اليوم هو الذكرى ال (14) لوÙاة أستاذنا وشيخنا العلامة الأصولي البارع المهيب Ø£.د Ù…Øمد بلتاجي Øسن، رØمه الله وجزاه عنا خيرا، وبهذه المناسبة العزيزة أعيد نشر مقالة كنت كتبتها ÙÙŠ تأبينه:
د. Ù…Øمد بلتاجي …Øصن الشريعة الذي Ùقدناه(*)
بقلم/ وصÙÙŠ عاشور أبو زيد
شهد يوم الإثنين 7 من ربيع الأول 1425هـ المواÙÙ‚ 26/4/2004Ù… ÙˆÙاة Ø£Øد علمائنا الكبار، الذين يثلم ÙÙŠ الإسلام بغيابهم ثلمة لا تÙسد Øتى يقوم غيرهم.
وموت العلماء – كما جاء عن السل٠– مصيبة، ومؤذن بخراب الدنيا؛ إذ إن أعظم ما تصاب به الأمة أن تÙقد علماءها وقادة الرأي Ùيها، وقد روى الإمام البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله Ù€ صلى الله عليه وسلم Ù€ يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، Øتى إذا لم ÙŠÙبق٠عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، Ùسئلوا، ÙØ£Ùتوا بغير علم، Ùضلوا وأضلوا). صØÙŠØ Ø§Ù„Ø¨Ø®Ø§Ø±ÙŠ: كتاب العلم. باب: كي٠يقبض العلم.
إنه أستاذنا الدكتور Ù…Øمد بلتاجي Øسن العالم الكبير والÙقيه الجليل والأصولي الراسخ، الذي لبي نداء ربه بعد معاناة مع المرض، ودÙÙÙ† بمداÙÙ† عائلته ÙÙŠ Ù…ØاÙظة ÙƒÙر الشيخ بعد صلاة عصر اليوم Ù†Ùسه، عن عمر يناهز ستة وستين عامًا، آثر خلالها أن يظل بعيدًا عن الأضواء والإذاعات والتلÙازات والÙضائيات رغم أنها كانت تلهث وراءه، وكما عاش ÙÙŠ صمت مات أيضًا ÙÙŠ صمت دون أن يشعر به Ø£Øد، وهكذا يموت عندنا العلماء، رØمه الله رØمة واسعة.
Ù…Øطات ÙÙŠ رØلة ØاÙلة:
*ولد الدكتور Ù…Øمد بلتاجي ÙÙŠ عام 1938Ù…ØŒ ÙÙŠ بيت علم وشرÙØŒ Ùأبوه هو الشيخ بلتاجي Øسن Ø£Øد العلماء المعروÙين، وتربي ÙÙŠ Ù…ØاÙظة ÙƒÙر الشيخ شمال دلتا النيل بمصر، وكان مقامه بمدينة طنطا ÙÙŠ Ù…ØاÙظة الغربية.
*تعلم ÙÙŠ الأزهر الشريÙØŒ وتخرج ÙÙŠ كلية دار العلوم عام 1962Ù…ØŒ وكان الثالث علي دÙعته..
*Øصل علي الماجستير بتقدير ممتاز عن موضوع: «منهج عمر بن الخطاب ÙÙŠ التشريع» عام 1966Ù….
* ثم Øصل علي الدكتوراه بمرتبة الشر٠الأولي عن موضوع: «مناهج التشريع ÙÙŠ القرن الثاني الهجري» عام 1969Ù…..
*رÙقي إلي أستاذ مساعد، ثم أستاذ عام 1980Ù…..
*شغل منصب «عميد» لكلية دار العلوم بالقاهرة لمدة عشر سنوات، منذ 1986Ù… – 1996Ù…..
*عمل رئيسًا لقسم الشريعة بالكلية منذ عام 1995Ù… Øتى ÙˆÙاته..
*عÙين رئيسًا لمركز الدراسات الإسلامية بكلية دار العلوم 2002Ù…..
*عضو لجنة ترقية الأساتذة..
*أشر٠علي أكثر من 200 رسالة علمية، وناقش مثلها..
*عضو مجمع البØوث الإسلامية..
*اختير عام 2003Ù… عضوا بمجمع الخالدين “اللغة العربية” بالقاهرة.
جدير بالذكر أنه – رØمه الله تعالي – تربي وتعلم علي أساطين العلم والÙقه والأصول ÙÙŠ عصره؛ Øيث تتلمذ علي عالم عصره الشيخ Ù…Øمد أبي زهرة، والÙقيه الشيخ علي Øسب الله، والعالم الجليل الشيخ علي الخÙÙŠÙØŒ والأستاذ الدكتور عبد العظيم معاني، والأستاذ الدكتور مصطÙÙŠ زيد، الذي أشر٠عليه ÙÙŠ الماجستير والدكتوراه، والداعية الكبير الشيخ Ù…Øمد الغزالي، وغيرهم.
د. بلتاجي المعلم والإنسان:
لقد درسني الدكتور Ù…Øمد بلتاجي Ù€ رØمه الله Ù€ أربع سنوات، الÙرقة الثانية والثالثة والرابعة ÙÙŠ كلية دار العلوم بالقاهرة، بالإضاÙØ© إلى مادتين ÙÙŠ السنة التمهيدية للماجستير؛ Øيث Ø£Ùدت منه Ø¥Ùادات٠علميةً كبيرة، ÙˆØببني ÙÙŠ العلم الشرعي ÙˆØببه إلي، وكان يتبع معنا أسلوبا علميا من شأنه أن ينشئ باØثا Øرا مستقلا.
ومن معالم هذا الأسلوب أنه طلب إلينا ÙÙŠ السنة التمهيدية أن نتناول كتابين له تناولا نقديا، وقال: “ليس شرطا أن تكون ÙÙŠ علم من تنقد أو أكبر منه علما وسنا، Ùليس ÙÙŠ العلم كبير، لكن المهم أن يكون نقدنا بناء ومؤدبا يتبع الØÙ‚ بدليله، مركّÙزًا على الÙكرة وبعيدا عن الشخص”.
وكان يلقي علينا المØاضرة من Ù…Øاضرات الأصول عن الإجماع أو القياس أو الاجتهاد وغيرها، ثم يأمرنا أن نتتبع ما قاله العلماء ÙÙŠ هذه القضايا، ويقول: “أنتم مطالبون بكل ما قيل Ùيها منذ كتب الشاÙعي رسالته إلى أن كتب عبد الوهاب خلا٠علم أصول الÙقه”.
Ùكانت طريقته Ù€ رغم صعوبتها علينا Ù€ تدÙعنا إلى المكتبات والبØØ« والتعر٠على الكتب الأصيلة ومناهج العلماء Ùيها بما يبني Ùينا ملكة البØØ« وسبل الوصول للمعلومة.
لقد آتاه الله تعالى بسطة ÙÙŠ العلم والجسم، وكانت بسمته Ùيها قدر كبير من البراءة، كما كان Ø§Ù„Ù…Ø²Ø§Ø Ù…Øببا إليه، Ùلا يكاد يلتقي بزملائه أو أبنائه وطالباته إلا ويمازØهم بما ورث من آداب اللغة شعرا ونثرا، وما عايش من تجارب ومواق٠وخبرات عديدة ومتنوعة.
كما كان مهابًا لا يجرؤ Ø£Øد على مبادأته بالمزاØØŒ أو الØديث معه إلا على استØياء، Ùكأنما الشاعر عناه بقوله:
ÙŠÙغْضÙÙŠ Øياءً ويÙغْضَى من مهابته Ùمـا ÙŠÙكَلَّم إلا Øين يبتسم
بكÙÙ‘ÙÙ‡ خَيْزÙرانٌ ريØهـا عبق من ÙƒÙّ٠أروعَ ÙÙŠ عرنينه شمم
مشتقةٌ من رسول الله نبعتÙÙ‡ طابت مغارسÙÙ‡ والخيم والشيم
من مؤلÙاته:
يعتبر الدكتور Ù…Øمد بلتاجي من المقلين ÙÙŠ التأليÙØ› Øيث لم يترك لنا كثيرًا من المؤلÙات غير أن ما خطه بيمينه أغنى المكتبة الÙقهية والأصولية، ولم يكن أستاذنا الدكتور Ù…Øمد بلتاجي ÙÙŠ كتبه نسخة مكررة من غيره، بل كانت له شخصيته وأسلوبه المتميز ÙÙŠ تناول القضايا الÙقهية، ومن أهم ما تركه لنا ما يلي:.
منهج عمر بن الخطاب ÙÙŠ التشريع.. مناهج التشريع ÙÙŠ القرن الثاني الهجري.. Ø£Øكام الأسرة دراسة مقارنة.. الملكية الÙردية، وهو Øائز علي جائزة الدولة.. الميراث والوصية.. بØوث ÙÙŠ التÙسير والأصول والتشريع.. دراسات ÙÙŠ الأØوال الشخصية.. بØوث ÙÙŠ القرآن والوØÙŠ.. التشريعات المالية ÙÙŠ Ùقه عمر بن الخطاب.. مكانة المرأة ÙÙŠ القرآن الكريم والسنة الصØÙŠØØ©.. الجنايات وعقوبتها ÙÙŠ الإسلام ÙˆØقوق الإنسان.. بالإضاÙØ© إلى بعض الأبØاث المØكمة.
من ميزاته ÙÙŠ التناول العلمي:
تميز ما تركه Ùقيدنا الكبير بالأصالة العلمية والدقة البØثية، والعبارة المØكمة، والدقة البالغة، والإØصاء والإØاطة Ùيما يتناوله، كما تميز بالجمع بين Ù…Øكمات الشرع ومقتضيات العصر.
ومن ميزات كتاباته: الموضوعية٠والمنهجية المتقنة التي كانت تؤصل للموضوع من كل جوانبه تأصيلا يرÙع عنه اللبس ويزيل عنه الشبهات ويكش٠عنه اللثام، ثم يورد أقوال الخصم ويجيب عنها بما لا ÙŠÙبقي لما يَرÙد٠على الرأي أيَّ بقية ÙÙŠ Ù†Ùس القارئ من Øرج أو عقله من شبهة؛ Ùيخرج القارئ وهو سليم الصدر مقتنع العقل مطمئن النÙس بما قرأ من تأصيل، وما رأى من ØªÙˆØ¶ÙŠØ Ù„Ù…Ø§ يمكن أن يرد على الÙكرة.
ومن المعلوم أن العلماء من Øيث الكتابة والخطابة ثلاثة أنواع: نوع تقرأ له Ø£Ùضل مما تسمع، ونوع تسمع له Ø£Ùضل مما تقرأ، ونوع ثالث جمع الله له الاثنين وآتاه الØسنيين، متمكن ÙÙŠ البØØ« والكتابة ومتمكن ÙÙŠ الكلام والخطابة، وقد كان أستاذنا من النوع الأول، الذي تقرأ له Ø£Ùضل مما تسمع.
ومما تميزت به كتاباته ÙˆØ¶ÙˆØ Ø§Ù„Ø§Ù‡ØªÙ…Ø§Ù… Ùيها باللغة العربية واستعمالاتها لا سيما ÙÙŠ عملية الاجتهاد التنزيلي، باعتبار العلم باللغة من شروط الاجتهاد الأصيل، وبØكم Øبه للغة العربية واطلاعه على آدابها شعرا ونثرا، Øتى إنه كان يعقب على كبار اللغويين والبلاغين من أمثال الزمخشري.
كما أن Øرصه على مراعاة مقاصد الشريعة وتØقيق Ù…ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ù†Ø§Ø³ بما لا يتناÙÙ‰ مع الأصول والمبادئ والكليات Ù€ كان واضØا لا سيما ÙÙŠ النوازل والمسائل المستØدثة.
من مواقÙÙ‡ التاريخية:
كانت للدكتور بلتاجي مواق٠تذكر له Ùتشكر، وتنسب له Ùلا تنكر، تدل على شجاعته وقوته ÙÙŠ الØÙ‚ØŒ لا يخشى ÙÙŠ الله لومة لائم؛ Øيث كان إنسانا Øرا لا يملي عليه Ø£Øدٌ ما لا يرضى، ولا ÙŠÙكرهه Ø£Øدٌ على اتخاذ قرارات Ùيها ظلم لأØد، أو Ù…Øاباة للبعض، أو رضوخا لجهات أخرى، يشهد له بذلك الأساتذة الذين عاصروا Ùترة عمادته للكلية أو رئاسته لقسم الشريعة بها، كما يشهد له الطلاب بذلك سواء بسواء.
ومن مواقÙÙ‡ موقÙÙ‡ من “قضية الربا” التي أثارها ويثيرها شيخ الأزهر الدكتور Ù…Øمد سيد طنطاوي، وقد رد عليه الدكتور بلتاجي وقت أن كان الشيخ طنطاوي Ù…Ùتيًا، وكان مما قال: «إننا مهما تأملنا آيات القرآن الكريم الواردة ÙÙŠ الربا، وما يتصل بها من Ø£Øاديث السنة، وأسباب النزول Ùلن نجد Ùيها ما يشير من قرب أو بعد إلي ما قام ÙÙŠ أذهانهم من أن الله Øرم ربا الجاهلية لمØض ما كان يتضمنه من استغلال الÙقير وظلمه. وقد يري العقل البشري أن هذا كان من جملة الØكم التي روعيت ÙÙŠ التØريم، ولكن لا يستطيع Ø£Øد الجزم بأن مناط علة التØريم ÙÙŠ منع استغلال Øاجة الÙقير وظلمه. ومن يراجع كتب التÙسير سيجد أن الظلم الوارد ÙÙŠ الآيات إنما هو مطلق الزيادة علي الØÙ‚ بصر٠النظر عن Øال الدائن والمدين، ورغبة كل منهما ومصلØته ÙÙŠ الصÙقة الربوية».
ومن مواقÙÙ‡ أيضًا موقÙÙ‡ من العمليات الاستشهادية ÙÙŠ Ùلسطين، Øيث كان يري أن هذه العمليات من أرقي أنواع الشهادة ÙÙŠ سبيل الله، وأنها جندى من جنود الله سبØانه، وأنها هي التي Ø£Ùقدت الصهاينة وأعوانهم الأمن والسلام، وقذÙت ÙÙŠ قلوبهم الرعب والÙزع، وأØدثت توازن الرعب الذي نسمع عنه كثيرًا ونقرأ عنه أكثر، ولا تمت بصلة إلي الانتØار أو الإلقاء بالأيدي إلي التهلكة.
من آرائه واهتماماته:
كانت للدكتور Ù…Øمد بلتاجي آراء واهتمامات ÙˆÙ†ØµØ§Ø¦Ø Ù…Ù†Ù‡Ø§ ما كان شخصيًا، ومنها ما كان عامًا.
Ùمن آرائه الشخصية: أنه لم يكن يرغب ÙÙŠ الإعلام والظهور علي الشاشات، ووجهة نظره أن الإعلام يمارس علي صاØبه نوعًا من الضغوط والتعجل، وهذا ليس ÙÙŠ ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ùقيه لا سيما ÙÙŠ القضايا المستجدة والخطيرة، بالإضاÙØ© إلى سير الإعلام ÙÙŠ جهة مرسومة خطواتها مدروسة مضامينها، Ùكان ÙŠÙضل العيش ÙÙŠ صمت Øتى لا يقع Ùريسة لأØد أو يتكلم بما لا يقتنع به، ÙˆØتى يبØØ« القضايا بهدوء، وتأخذ معه وقتها الكاÙÙŠ ليصل Ùيها إلي رأي مقرر.
ومن اهتماماته العامة -رØمه الله- مشكلات الأسرة المسلمة وما يتعلق بها، وهو ما ورثه عن عمله ÙÙŠ المØاكم الشرعية الخاصة بالأسرة قاضيًا ورئيسًا، Ùكان يري أنه لا يمكن للمجتمع أن يسير Ù†ØÙˆ التقدم إلا بØÙ„ جميع المشكلات التي من شأنها أن تعوق هذه المسيرة، وعلي رأسها المشكلات المتعلقة بالأسرة باعتبارها Ø¥Øدى لبنات المجتمع. وكان الدكتور بلتاجي ÙŠØذر من الزواج العرÙÙŠØŒ ويعتبره “Ù…Øرمًا شرعا”Ø› لأنه لا ÙŠØقق مقاصد الشريعة من الزواج وإن تم بورقة وشاهد، بل كان يعتبره نوعًا من الزنا المقنع ولا يسميه زواجا أصلا، وكثيرا ما استÙضي٠ÙÙŠ لقاءات وندوات عن هذا الموضوع.
ومن اهتماماته أيضًا مجال المرأة والقضايا المثارة Øولها، وقد أل٠ÙÙŠ ذلك كتابًا كاملاً: «مكانة المرأة» تناول Ùيه أهم هذه القضايا المتعلقة بها، مثل: Øكم توليها المناصب العامة، ولباسها، وعملها، وصوتها، ودخولها المجالس النيابية، ÙˆØكم توليها القضاء، ÙˆØكم توليها الولاية العظمي، وغير ذلك.
كان الدكتور بلتاجي -رØمه الله- يتميز بنوع من الشدة والجدية مع طلابه بما قد ÙŠØسبه البعض تعسÙًا أو ظلما أو غير ذلك غير أنه كان يريد أن يخرّج طلابًا نابهين، ويشكل عقولاً أصولية Ùقهية، تخدم الأمة وتقدم لها علماء، وقد تخرج عليه عشرات بل مئات الطلاب ÙÙŠ مصر والعالم العربي والإسلامي، جزاه الله عن العلم وطلابه خير ما يجزي به العلماء العاملين، والدعاة الصادقين الربانيين، وأخلÙنا Ùيه خيرًا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ــــــــــــــــــــــــ
(*) نشره موقع إسلام أون لاين بتاريخ: 27-4-2004Ù…ØŒ وجريدة Ø¢Ùاق عربية، عدد رقم (657) بتاريخ: 13/05/2004Ù…ØŒ ومجلة المجتمع الكويتية: عدد رقم (1600) بتاريخ: 14/5/2004Ù….