كتاب حياة محمد لهمفري برايدو العدواني شاهد أفول الدراسات العربية في إنجلترا

“حقق الكتاب نجاحا كبيرا، وطبعت منه ثلاث طبعات بين العامين 1697 Ùˆ1698ØŒ وأعيد طبعه مرات متعددة في إنجلترا وأمريكا، كما ترجم إلى لغات أوروبية أخرى.

وهو كتاب كما يظهر من عنوانه هجومي، لا يحمل على الإسلام فقط، بل يحمل أيضا على الفرق المسيحية التي كانت تتناحر في عصره، أو كما قال بالنص: والنظر في أصحاب المذهب الربوبي في عصره. في هذا السياق يظهر أن الكتاب كان له تأثير ما، ولكن كعمل أكاديمي يعتبر عملا رخيصا تافها على رغم أن برايدو يتظاهر فيه بأنه يتبع المنهج العلمي. وهو يخبر القارئ في التصدير أن ما بين يديه مجرد جزء من عمل أكبر يخطط للقيام بإنجازه بعنوان: تاريخ تدمير الكنيسة المسيحية. وهو يمضي في القول: كنت حريصا على ألا أذكر مصادري كلها في الهامش. وعند قراءة الهوامش والتعليقات التي قام على تحقيقها وجدنا أن جميع الكتب الشرقية التي أوردها مأخوذة من الباطن من إصدارات أوروبية وترجماتها، وكثير منها من كتاب بوكوك المعنون بلمع من تاريخ العرب. لم نجد دليلا على أن برايدو قرأ كتبا في القرآن، وربما لعب كتاب لمع من تاريخ العرب دورا في توجيه برايدو إلى الكثير من المصادر العربية التي تتناول حياة محمد، والتي كانت متاحة في مكتبة البودليان أو في الكتب التي كان يمتلكها بوكوك نفسه، ولكن برايدو لم يشغل نفسه بهذه المصادر، ولم يطلع عليها في أثناء سنوات عمله الكثيرة في أكسفورد. والحق أن جهله بالعربية جعله يخرج بملاحظة عجيبة يتحدث فيها عن اتفاق كبير بين العربية والإنجليزية في قوة الحروف ونطق المفردات، ثم يمضي في القول: حتى إنه لا توجد لغة في العالم أكثر قربا من لغتنا من العربية في هاتين الخصلتين وغيرهما. أضف إلى ذلك أن برايدو لم يكن يدقق في اختيار المصادر التي كان يستند إليها على رغم إلحاحه على أنه كان يدقق في ذلك تدقيقا كبيرا. كانت المصادر كلها تتساوى لديه، شرطه الوحيد أنها تتفق مع مزاجه في الهجوم على النبي محمد؛ ومن ثم راح يمتح من كتب العصور الوسطى من دون تدقيق، فقرأ الكتاب الذي ألفه ريكولدو دا مونتيكروتشه وكان بعنوان دحض منطق المسلمين -وكان يسميه ريكاردو مقلدا بذلك ببلياندر- وقرأ كتابا بعنوان تمحيص القرآن، تأليف نكولاس كوسا. وقد وصف هولت محقا هذا الكتاب وما أثاره من قضايا بأنه مجرد خليط غير موفق من كتب التراث الإسلامي والخرافات المسيحية، ألف بينها شخص مفعم قلبه بالعداء للإسلام والمسلمين. وأما الشهرة التي حظي بها هذا الكتاب والانتشار الذي حققه فمردهما إلى أن الكتاب جاء في واقع الأمر ليكون شاهدا على أفول الدراسات العربية في إنجلترا، وينبئنا أكثر عن تردي الذوق العام في أوروبا كلها في أثناء القرن الثامن عشر”ØŒ 158-160.

Related posts

Leave a Comment