شخصية الشاعر
Ø£Øمد Øسن مطر، هو الابن الرابع بين عشرة أخوة من البنين والبنات، أمضى Ø·Ùولته ÙÙŠ قرية “التنومة”ØŒ وصباه ÙÙŠ Ù…Øلة “الأصمعي” على شط العرب ÙÙŠ جنوب العراق، وقد تميزت Ø·Ùولته وصباه بالÙقر والØرمان والتعثر ÙÙŠ الدراسة، واللجوء إلي عالم الكتب والثقاÙØ© هرباً من الواقع المرير، وعندما Ùرض عليه هذا الواقع مواجهته بالكلمة، Ø£Øاطت به دائرة التهمة ÙÙŠ Ù…Øيط الخوÙØŒ وطارده الإرهاب، واضطر إلي الهرب Ùˆ اللجوء إلى الكويت([1]).
وهناك بدأت تتكش٠شخصية الشاعر عن Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ùنان المتمرد، وبدأت أشعاره الناضجة تقرع الأجراس ÙÙŠ كل زاوية من زوايا الوطن العربي، واعتقد الكثيرون أن اسم “Ø£Øمد مطر” هو اسم مستعار، وراØوا يصنÙونه ضمن جنسيات عربية مختلÙØ©ØŒ وقد ساهم ÙÙŠ تكوين هذه الصورة الغامضة عن الشاعر قضية Ù†Ùيه ومطاردته من العراق أولاً، ثم من الكويت ثانياً، بالإضاÙØ© إلى طبيعة انتشار شعره بطرق غير مشروعة ورسمية، إذ إن شعره Ø±Ø§Ø ÙŠØªØ³Ù„Ù„ إلى بقاع الوطن الكبير، مطارداً كصاØبه، ويرجع هذا الغموض أيضاً إلى طبيعة Øياة Ø£Øمد مطر الØالية التي يختÙÙŠ Ùيها عن الأعين التي ترصده Øتى ÙÙŠ شوارع لندن.
وقد أكد الشاعر أن اسمه ليس مستعاراً ÙÙŠ أكثر من مناسبة، وبين Øقيقة جنسيته Ù€ ÙˆÙÙ‚ بطاقة الهوية والجنسية Ù€ وأنه ينتمي إلى العراق، الذي يمثل جزءاً من وطنه الكبير الممتد من المØيط إلي الخليج([2]).
http://www.odabasham.net/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D9%85/4454-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%85%D8%B7%D8%B1-%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1#_ftn1
والشاعر له انتماء ÙˆØ§Ø¶Ø Ù„Ø§ ÙŠØيد عنه، Øيث إنه ينتمي إلى الأمة لا Ù„Øزب أو قبيلة أو سلطة معينة، Ùالشاعر ÙÙŠ تصوره ليس ناطقاً بلسان Øال القبيلة، بل ناطق بلسان Øال أمته كلها، والإنسانية بأسرها، وسØابة تروي العطاشى من كل لون وجنس ومذهب([3])ØŒ وهو Øسب تعبيره لم يكن ÙÙŠ يوم من الأيام عضواً ÙÙŠ عصابة أو Øزب أو Øركة، بل إنه يشكل دولة بلا شرطة ولا رقباء، يرى الأشياء بعين صاÙية مجردة، خالية من Øَوَل٠الأيديولوجيا، أو مكاسب ÙˆØ£Ø±Ø¨Ø§Ø Ø§Ù„Øزب أو المنظمة أو السلطة([4])ØŒ لكن الشاعر يعلن ÙÙŠ أكثر من مناسبة انتماءه إلى الØضارة الإسلامية، Øيث يقول: “أنا ابن بيئة عربية وربيب Øضارة إسلامية، ÙˆÙÙŠ وجداني من آثارها Ùيض لا يغيض”([5])ØŒ وهو يعتز بهذه الØضارة التي يرى أنها ذات Ùضل على الدنيا ولا سابقة لها ÙÙŠ الاستجداء، وهو يعبر ÙÙŠ شعره عن هذا التصور من خلال توظيÙÙ‡ لنصوص التراث الإسلامي، وعلى رأسها النص القرآني الذي يمثل ÙÙŠ وجدانه المثل الأعلى ÙÙŠ البلاغة، والمنهاج الأسمى للØياة([6])ØŒ وهو يميل إلى ص٠الØركات الإسلامية المضطهدة ÙÙŠ العالم العربي ويداÙع عنها ÙÙŠ الكثير من قصائده([7]).
وتبدو Ù†Ùسية Ø£Øمد مطر من خلال شعره Ù…Ùعمة بالØزن والأسى، لكنه بطبيعته الساخرة يمزج السخرية بالØزن، وهو يرى أن سخريته غير مستغربة، ذلك أنه من خلال استقرائه لواقع Ø´Ø±Ø§Ø¦Ø Ø§Ù„Ù…Ø¬ØªÙ…Ø¹ وجد أن من ÙŠØسنون السخرية والإضØاك هم أكثر الناس امتلاءً بالØزن، ÙضØكه ضØÙƒ مر من شدة البكاء([8])ØŒ ويتميز Ø£Øمد مطر بشجاعة نادرة ÙŠÙسرها بهستيريا الØرب، التي تعتري أجبن الناس ÙÙŠ ميادين القتال، Ùطول معاشرته للخو٠جعله داجناً بالنسبة إليه، يتجاهل وجوده ويسخر منه([9])ØŒ بالإضاÙØ© إلى قناعته بمرارة الواقع الذي لا يعدو عن كونه نوعاً بشعاً من أنواع الموت، لذلك Ùإنه يختار أن يموت واقÙاً ميتة نقية، لا كما يموت الآلا٠يومياً ميتة قذرة، هي ميتة الإذعان والصمت([10])ØŒ Ùالشاعر بهذا الØزن والشجاعة يمثل شخصية قلقة متمردة على الواقع، انÙصلت عنه ولم تنزو٠ÙÙŠ وهدة الهروب والرومانسية، بل راØت تØاكمه بعن٠مواز٠لعنÙه، نابع من Ø¥Øساس عميق ببشاعته، وهي ثورة تØمل ÙÙŠ ثناياها الأمل الØÙŠ المتواصل، الذي لا يدل علي وجوده أكثر من هذا التواصل الشعري الغزير الذي، Ø±Ø§Ø Ø§Ù„Ø´Ø§Ø¹Ø± يجسده أطناناً من الأÙكار والقصائد المتÙجرة، التي يصطدم بها يومياً بالقصور الظالمة، Ùالشاعر لا يعر٠اليأس، ولو عرÙÙ‡ لصمت عن تسجيل قصائده ونشرها، وهو يعد أن لا يكون ذلك إلا ÙÙŠ قمة إيجابية الثورة من خلال كتابة قصيدته الأخيرة بشاØنة ملغومة([11]).
وعلى الرغم من أن الشاعر قد تعثر ÙÙŠ دراسته؛ إلا إنه شيد لنÙسه مدينة من الكتب، Ø±Ø§Ø ÙŠØ¬ÙˆØ¨ ÙÙŠ أزقتها هارباً من الواقع المرير، وقد شكلت هذه الكتب ثقاÙته الأولى لتندمج مع عدة مكونات ثقاÙية، منها البيئة الطبيعية الغنية بجمالها، الÙقيرة بسكانها البؤساء، والواقع السياسي المرير الذي تتخبط Ùيه القوى الجاهلة.
وقد ساهم ÙÙŠ تشكيل ثقاÙته ولعه بالنصوص المسرØية والتمثيل المسرØÙŠØŒ واشتغاله ÙÙŠ الصØاÙØ©([12])ØŒ وممارسته لكتابة القصة القصيرة، التي تظهر شروطها قائمة ÙÙŠ العديد من قصائده، بالإضاÙØ© إلى ممارسته لرسم الكاريكاتير، الذي مارسه من خلال عمله ÙÙŠ الصØاÙØ©ØŒ ثم تركه Ùترة من الزمن، ليختبئ ÙÙŠ أعماقه، ويضع بصماته على قصائده([13])ØŒ ومن الجدير بالذكر أن الشاعر Ù€ وإن لم يعلن عن ذلك صراØØ© Ù€ قد عاد إلي ممارسة هذا الÙن، إذ إن العديد من لوØاته ورسوماته تØمل تعليقات علي Ø£Øداث سياسية ووقائع عربية Øديثة العهد .
وتبدو ثقاÙØ© الشاعر عريضة واسعة من خلال غزارة إنتاجه الشعري وخصوبته، وهو قد قرأ للعديد من الشعراء القدامى، ومنهم الØسن بن Øبيب النيسابوري([14])ØŒ والمتنبي، والمعري، وأبو تمام، وأبو Ùراس الØمداني، كما أنه قرأ للعديد من الشعراء العرب المØدثين، مثل: أدونيس، والبياتي، وهو يرى أن الشعر العربي الØديث لم ÙŠÙقد Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø¥Ø¨Ø¯Ø§Ø¹ والتواصل مع الجماهير، طالما وجد الناس شعراء مثل نزار قباني، والجواهري، وبدوي الجبل، والسياب، وأمل دنقل، والبردوني، وأØمد عبد المعطي Øجازي، ومظÙر النواب([15])ØŒ ويÙلاØظ أنه قد عدد شعراء المقاومة والØرية، الذين تنسجم معطيات قصائدهم مع Ø§Ù„Ø±ÙˆØ Ø§Ù„ØªÙŠ ÙŠØملها مطر بين جنبيه، ويؤججها بين ثنايا قصائده، ويبين أن الشعر لم ÙŠÙقد مكانته بوجود شعراء عالميين Ù…Øدثين مثل: “شيركو بيكه س” الكردي، Ùˆ”رسول Øمزاتؤ الداغستاني، Ùˆ”بابلو نيرودا” الأمريكي اللاتيني، Ùˆ”رابندرات طاغور” الهندي، Ùˆ”بوريس باسترناك” الروسي([16])ØŒ Ùهم شعراء عظام تذوق Ø£Øمد مطر جماليات شعرهم النابضة بقضايا الإنسان والØرية، وتمثلها ÙÙŠ وجدانه من خلال تجربته الخاصة التي تتÙÙ‚ مع الكثير من جوانب تجارب هؤلاء، ومضى ليق٠بين صÙÙˆÙهم شاعراً عالمياً ينØت اسمه بروعة الÙن، وشعلة البذل والعطاء والتضØية، وقد قرأ الشاعر للكاتب السوري الساخر “زكريا تامر” الذي ينقد الواقع بسخرية مريرة لاذعة، تذكرنا بسخرية Ø£Øمد مطر ومرارة كلماته ومعانيه([17]).
وقد ارتبط الشاعر منذ بواكير Øياته بواقع الشعب والأمة، Øيث كانت القضية السياسية ÙÙŠ سلم أولوياته، ومن ثم القضية الاجتماعية، Ùهو يكتب للجماهير والوطن العربي علي امتداده، وللثورة ÙˆØركات التغيير الصادقة، التي تنخرط Ùيها جموع الÙقراء والمضطهدين، ويخاطب السلطة علي أساس أن الشاعر سلطة Ùوق كل سلطة، Ùهو ضمير الأمة، والبوصلة الدقيقة الØساسة التي تشير إلى Øقيقة الاتجاهات، مهما اختلÙت الÙصول، وتغيرت الأنواء، ولا قانون ÙŠØكمه؛ إلا ما ÙŠØكم Øركة مؤشر البوصلة من قوانين، وهو يدرك أن هذا الÙهم لا وجود له عند السلطة وعند معظم الشعراء، وأنه يندرج ضمن أقلية تدÙع ثمن هذا الÙهم الصØÙŠØ Ø§Ù„Ø°ÙŠ ينبغي أن يكون([18])ØŒ ولهذا Ùإن Ø£Øمد مطر هو ثمرة الغضب الساطع ÙÙŠ وجدان الأمة، وهو مدÙوع إلى الإبداع رغماً عنه، Øيث إن الأشعار Ù€ كما يقول Ù€ هي التي تكتبه، وليس هو الذي يكتب الأشعار:
أنا لا أكتب الأشعار
Ùالأشعار تكتبني
أريد الصمت كي Ø£Øيا
ولكن الذي ألقاه ينطقني([19])
ولذلك Ùإن الشاعر قد يجلس شهوراً لا ينشر بيتاً واØداً، نتيجةً لهدوء Ø±ÙŠØ§Ø Ø§Ù„Ø³ÙŠØ§Ø³Ø© ÙÙŠ العالم العربي، وعندما تشتد Ø±ÙŠØ§Ø Ù‡Ø°Ù‡ السياسة، ينشر ÙÙŠ كل يوم قصيدة، Ùهو كما يقول شاكر النابلسي ميزان Øرارة للواقع العربي السياسي والنضالي([20]).
وهذا الارتباط الوثيق بين الشاعر وواقعه قد جعله يخرج من بيته وقريته مطارداً، لا يعر٠الكلل والصمت، Øتى تستطيع مظاهرته، ولاÙتاته المشرعة المساهمة ÙÙŠ إسقاط الØكام، Øينئذ سيقرر العودة إلي البيت والاستراØØ©ØŒ والتنعم بالأمن والطمأنينة، ÙˆÙÙŠ ظل الواقع الجديد، ستتغير أشياء كثيرة منها طبيعة شعره، وقد تÙيض عند ذلك وجدانياته الثرة المخبوءة، ولا تتوق٠عن العطاء والتدÙÙ‚ إلا ÙÙŠ Øالة ظهور طاغوت جديد، Ùيخرج من جديد للعمل على إسقاطه والتخلص منه([21]).
وقد انعكس ارتباط الشاعر بواقعه على شخصيته الÙنية، Øيث يرى بعض النقاد، ومنهم شاكر النابلسي أن Ø£Øمد مطر قد تخلى عن ذاتيته ليتØلل ذاتياً ÙÙŠ شخصية الوطن ØŒ ÙØ£ØµØ¨Ø Ø§Ù„Ø´Ø§Ø¹Ø± هو الوطن، وليس الشاعر الذي ينطق باسم الوطن، أو يعبر علي لسان الوطن! Ùشخصية Ø£Øمد مطر مختÙية تماماً من شعره، على عكس كل الشعراء السياسيين العرب، الذين ÙŠÙبرزون شخصياتهم Ø¨ÙˆØ¶ÙˆØ ÙˆØªØ£ÙƒÙŠØ¯ من خلال أشعارهم([22])ØŒ لكن هذا التصور Ù€ علي صدقه Ù€ Ùيه نوع من الظلم لشخصية الشاعر الÙنية ومشاعره الذاتية، إذ إن قصائد الشاعر Ùيها أجزاء كبيرة من ذاته تماثلت مع ذوات الآخرين من أبناء أمته، Ùقصائده تنم عن معاناة ذاتية Øادة وهم كبير ÙŠØمله علي كتÙيه([23])ØŒ Øيث تØولت قضيته الخاصة والقضية العامة من خلال التÙاعل بينهما ÙÙŠ بوتقة الانصهار إلى قضية شخصية وشعرية، ولولا هذا التÙاعل والتØول كما يرى النقاد لتØطم البناء الشعري من أساسه، ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ù…Ø¬Ù…ÙˆØ¹Ø© من الأنقاض: “هتاÙات وتقارير وأخبار”ØŒ إذ إن الشاعر من خلال هذه الذات الشعرية الناتجة من التÙاعل؛ ضخ ÙÙŠ ثنايا قصائده أقوى معاني الØياة والتÙرد، Ùالقصيدة ليست قطباً واØداً ينطلق من الذات أو من الجماعة إلى الجماعة، بل تتضمن قطبين اثنين، بØيث تنطلق من الذات إلى الجماعة ØŒ وإن كانت الجماعة ÙÙŠ الأصل هي التي تغذي الذات، شاءت الذات ذلك أم أبت([24])ØŒ وقد بلور الشاعر هذا الÙهم بشكل ÙˆØ§Ø¶Ø ÙÙŠ إجابته التي بين Ùيها أن قصائده هي صورة من معاناته وأÙكاره الخاصة التي انÙعل بها وصاغها، Øيث يتساءل بدهشة: “لكن.. من أين جاءتني هذه المعاناة ØŸ وكي٠تكونت هذه الأÙكار؟ أليس بسبب كوني سمكة ÙÙŠ هذا البØر العاص٠؟”([25])ØŒ كما أن الشاعر وإن عبر بقصائده عن Øال أمته إلا إنه لم يندمج ÙÙŠ شخصيتها بشكل متكامل، بل Ø±Ø§Ø ÙŠØاكم هذه الأمة ويØاسبها، وجعل من Ù†Ùسه طرÙاً آخر يق٠إزاءها، يسخر منها ويØاورها وينتقدها ويعري Ù…Ùاهيمها، ونصب Ù†Ùسه ضميراً داخلياً متمرداً عليها، لا لساناً ناطقاً خاضعاً لتصرÙاتها([26]).
بيئة الشاعر
البيئة هي الزمان الذي ÙŠÙولد Ùيه الشخص ويعيش Ùيه، والمكان الذي ينشأ ÙÙŠ رØابه والمجتمع الذي يتÙاعل معه، وتتداخل هذه العناصر الثلاثة ÙÙŠ بعضها، وتتسع لكل مكان ومجتمع قد يتنقل الشاعر ÙÙŠ خلال Øياته إليه([27])ØŒ ويتسع Ù…Ùهوم البيئة للظرو٠التي تصاد٠الشاعر، سواءً كانت مواتية من خلال التشجيع وتواÙر الØرية المطلوبة للإبداع، أو كانت غير مواتية من خلال رÙض الإبداع وكبت الØرية([28])ØŒ ذلك أن الإبداع لا ينشط ÙÙŠ بيئة الجمال وواقع الØرية Ùقط، بل إن النشاط الإبداعي غالباً ما يستمد مادته من خلال أشد الظرو٠البيئية قسوة، Øيث ÙŠØµØ¨Ø Ø§Ù„Ø´Ø§Ø¹Ø± كمن ينتقم من هذا الواقع الكئيب([29])ØŒ ويندÙع إلى تأكيد ذاته بالÙن، والتÙتيش عن أشكال تعبيرية جديدة ÙÙŠ رغبة عارمة بالØرية([30]).
وقد بدا تأثير البيئة واضØاً ÙÙŠ قصائد Ø£Øمد مطر، ولهذا كان لابد من تسليط الضوء قدر الإمكان علي هذه البيئة بشقيها المتكاملين، الخاص والعام.
البيئة الخاصة
ÙˆÙلد Ø£Øمد مطر عام 1956([31])ØŒ ابناً رابعاً لأسرة Ùقيرة، تتكون من عشرة أخوة من البنين
والبنات، ÙÙŠ قرية “التنومة” Ø¥Øدى نواØÙŠ (شط العرب) ÙÙŠ البصرة([32])ØŒ وهي كما يصورها تنضج بساطة ورقة، وطيبة، ÙˆÙقراً، مطرزة بالأنهار والجداول وبيوت الطين والقصب، والبساتين، وأشجار النخيل التي لا تكتÙÙŠ بالإØاطة بالقرية، بل تقتØÙ… بيوتها، وتدلي سعÙها الأخضر واليابس ظلالاً ومراوØØŒ وقد عاش Ø·Ùولته بالقرب من “بستان صÙية”ØŒ Ùˆ “نهر الشعيبي”ØŒ وغابات نخيل “كرولان”ØŒ التي تشكل أهم عناصر القرية ÙÙŠ وجدانه([33])ØŒ ثم انتقل ÙÙŠ صباه عبر النهر ليقيم ÙÙŠ Ù…Øلة الأصمعي([34]).
وتتميز البصرة بغابات النخيل الواسعة، التي تÙقدر بثلاثة وثلاثين مليون نخلة، وتØتوي المدينة علي مصانع تعليب التمور الصالØØ© للتصدير، وقراها ذات مظهر Ùقير، يعتمد سكانها ÙÙŠ الغالب علي صيد الأسماك وزراعة الرز، ويعيشون ÙÙŠ بيوت من قصب المستنقعات، ويربون الجاموس([35]).
وقد أمضى الشاعر Ø·Ùولته وصباه ÙÙŠ Ø£Øضان الÙقر المدقع والØرمان والتعثر بالدراسة، Ùلجأ إلى مطالعة الكتب ليهرب من مطاردة الÙاقة والإرهاب، ويÙكون من خلالها Ø³Ù„Ø§Ø Ø§Ù„ÙƒØªØ§Ø¨Ø© والإبداع دÙاعاً عن Ù†Ùسه([36])ØŒ ÙˆÙÙŠ سن الرابعة عشر ÙÙŠ أوائل السبعينات بدأ يكتب الشعر([37])ØŒ ولم تخرج قصائده الأولى عن نطاق الغزل، والرومانسية والهيام والدموع والأرق، لكنه سرعان ما تكشÙت له Ø®Ùايا الصراع بين السلطة والشعب([38])ØŒ من خلال عيون الناس وأØاديثهم والصØ٠والكتب والإذاعة والتلÙزيون([39])ØŒ ومن خلال ما يراه من رقابة المخبرين ورصدهم لكل صغيرة وكبيرة، Ùالمخبر ÙÙŠ العالم كله سري إلا ÙÙŠ العالم العربي، يصÙÙ‡ Ø£Øمد مطر ÙÙŠ Ø¥Øدى الأمسيات الشعرية، كما كان يراه، جالساً ÙÙŠ المقهى ÙÙŠ Øلكة الليل، واضعاً علي عينيه نظارة شمسية سوداء، ومÙظهراً مقبض مسدسه من ÙتØØ© السترة، ومغرقاً وجهه ÙÙŠ الصØÙŠÙØ©ØŒ متواجداً ÙÙŠ كل يوم، يتقدم من المواطن واضعاً سيجارته بين Ø´Ùتيه قائلاً بكبرياء: ” عندك ولعة؟”ØŒ وعندما يتنهد المواطن المهموم قائلاً: “عندي لوعة”ØŒ يهب لتأدية واجبه، Ùيقبض عليه بتهمة شتم الØكومة، وعندما يسأله المواطن:” وبأي صÙØ© تقبض علي؟”ØŒ يبتسم ابتسامة صÙراء، ويقول :”أنا شرطي سري!”ØŒ وقد اكتش٠الشاعر مرارة الواقع من خلال ما عاينه من مرارة التØقيق، وقسوة التعذيب ÙÙŠ زنازين المعتقل، الذي ينتهي عادة باعتذار عن الخطأ غير المقصود([40]).
ولذلك ما كان من الشاعر إلا أن ألقى بنÙسه ÙÙŠ Ùترة مبكرة من عمره ÙÙŠ دائرة النار، Øيث لم تطاوعه Ù†Ùسه على الصمت، ولا على ارتداء ثياب العرس ÙÙŠ المأتم([41])ØŒ Ùدخل المعترك السياسي من خلال مشاركته ÙÙŠ الاØتÙالات العامة بإلقاء قصائده من علي المنصة، وقد كانت هذه القصائد ÙÙŠ بداياتها طويلة، تصل إلى أكثر من مائة بيت، مشØونة بقوة عالية من التØريض، تنتقل من موضوع إلى آخر، تتمØور Øول موق٠المواطن من سلطة لا تتركه ليعيش([42])ØŒ وقد دÙع الشاعر ثمن هذا الموق٠من خلال مساءلته والتØقيق معه، مما قاده ÙÙŠ النهاية إلي الكويت هارباً من مطاردة السلطة.
وقد لجأ الشاعر إلي الكويت ÙÙŠ Ùترة مبكرة من عمره، وهناك واجه Øياة اللاجئ، الذي لا يسهل عليه أن يثبت هويته، Ùقد عاش هناك عدة سنوات لا يستطيع الØصول علي رخصة القيادة، لأنه يرÙض التنازل عن مواق٠مبدئية كثمن للØصول على Øقه الطبيعي ÙÙŠ الØصول علي أوراق رسمية تثبت هويته، وتÙسهل عليه الØصول على رخصة القيادة، ولذلك Ø±Ø§Ø ÙŠØ³ÙŠØ± علي قدميه ÙÙŠ بلد يمكن لأÙقر ÙƒØ§Ø¯Ø Ùيه أن يمتلك سيارة، وقد عاش ÙÙŠ بيت متواضع يكلÙÙ‡ إيجاره نص٠مرتبه ÙÙŠ بلد القصور والعمارات الÙارهة([43]).
ثم Ø±Ø§Ø ÙŠØ¹Ù…Ù„ ÙÙŠ جريدة “القبس” الكويتية Ù…Øرراً أدبياً وثقاÙياً([44])ØŒ Øيث مضى يدون قصائده، التي أخذ Ù†Ùسه بالشدة من أجل ألا تتعدى موضوعاً واØداً، وإن جاءت القصيدة ÙÙŠ بيت واØد([45])ØŒ ÙˆØ±Ø§Ø ÙŠÙƒØªÙ†Ø² هذه القصائد، وكأنه يدون يومياته ÙÙŠ Ù…Ùكرته الشخصية، لكن سرعان ما أخذت قصائده طريقها من المÙكرة إلي النشر الصØÙÙŠØŒ Øيث كانت (القبس) الثغرة التي أخرج الشاعر منها رأسه، وباركت انطلاقته الشعرية الانتØارية، وسجلت دون خو٠لاÙتاته الشعرية، وساهمت ÙÙŠ نشرها بين القراء([46]).
ÙˆÙÙŠ رØاب (القبس) عمل الشاعر مع ناجي العلي، ليجد كل منهما ÙÙŠ الآخر تواÙقاً Ù†Ùسياً واضØاً، Ùقد كان كل منهما يعر٠غيباً أن الآخر يكره ما يكره، ويØب ما ÙŠØب، وأن ما يثير غضبه يثير غضب صديقه، وكثيراً ما كانا يتÙقان ÙÙŠ التعبير عن قضية واØدة دون اتÙاق مسبق، إذ إن الروابط بينهما تقوم علي الصدق والعÙوية والبراءة ÙˆØدة الشعور بالمأساة، ورؤية الأشياء بعين مجردة صاÙية، بعيدة عن مزالق الأيدلوجيا، أو مكاسب ÙˆØ£Ø±Ø¨Ø§Ø Ø§Ù„Ø£Øزاب، أو المنظمات أو السلطة، وقد كان Ø£Øمد مطر يبدأ الجريدة بلاÙتة من لاÙتاته ÙÙŠ الصÙØØ© الأولى، ويختمها ناجي العلي بلوØØ© من رسوماته ÙÙŠ الصÙØØ© الأخيرة، وقد تراÙÙ‚ الاثنان من منÙÙ‰ إلى منÙى، ÙˆÙÙŠ لندن (جهنم الباردة) Ùقد Ø£Øمد مطر صديقه رسام الكاريكاتير، ليظل بعده نص٠ميت، وعزاؤه أن ناجي مازال معه نص٠ØÙŠ لينتقم من قوى الشر بقلمه وريشته([47]).
وتتكرر مأساة الشاعر ÙÙŠ الكويت، Ùلهجته الصادقة، وكلماته الØادة لا تÙرضي السلطات، ولاÙتاته الصريØØ© تؤدي به ÙÙŠ النتيجة إلي النÙÙŠ والإبعاد([48]).
وينتقل الشاعر ÙÙŠ مطلع عام 1986 إلى لندن، ليعمل هناك ÙÙŠ مكاتب “القبس” الدولي، ويساÙر منها إلى تونس، ويÙجري اتصالات كثيرة بعدد من الكتاب التونسيين([49])ØŒ لكنه يستقر ÙÙŠ لندن، ليÙمضي الأعوام الطويلة، بعيداً عن الوطن مساÙØ© أميال وأميال، قريباً منه على مرمى Øجر، ينز٠شعراً كلما نبض الوطن العربي، ويختلج Ùؤاده، ÙÙŠ صراع مع الØنين والمرض، مرسخاً Øرو٠وصيته ÙÙŠ كل لاÙتة يرÙعها، مستعداً لكل صنو٠الاستشهاد، بينما يتابعه Ù…Øبوه من أرجاء الوطن العربي المتباعدة شرقاً وغرباً، داعين الله أن ÙŠØÙظه ليمتد عمره وعطاؤه Øتى يري Øلمه ÙÙŠ الكرامة والØرية يتجسد علي أرض الواقع.
([1]) غنيم، الرابطة، 18.
([2]) Ù€ النقاش؛ رجاء، شاعر جديد يلÙت الأنظار، مجلة (المصور)ØŒ 1987 Ù€ مطر؛ شريط كاسيت: لاÙتات.
([3]) Øسن؛ عبد الرØيم، لقاء مع Ø£Øمد مطر، العالم، عدد 185ØŒ لندن، 29 أغسطس 1987ØŒ 54.
([4]) (مطر؛ Ø£Øمد)ØŒ لقاء: الØرية هي الØاضنة الطبيعية للإبداع، الجزيرة العربية، العدد 30ØŒ يوليو 1993ØŒ 41.
([5]) معلا؛ ابتسام، Ø£Øمد مطر.. شاعر للØزن والوطن والثورة، جريدة “الخليج”ØŒ الإمارات العربية، 4 يونيو1988.
([6]) (مطر؛ Ø£Øمد)ØŒ لقاء، مجلة “الأديب” الطلابية، الكويت، جمعية اللغة العربية بجامعة الكويت، العدد 1ØŒ إبريل 1985ØŒ19.
([7]) من ذلك علي سبيل المثال: (لاÙتات 2: 156)ØŒ (لاÙتات 3: 65)ØŒ (لاÙتات 5: 75ØŒ 143).
([8]) مطر، العالم، العدد 185، 53.
([9]) (مطر؛ Ø£Øمد)ØŒ لقاء، الوطن العربي، السنة التاسعة، العدد 431ØŒ الكويت، مايو 1985ØŒ 54.
([10]) بن رجب؛ Ù…Øمد، لقاء، جريدة (الصباØ)ØŒ تونس، 11/12/86.
([11]) مطر، الوطن العربي، عدد 431، 54.
([12]) السابق، 54.
([13]) مطر، العالم، عدد 185، 53.
([14]) السابق 54.
([15]) مطر؛ Ø£Øمد، الشعر بين طاووس وغراب، مجلة “الناقد”ØŒ العدد 6ØŒ لندن، ديسمبر 88ØŒ (51 Ù€ 52).
([16]) السابق، 52.
([17]) السابق، 52.
([18]) مطر، العالم، عدد 185، 53.
([19]) لاÙتات 1ØŒ 90.
([20]) النابلسي؛ شاكر، رغي٠النار والØنطة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، د.ت، 249.
([21]) مطر، العالم، عدد 185، 53.
([22]) النابلسي، رغي٠النار والØنطة، 240.
([23]) ينظر: Ù€ ثابت؛ أنور، دوري ذكي يلاØÙ‚ الصياد ليقتنصه، الإمارات العربية، جريدة (الخليج)ØŒ 23Ù€ 11Ù€87.
Ù€ أبو Øمدان؛ سمير، صوت آت من Ù…Ùازات الصØراء، (القبس)ØŒ الكويت، 16/2/85.
Ù€ مصباØØ› منيرة، لاÙتات Ø£Øمد مطر: نظرة نقدية، جريدة (الرأي العام)ØŒ 6/1/85.
([24]) ساعي، Øركة الشعر، (387 Ù€ 389).
([25]) مطر، الجزيرة العربية، 41.
([26]) ÙŠÙنظر: عبد الØميد؛ عبد الغÙور، الالتزام ÙÙŠ شعر Ø£Øمد مطر، (Ø§Ù„Ø¥ØµÙ„Ø§Ø Ø§Ù„Ø«Ù‚Ø§ÙÙŠ)ØŒ المغرب، 17 مارس 1989ØŒ 4.
([27]) ÙŠÙنظر: الشايب؛ Ø£Øمد، أصول النقد الأدبي، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، Ø· 8ØŒ 1973ØŒ 83 وما بعدها.
([28]) البسيوني، العملية، 20.
([29]) إسماعيل، جدلية، 137.
([30]) عكام؛ Ùهد، من قضايا الإبداع ÙÙŠ التراث، مجلة Ùصول، مجاد 10ØŒ عدد(1ØŒ 2)ØŒ 50.
([31]) ÙŠÙنظر: Ù€ غنيم، الرابطة، 18. Ù€ بكري؛ Øامد، الØكاية ÙÙŠ أدب Ùاسكو بوبا وأØمد مطر، جريدة (الأØداث)ØŒ لندن، 26 يوليو 1988.
([32]) غنيم، الرابطة، 18.
([33]) مطر، العالم، لندن، 52.
([34]) غنيم، الرابطة، 18.
([35]) ÙŠÙنظر: Øميدة؛ د.عبد الرØمن، جغراÙية الوطن العربي، دمشق، دار الÙكر، Ø· 1ØŒ 1990ØŒ 330.
([36]) غنيم، الرابطة، 19.
([37]) Øسن؛ عبد الرØيم، مظاهرة صاخبة يسير Ùيها رجل واØد، مجلة (العالم) ØŒ لندن، 29/8/1992ØŒ 54.
([38]) مطر، العالم، 52.
([39])مطر، “الوطن العربي”ØŒ الكويت، 55.
([40]) مطر؛ Ø£Øمد، شريط كاسيت: لاÙتات، عمان: مكتبة وتسجيلات دار الأرقم، هاتÙ: (622478)ØŒ ص.ب: (926287)ØŒ (د. ت).
([41]) مطر، العالم، 52.
([42]) السابق، 52.
([43]) مطر، الوطن العربي، 55.
([44]) السابق، 54.
([45]) مطر، العالم، 52.
([46]) مطر، الوطن العربي، 54.
([47]) مطر، (الجزيرة العربية)، 41.
([48]) باب كتب (دون اسم الكاتب)، مجلة (العالم)، العدد 99، لندن، يناير 1986، 50.
([49]) بن رجب، جريدة “الصباؔ، تونس، 11/12/86.