نظارة شمسية وقبعة رياضية

احمرت عيني اليمنى؛ فخفت على اليسرى، ولم أدر: أهو حر مسقط الحرور، أم كهربة الحاسوب الغَرور! وراجعت بمستشفى جامعة السلطان قابوس، الدكتور عمران الطبيب الباكستاني الطيب، ومعي قطرة عين مصرية، فكلمته في ذلك، وأظهرت له القطرة، فأثنى عليها، ونصحني بعربيته الهجينة:
-لازمْ فيهْ شُوفْ نظّاراتْ شمسْ شِيخْ!

فاشتريت نظارة شمسية وسَطا لا وكْسًا ولا شطَطًا، وصرت أتقنع بها مع قبعة رياضية؛ فقلَّ رجلٌ يراني فيعرفني، وارتحت من وطأة الشهرة!
صرتُ لقبعتي أحبّ لوحة الشمس ولنظارتي أحب لفحة الحر، ولا أُفلتُ لهما فرصة! ثم صارت الفرصةُ هي التي تُفلتني؛ فإذا خرجتُ إلى سيارتي نسيتُهما في البيت، وإذا دخلت إلى بيتي نسيتُهما في السيارة، حتى نسيتهما أخيرا بمسجد الجامعة!
ونعم؛ كانت المساجد حراما كلها، يرتاح فيها الناس من الدنيا ما فيها ومن فيها، ويأمنون على أنفسهم وأموالهم. ثم نشأت ناشئة اتخذت مساجد الله مغانم؛ فهي لا تأتيها -إن أتتها- إلا ابتغاء الغنائم الباردة!
ذكر الجاحظ أن أحد المتنسكين اشتغل عن نعليه؛ فسُرقتا، فلما افتقدهما حيث وضعهما، وقيل له: قد سُرقتا- قال: سبحان الله! أيأخذ أحدٌ ما ليس له! فكان عند الجاحظ مثال حمقى المتنسكين الذين انقطعوا من معرفة الدنيا!
وقريبا حين أقمتُ بحَيّ الكُرْديّ من داخل حرَم المدينة المنورة، على نصف ساعة مشيٍ من مسجد رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- كنتُ إذا تعجلتُ أو تثاقلتُ ركبتُ إليه، وانتفعتُ بمحاورة السائق. فكان مرة يَمَنيًّا؛ فجاملته بالأثر الشريف “الإيمانُ يَمانيّ، والحكمةُ يمانية”Ø› فضحك؛ فعجبت؛ فاعتذر بأنه ذكر حكاية يتداولها اليمنيون، أن أفغانيا متنسكًا عمل باليمن، ثم عزم على الإياب، وجهز ما ادخره، وخاط عليه جَيْبَه، فإذا الصلاة قائمة، فذهب، فصلى، وغلبته في المسجد عينُه، فاتكأ قليلا، فما تَنبَّه حتى وجد أنه قد سُرق، فلجأ إلى حيث الشرطة ثائرا متعجبا: أيُسرق في اليمن والإيمانُ يماني والحكمةُ يمانية! فهدأ من ثورته ضابطُ الشرطة، وخفف عنه: يا أخي، ليس الإيمان بيماني، ولكن الحكمة هي اليمانية، واصطنع بإصبعيه السَّبّابة والوُسطى مثلَ حركة المِقصّ، مشيرا إلى قص اللصِّ جيبَه، وقد صَرَف معنى الحكمة إلى ذكاء اللص المحتال!
أما نظارتي وقبعتي فقد تَناسيتُهما إلى صلاة تالية، لأجدهما كما توقعت حيث وضعتهما على ما وضعتهما، ولا غَرو؛ فالعمانيون العرب المسلمون متأدبون بأدب الحرَم، لا يلتقطون شيئا ليس لهم إلا أن يطلبوا صاحبه، والدنيا عندهم كما قال فيهم أحد أساتذة الجامعة المصريين “لسّا -أي للساعة- بخيرها”!

Related posts

Leave a Comment