أبو طيفة للدكتور السيد شعبان جادو

سمعت أنه كان طويل القامة، أشبه بالنخلة العملاقة التي تقف حارسة للنيل، يفر منه الصغار حين يرونه، يجرون بعيدا، يستطيع أن يمد يديه فيختطف الواحد منهم، خطواته كبيرة، يعابثونه من وراء الأبواب؛
يقذفونه بحصوات أو نوى البلح، يمضي وقد ضرب كفا بكف، أصابع يديه تشبهان مذرأة القمح في جرن الوسية،

قيل: حين كان يمشي تشعر بأن رجلا قدم من الزمن البعيد، جلبابه المخطط بلون النيل زرقة، أنفه كبير يتنفس هواء يحدث دويا حوله، في مرة لم تجد العصافير غير رأسه أغصان شجرة تتراقص فوقها وقد تتسافح وهو سعيد بما يدور من صخب شيطاني يضاهي ما في رأسه، يجري ويقهقه ملء فمه، يعابث الفتيات عند حنفية الشيخ ربيع؛ قريبا من قطار الدلتا أو حنفية فراج في ملتقى منحى عرقوب العرجا بسكة الزراعية، الكفر ينام على مغامراته التي لا تنتهي: فطومة الداية تلك العرجاء التي تدب في كفرنا؛ تحفظ مواعيد ولادة النسوان، ترقم البيوت بحجارة من جير.
تهبه خبزا وحماما محشوا به الفريك؛ أسنانها من عظام حيوانات ميتة يصنعها عبد الجليل سلاخ الحمير ويثبتها السمح مزين الصحة حيث دكانته في الزاوية قبالة الجامع القبلي.
يقفز في النيل فيأتي بالسمك، يصعد أشجار الجميز الرابضة هناك منذ سنين، في الظهيرة يهب المارين حبات منه؛ يقولون: إن العفريت يترصد هناك.
ينادى على الموتى، يبشر بمولود جديد، ينقل أخبار الكفر، تتناهى إليه الوشايات؛ لكن لم يزد عليها إلا بعض ملح، ربما كان عينا للحكومة، صوته يجلجل من بعيد، لكنه على أية حال طيب القلب.
عنده حكاية الزمن الماضي؛ عصاه مباركة جاءت إليه من عند أم هاشم، اشتراها له أحد المريدين، في الخل والزيت أبقاها سبعة أيام.
يزهو بها، يقص عنها حكايات؛ أخت عصا موسى- والناس في زمن العجائب ينتظرون المهدي- يرمي بها في موالد آل البيت؛ الدسوقي والبدوي والمرسي أبو العباس؛ يركب القطار وسط كتلة من لحم بشري، يوسعون له مكرهين؛ ومن تأبى أزاحه بدفعة يد عملاق!
يرتدي في ليلة المولد الكبيرة عمامة خضراء، يتطوح وقد أمسك بجريدة خضراء.
يمشي في الكفر بلا سروال؛ جلبابه سقط فتبدو شعرات صدره نافرة، تتدلى من وجهه لحية متنافرة الشعر؛ مدببة أشبه بغصن من شجرة السنط الرابضة عند ضفة النيل، تسكن النهر جنية زرقاء، تتعشقه حين يكتمل القمر بدرا تتمايل فوق صفحة النيل؛ العجائز يروين حكايات عن جمالها؛ شعرها أصفر أكثر طولا من شعر مهرة العمدة الأخير، كفرنا الآن يعير بين القرى والعزب بأنه لا عمدة له.
تهبه أسماكا كبيرة؛ يحملها فيبيعها في الزاوية، يشترى لها أعواد البخور وحبات اللبان الدكر، سعيدة تتراقص بكل ما يفعل ﻷجلها، يتمايل سعادة موعد فرحه ليلة عيد الفطر، تبكي الصغيرات؛ من يأتي ويوزع عليهن العيدية بعده!
يشتري من القيسارية العبك والضمور والدبلان تخيط له جدتي زورة صدارا وتطرز له المنديل المحلاوي، تفعل هذا لوجه الله، كبرنا وهي تقص حكاياته، كان يتيما لكنه كان يجلب الخير للكفر ونواحيه، لديه دراية بالبر كله، العنتبلي أبو شمروخ هز النواحي، معه مفتاح سرداب يوصل بين صان الحجر وإبطو، تلصص عليه مرة وجد عنده صندوقا من ذهب به حية كبيرة بيضها يلمع في ظلام الليل.
هزء به العنتبلي أبو شمروخ في مولد سيدي الشيخ المحروقي بسنهور، والتحطيب فتونة الرجال؛ أطاحت عصاه بالشمروخ، زغردت النسوة ومدد يا آل البيت مدد!
يمر عيد وراءه مولد وهو سارح في الكفر والنواحي؛ في الصافية وعزبة الشيخ سلامة وأبو حسن وعزبة شهاوي؛ صيته وصل المحروسة، ولي له سر، وصاحب طريقة، يسأل عنه الذين سرقت أحلامهم، تمده جنية النهر بكل أخبارهم، يتطوح يمينا وشمالا، يتمتم بأوراده، يهز عصاه فإذا هي حية تتراقص، يمتلئ معونه بالسمن والعسل، تمر ببابه العجوز فهيمة، تدعي أنه ابن أختها، تشيع في الكفر أنها أرضعته من لبن كلبة غجرية كانت تسكن مقابر المجرية جوار مقام ولي الله سيدنا الشيخ صفوان.
حين ولدته أمه سقاية الماء في دوار الهنادوة؛ دهم حريق كبير كفرنا، دخان القش والحطب غطى الناحية، يهتف جدي بها أن تحط على دار الظلمة؛ فيلتفت وراءه فإذا هي بداره.
حين اختفى في سرداب مسحور، غالوا بالكلبة، نذروا لها البط والحمام؛ مباركة من أثر سيدنا ولي الله، ابتنوا لها مقعدا وسط الكفر، جعلوا لها سقاية من لبن، غطاء من صوف شاة رحمانية، يلتفون حولها، معلوف العطار وهبها حبات الجوز، أبو سلامة البقال أقسم يطعمها قطع الجبن الدمياطي؛ كلبة أرضعت المبارك الذي رفع كفرنا بين العزب والنجوع.
من كراماته يوم مات؛ أمطرت السماء في صيف ملتهب؛ كان يونيو الأسود؛ وقعت طائرة للعدو في كفرنا؛ تجريسة لم تشهد الدنيا بمثلها لحرامي في مولد الدسوقي، جاء رجال السلطة طالبونا بأن نبني له مقاما ونقيم له قبة خضراء، ومن يومها صار ولي الله صاحب سر وله نذور يحتوشها رجال يركبون سيارات فارهة ولهم نساء خضر العيون.

Related posts

Leave a Comment