مدد مدد، للدكتور السيد شعبان جادو

تبدأ السيدة أم هاشم في جمع الأحباب من كل ناحية، بعضهم يأتي في القطار، الآخرون يزحفون مثل النمل، إنها طاقة جذب، سرها باتع، الإبل والأغنام مربوطة جوار المقام، حلقات الذكر تدوي مثل خلايا النحل، مدد يا أم هاشم، الفقراء هم أسعد الناس حظا؛ لا يأتيهم طعام يرزقونه إلا في المولد، جف النهر، بان قعره!

حاولت جاهدا أن ألبى دعوتها، عز علي أن يقام المولد وألا أكون من الملبين، ما حيلتي وأنا فقير؛ لا ثياب لدي، سوءتي ظهرت مثل جرب في جسد قرد إفريقي، صحتي واهنة صرت عود قش، يتندر البؤساء بعضهم على بعض، إنها حالة من الهروب الجماعي ناحية الفوضى، الكفر يمور بديدان المش، تتراقص وتنتقل من جسد إلى آخر، يستلقون في المسابخ، ومن ثم يتسامرون، لأول مرة وجدت الثعابين تخرج من أسفلهم، فزعت، ربت شيخ المسجد على صدري: الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بألف عام!
خاطت أمي لي ثوبا أخضر، وضعت كفا في رقبتي، عممتني بشال أبيض، أركبتني حمارا أزعر، يطوف بي الصغار مقام الشيخ صفوان، صنعوا مني قطبا، زعموا أنني مبارك، أغمز بعيني لإمرأة تتدلى من شعرها جديلتان، رقبتها بيضاء زينة للناظرين، شفتاها تبدوان مثل إصبع الموز، أومأت إليها، ابتسمت!
عند المقام شجرة نبق عملاقة، تحتها حكايات وعندها أسرار.
تلعب القطط مع الكلاب، تطوف الأبقار بالبيوت من يحلب منها لبنا سائغا للشاربين، يهدل الحمام فوق أبراجه البيضاء، ثعلب يتربص الباب، تجري الأمهات خوفا على أطفالها، يصفر خفير الناحية، لقد جاء من زرع في بلادنا الفوضى، لم يا أم هاشم أطلقت الذئاب؟
شاهدتهم يكنسون المقام سبع مرات، يوزعون الفول النابت، يهبون المسابح، يرتدون الجلاليب!
يحيون المولد وهم لا يدرون أن المقام به عترة النبي، مدد يا صاحبة الستر الرفيع، الفقراء يطلبون عند بوابة المتولي أرغفة خبز محشوة بالفريك، أنا كنت معهم هناك، لكنني خفت لما وجدت رقبة الأتابك تتدلى، إنها تنزف دما، سنابك الخيل المطهمة تضرب ماعون الثريد، جاءوا يحملون راية زرقاء تتوسطها نجمة بيضاء، لقد حان وعد الآخرة، يا أم هاشم يطلبون دم الحسين، لم يكتفوا بكربلاء، لقد وزعوا الموتى مع بطاقات الدعم، خيم الصمت على باب الفتوح، لقد سكنته العناكب، سيف صدأ مما علاه من دموع الذل.
زرت المقام، جاءتني في رؤيا، أعطتني ورقة بيضاء لها حواش خضراء، لكن القلم مداده أحمر، كلما هممت بحرف اختفى، يختال شيطان عند باب الحديد، يسرقون الكحل من العيون.
أم هاشم سرها تتسامع به الآذان، تنطق به الشفاه، تعلمه الجدات لصغارها، حين يبذر الفلاح حبوب القمح يوصي العصافير أن تحمل الحنطة لدراويش السيدة، قنديل أم هاشم يضاء بزيت أحمر قان، ذبالته تتحرك دائما جهة اليمين، لم تنطفيء إلا يوما واحدا، لها مقام معلوم، ضجت السماء بما رأت، ألف حسين يا أم العواجيز، تأخر المولد هذه العام، لم يعد أحد يوزع صحون الفول النابت، يزيد يطارد اليمام في البراري، يطلق كلابه تتشمم أثر المحيطين بالحسين، هذه أيام مباركة، سيوزع الأتابك الثريد مع اللحم!

Related posts

Leave a Comment