تعددت الأقاويل، للدكتور السيد شعبان جادو

ضرب السكون جنبات المكان، حالة من الصمت تخيم، لا شيء يوحى بحياة هنا، تتمايل الأشجار في فزع؛ تتساقط أوراقها إنه الخريف المشعر بنهاية الحياة؛ مات الرجل الكبير؛ أصوات تتابع في غير انقطاع، والأرض والأموال المكدسة في خزانة الدوار؟
من يرث كل هذا؟

يدوي الصمت ويطبق على دائر الناحية؛ توقفت الحياة إلا من شائعات عن حجم الثروة التي صارت تقارب أطنانا من الجنيهات؛ يقال والله أعلم إن لديه ماكينة تصنع الأموال؛ لم نسمع لها صوتا حين كنا نسترق السمع تحت نافذته؛ يعد كل ليلة إلى رقم ألف ثم يطفيء اللمبة ويغط في شخيره المعتاد، يوم العيد كان يوزع على كل بيت قطعة لحم ضامرة؛ تفرح بنا الأمهات حين نخدعه ونأتي بأخرى؛ إنه يجعل العظم للمرة الثانية!
تعددت الأقاويل – وهو ما يزال فوق خشبة الغسل- الأوقاف تتسلم ميراثه؛ الحكومة صاحبة الحق، آخرون يختلفون؛ العائلة صاحبة التصرف؛ أية عائلة؟
قيل والله أعلم إن له امرأة يسكنها البندر؛ يأتيها مرة أو مرتين في العام؛ بعض النسوة تبعنه حتى وجدنه يدخل بيتا في أطراف المدينة؛ كل مرة يدخل من نفس الباب ثم يعود وهو أشد حرصا على اكتناز المال.
إنه مقطوع الجذر؛ جاء إلى هنا منذ عقود؛ لا نعلم من يكون؛ لقد اغتنى في بلادنا؛ امتاز بالمهارة؛ ألقى به قطار الدلتا؛ مثلما يدفع بآلاف غيره، إنه أداة قدر لا تخيب، يقال إنه رجل مبارك؛ يعرف أسرار كل شيء؛ يحسن التصرف؛ لم يكن له أعداء؛ يسرق الكحل من العين، هكذا قالت عليه عجوز قريتنا، كنا نفزع إليها حين نحتاج الرأي، حذرتنا منه؛ يتسلل كالماء، في غفلة تملك الأرض بما عليها؛ كل أبقارنا بل حتى الطرق وفدان الغفير الذي ندفن فيه الموتى صباح كل يوم يبيع القبر ؛ لا يهب الفقراء حفرة يوارون فيها عظام الراحلين بعدما يكون امتص عرقهم؛ لم يضرب أحدا، يتعامل بدهاء قل نظيره؛ في الحيلة ألف باب للعبودية؛ وقد كان، تراكمت الثروة حتى صارت ملء السمع والبصر.
نسي في غمرة انشغاله بالأموال يختزنها أن تكون له امرأة؛ تتعجبون !
هذا ما قيل؛ تعلمون أن أحدا لا يصدق أن ينسى الرجل الأنثى؛ ربما حدث هذا لآخرين ممن جاءت بهم أمهاتهم خناثا؛ لم يكن طبيب قد عرف طريقه إلى قريتنا بعد، نكتفي بحلاق الصحة الذي يمدنا بأخباره؛ وبطبيعة مهنته ينقل إليه وشاياتنا إليه.
هذا ما حدث، أتخيله الآن وهو يرتدي معطفا لعبت بياقته يد الزمن؛ بهت لونه بل وتآكلت حوافيه من كل ناحية؛ مكتنز الجسد متكور البطن أشبه بكيس من القطن يتحرك في كل اتجاه، يلهث فلا يسعفه مار ؛ قد يطالبه بفائدة مؤخرة أو يطلب منه دينا مستحقا؛ وما أكثر ما له عند المعدمين!
تجمع خلق الله في ساحة الدوار الكبير، يتساءلون من يتملكهم من بعده؟
توارثوا الخنوع الناعم آنا وآونة يساقون بالسوط، حفاة تزحف الديدان في شقوق أقدامهم، ضمر البطون أشبه بالعصي، يذرفون عليه الدمع، وللموت جلال ورهبة ومقام خشية؛ إلا أنهم في هذه الساعة لا يحسنون غير الرغي والتطاول على بعضهم البعض؛ يعير بعضهم بعضا إذ خلت يده مما استدان به من الميت الكبير؛ يظنونها نهيبة ولا وارث لها!
قادم بشق بسيارته غبار الطريق، يصيح في جموع طعمت الأماني الخادعة؛ أنا صاحب الأرض وما عليها؛ بهت الذي ظن امتلاكه لما احتازه ديونا مركبة.
تراه من يكون؟
لم يسألوه؛ لم يبحثوا عن صلته بالذي مات، انساقوا وراءه يحملون الجسد حتى واروه في فدان الغفير؛ زرعوا جواره شجرة صبار….
قيل إن القادم الذى امتلك كل شيء ابنه؛ الآخرون أقسموا إنه من رجال الدولة جاء ليهبهم الأرض وما عليها؛ الشيئ المؤكد هو انصياعهم لما اعتادوا عليه؛ يستدينون ثم لا يتوبون عن ترديد الأقاويل…

Related posts

Leave a Comment