مشكلات تدريس علم النحو 6

مشكلات تدريس علم النحو
(الطالب)
6

الاستهانة بالانضباط اللغوي استماعا وتحدثا وقراءة وكتابة
وربما أتي الطالب من اضطراب حضور اللغة واللهجة، ولو كان تعلم أنه لا يستغني عن حضور لغته في مقاماتها مثلما لا يستغني عن حضور لهجته في مقاماتها، ما استهان بالانضباط اللغوي مثلما لا يستهين بالانضباط اللهجي.
ولقد حدثنا عن امرأتين عمانية ومصرية انتظرتا حافلة نقل المسافرين مدة، فلما حضرتهما صاحت العمانية بالمصرية: استني! ففعلت وفاتتها الحافلة؛ إذ “استني” في اللهجة العمانية من الاستنان أي الإسراع، وفي اللهجة المصرية من “الاستيناء” أي التمهل، ولو كانتا عمانيتين أو مصريتين ما التبس عليهما أي من ذلك! وكذلك ما روينا في أخبار الحمقى والمغفلين، عمن سمع مؤذنا ينصب كلمة رسول من شهادة الأذان “أشهد أن محمدا رسول الله”ØŒ وحقها الرفع خبر أن؛ فأجابه سريعا: يفعل ماذا، سخرية من خطئه الذي نقص الكلام الكامل!
فلو عرف الطالب لكلتا اللغة واللهجة مكانها ومكانتها، ما جار بإحداهما على الأخرى؛ وكيف يجور بخاصة محدودة (لهجته)، على عامة مطلقة (لغته)؛ فيقطع رحمه! أم كيف يجور بعامة مطلقة على خاصة محدودة؛ فينكر نفسه!

الغفلة عن تأصل النحو في كل عمل لغوي
يصخب الطلاب بعضهم على بعض وعلى مدرسيهم بأنهم لا يعرفون النحو ولا يحبونه، وبأنهم يعرفون الأدب ويحبونه! ولو اطلعوا على أنهم لولا معرفتهم النحو ومحبتهم له ما عرفوا الأدب ولا أحبوه، لتوقغوا فيما يصخبون ولندموا على ما فرط منهم؛ فإن النحو هو نظام التفكير والتعبير الذي ينتظم ذلك الأدب، ويلتقون عليه هم وغيرهم فهما وإفهاما، ويتحاكمون إليه. ولولا انتظام النحو بينهم ما استقام بيان، ولا استمر إحسان!

المبالغة في تقدير العلامة الإعرابية دون غيرها من المعالم النحوية
والنحو نظام عظيم من أعمال التحديد والترتيب والتهذيب اللغوية المتشعبة المتداخلة، لا تتجاوز فيه العلامة الإعرابية (الضمة وما ينوب عنها، والكسرة وما ينوب عنها، والفتحة وما ينوب عنها، والسكون وما ينوب عنه)، مقدار خمسه؛ ولن يغلب خمس أربعة أخماس، بل يحتمل لها الخطأ فيه والبرم به، ويصبر عليه، حتى ينقاد لها طوعا، وتستقيم على جادة اللغة الأخماس كلها.
وكما كان التقطيع الوزني أهم خطا التخريج العروضي، وتمييز الأصول أهم خطا التخريج الصرفي- يظل تعيين الموقع أهم خطا التخريج النحوي، حتى إنه ليكتفى بها في أكثر التحليلات النحوية، ولاسيما بين المثقفين غير المتخصصين.

الاستغناء بحفظ القواعد عن تطبيقاتها النصية
يتجاوز بعض المتعجلين أو المغرورين تفصيلات الأمثلة وتحليلاتها النحوية الحية، إلى قواعد مسائلها المتحكمة الميتة، فيحفظونها، ثم يجدون الرضا عما فعلوا! ومنهم من يشتغلون بحفظ المتون عن استيعاب تحليلات النحويين المتحققين من مفسري القرآن الكريم وشراح النثر الشريف ونقاد الشعر النفيس!
ألا ما أشبه هؤلاء المشتغلين عن التطبيقات النصية بحفظ القواعد والمتون، بالمشتغلين عن صحبة الصالحين بحفظ كتب الأخلاق؛ فإن هؤلاء يسيئون معاملة الناس من حيث يحسبون أنهم يحسنون، وأولئك يخطئون وجه تكوين المركبات النحوية من حيث يحسبون أنهم يصيبون، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

Related posts

Leave a Comment