دهن العطار للدكتور السيد شعبان جادو

تلك حكاية مضى عليها دهر، لم أشهد حدوثها، كل ما تبقى لدي خربشات في ذاكرتي، الناس في بلدتي تؤرخ بالفواجع قبل أن تعطي للأفراح معنى، إنهم يدمنون الحكي الممزوج بكثير من التباكي على أحوالهم، مضت السنوات وها أنا متلبس بحنين جارف إلى الماضي، ذلك الفتىالذي يوما ما قد مشى في جسدي، تلبسني كيفما شاء، لم أعد أهتم بما طرأ عليه، لحية وشارب، تغير صوتي، صرت أكثر خجلا!

كنت أتجنب المكان الذي تتواجد فيه، وجهها بدا لي أن القمر يغار منه، خيالات المراهقة ضربتتي في عجل، انتبهت أنهن يسرقن العمر، الواحدة منهن أشد خطرا من النداهة التي تطرق البيوت في ليالي الشتاء الطويلة، كل هذا صار من الماضي، لا أدري سببا لأن يبرز مثل نتوء يعترض خط سير حياتي.
إنها تحاصرني تمسك بخناقي، ماذا تريد مني؟
ذلك سؤال تعبت في محاولة كشف لغزه، حين يبيض شعر الرأس ويصاب العقل بالخرف بل وحتى الجسد يفقد رغباته الملحة،لا حاجة بكل تأكيد لأن يعاود المرء هلاوسه المخبوءة، سخرت من نفسي التى انعزلت عن عالمها عقودا، تتغير إلى النقيض تماما، أزمعت الرحيل صوب جهة غير معلومة، فطيفها يلح علي أن أتواصل معها، ترى ما الذي لديها لتعطيه لرجل يوشك أن يدخل قبره منفردا،لا أحد يجاور الآخر في رحلته الثانية، كل نفس بما اكتست به من طلاء مراوغ مسئولة.
في هذه الأيام بدأت أعاود التصابي فهذا يجلب بعض طيش، صبغت شعر رأسي الأبيض، ذهبت إلى عطار يتخابث كثيرا، كل زبائنه على شاكلتي، عنده ما يعيد رونق الشباب هكذا كتب فوق واجهة محله، كنت أحسب أن هذا هراء، وقفت قبالته، تعثرت حروف الكلمات على شفتي، وهل لمثل من هو مبتلى بالخجل أن يفك عقال لسانه؟
في سرعة شيطان جاءني بوصفة سحرية، أوصاني أن أدهن منها مشرق الشمس، لكنه عجز أن يعيد الدماء إلى شراييني الواهنة؛ قلبي أشبه بعربة المياه ذات المحرك العجوز، تعطي دخانا ولا ماء!
أشعر بدبيب يسري في ذات توشك أن ترحل، تحايلت على الهاجس المميت، اشتريت بدلة مخططة، رابطة عنق أرجوانية، بدلت إطار النظارة الكئيب، لأول مرة أقف قبالة المرآة، أخذت أدندن بشعر نزار، يا لوقع مفرداته؟
أحقا ” غدا ألقاه” ØŸ
إنه الوهم يشعرني بأنني فوق السحاب، ظللت يوما وراء يوم أعاني من تبعات ذلك الأرق الذي أطار النوم من عيني، ثم ماذا بعد؟
استبدلت عاداتي القديمة بتلك الظنون؛ إنها تبحث عني، تتلهف لقائي، كل صباح تخرج رأسها من النافذة ثم تحرك يديها ملوحة لي، لم تكن فتاة أحلامي التي علقت بذاكرتي زهاء أربعين عاما، تعجبت مما تفعل، حتى كانت تلك الساعة التى وضح لي أن ذلك الشعور كان عبثا، إنها تعاني من خمول ذراعيها؛ أوصاها الطبيب أن تحركهما أشبه بمن يعابث أحدا أمامه، كنت الدواء لأمرأة تشبهني وقد حان أوان الخريف!
أغلقت النافذة التى جاءت منها تلك النسمة الواهنة، استدرت وأسندت ظهري إلى الحائط، بدأت أبكي كما لو كنت طفلا فقد دميته، بالفعل أنا أشبهه رغم بلوغي سن التقاعد، الفراغ من كل شيء حتى الجسد لم تعد به طاقة لأن يشتهي الطعام، غفوت قليلا، صوت بالخارج ينادي

Related posts

Leave a Comment