتهم الشاعر محمود حسن إسماعيل الذي كنت معجبا بشعره وأنا طالب في الكلية العربية بالقدس.
وكان مجلس محمود ملتقى لفئات مختلفة من الناس فيهم الشبان والكهول والشيوخ والطلاب والعلماء وكان الصديقان ناصر الدين الأسد ومحمد يوسف نجم وأنا نقضي الساعات الطويلة في مكتبته العامرة أو نشارك في الحوار الدائر بين زواره أو نستمع إلى آرائه وتوجيهاته.
والميزة الكبرى فيه أنه ذو رأي عميق واطلاع واسع وليس هناك من هو أقدر منه على فضح التفسيرات التي تزيف التاريخ والحقائق إنه يستمد رأيه الواضح ويبلوره من تأمله الذاتي وعودته إلى الأصول دون النظر إلى رأي سائد يردده الآخرون وكان محمود وما يزال يعتمد فهم الأسباب ويحسن ربط النتائج بها على نحو دقيق متفرد لم أجده عند غيره.
وكنت قبل أول لقاء لنا قد أصدرت كتابي عن الحسن البصري وشعرت بسعادة حقيقية وهو يقف عند مسائل مختلفة في هذا الكتاب ويشرح لي وجه الصواب فيها وكانت طبيعة اللقاء تمنعني من تناول ورقة وتقييد الملاحظات القيمة للإفادة منها في طبعة تالية.
لقد تعلمت من محمود وغرفت من علمه الغزير أضعاف ما قرأته وما سمعته قبل لقائه وقد كان بيته مجمعا علميا لكثيرين من طلاب المعرفة من مصريين ووافدين”.

غربة الراعي.

Related posts

Leave a Comment