البيت الطيني، للسيد شعبان جادو

تربص الثعلب بقن الدجاج طوال الخريف، انتهز فرصة هبوب الريح، الكل في البيت الطيني الكبير منشغل هذه الأيام بزحزحة لبنة من حجرته القابع فيها سجنا؛

إنهم لايريدون تغيير البناية، ينامون مستسلمين للخدر الشهي، ترقص فيه الأنثى مثل لفحة نار في عز الشتاء القارس، يشعلون مواقد الحطب، يرتشفون أكواب الشاي المحبرة بل المعتقة، يتناولون طعامهم المغموس بداء الفقر الناشف، إنهم يرتدون أجولة الخيش، يتنعمون بالتثاؤب، تمضى بهم الحياة كأنما هي زنزانة وضعوا فيها، يتحرك فأر مارا برؤوسهم يكتفون بالضحك، يقرض شواربهم، يتمادون في التناوم، يأتي لص يخلع باب البيت الطيني الكبير؛ يحنون عليه، يعطونه مفتاحه ومعه هدية؛ أجمل الفتيات عساه يترك لهم باقي النسوة، فلا تحلو الليالي المعتمة بغيرهن، يتحركن مثل الفراشات تحت أسقف عارية، يتمادى اللص يستلب أركان البيت، يتهاوى السقف، يكتفون بأن يسرق بعضهم لبنات بعض!
يعرفون النواح، وكثيرا من الخطب فوق جذع الجميزة الميتة، يبدأ كبيرهم في تعديد مفاخره، أطفاله الكثر، نساؤه المنتفخات بالجديد، لكنه تجاهل السل والجرب، إنه مصاب بالهلوسة، طوال الليل يتبلع الدخان الأزرق، تأتي به غجرية مصابة بداء النزق، لا ضير ففي الشتاء يحلو للأسرة أن ترتج أعمدتها، و مع دوي الريح تتماهى الحمقات!
في هذا الوقت تفقد الأمكنة قيمتها، فلا نفع للحجر ولا أهمية للنهر، إنهم يقتاتون الوجع ومن ثم يتندرون على البشر، في تلك الحالة تخلص من تركة جده المثقلة بأوزار الانتماء، احتكر الأحباش الجغرافيا، حاصروا التاريخ أقاموا منتجعات لبيع الآيس كريم عند بوابة النيل، إنه العناد حتى والنار مشتعلة في ثيابهم.
يتعاركون ومن ثم يتسللون من شقوق الطوب اللبني، يطاردون البرص لو علموا أن الجدار تحته كنز الخضر لتمالؤا عليه، ربما شبت نيران العداء أكثر، فالسيد القابع في خاصرتهم يهزأ بهم.
يسوقهم حتى بحيرة طبريا، هناك ينادي المؤذن؛ والصوت واهن عاجز، والخطو مرتعد كسيح!
أنى لهم أن يغامروا بكشف الغطاء عن سوءة رتع فيها العاشقان: السل والجرب؟
نزى الثعلب على القن، افترس دجاجة ثم رفع عقيرته، سعت إليه الديكة وقد أصابتها الرعدة، حملت إليه الفراخ طيعة، ارتدى الثعلب جلد الحمل، تباهى بحنوه، كل ليلة يمزق واحدة؛ طورا بين فخذيه وأخرى بين فكيه، يمور البيت الطيني الكبير بالأوراد الواهنة، يلتحف عباءة الرهبان البالية، تطول اللحى ومن عجب تتقاصر الثياب، الحمد لساكن القن الأبيض!
تبا له يعدو عليهم ولا يذر لهم غير الفتات؛ بقية منهم تراضوا في ما بينهم أن يرفعوا إليه شكاية موشاة بأريج زهرة بيضاء، مما نبت عند محفلهم، أن يترأف بعض وقت حتى تسمن الصغيرات وتصلح لليالي المخضبة بالخمرة الدائرة في كؤوس الطلا متى لامست شفاها منمقة بقوس هلالي، للخصر النحيل تتماوج رغبته، وللنهر العجوز لا تطهر دناءته.
تلفح البرودة وجوههم، تتساقط السماء عليهم شواظا من نار، يحتمون بجدر دون باب، يتسامرون بمن التهمه الثعلب، تضرب الوحشة القبو، يتصايح الصغار ولا دمع!

Related posts

Leave a Comment